تزامنت الذكرى الحادية والعشرون لتغيير السابع من نوفمبر فى تونس، مع إقفال ملف سجناء حركة النهضة، الذى رأت أوساط تونسية انه مقدمة لدعم المسار التوافقى فى البلاد، وترسيخ الأمن والاستقرار. وترى أوساط سياسية تونسية أن إغلاق ملف معتقلى الحركة الإسلامية المحظورة ينطوى على دلالات كبيرة تدفع باتجاه تعميم التفاؤل لجهة تنقية الأجواء، أو لجهة تعزيز مبادئ الديمقراطية والتعددية السياسية. وكانت مصادر حقوقية تونسية أكدت أن ال21 موقوفا إسلاميا الذين أفرجت عنهم السلطات التونسية الأربعاء، ينتمون جميعهم إلى حركة "النهضة". وينظر البعض إلى هذا العفو الرئاسى على أنه مقدمة لمزيد من دعم المسار التوافقى فى البلاد، وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الاستحقاق الرئاسى والتشريعى المرتقب ،وتثبيت الأمن والاستقرار ما يسمح بجلب مزيد من الاستثمارات الى البلاد. ويصف المتحمسون التونسيون والأجانب للتجربة التنموية التونسية بأنها "فريدة"، وذلك بالنظر إلى محدودية الإمكانيات الطبيعية والثروات المادية للبلاد، وبالنظر إلى أساسها الذى يقوم على التلازم والتكامل بين مختلف المسارات لتحقيق التنمية الشاملة،و لبناء مجتمع مدنى تعددى متماسك وفاعل. وبحسب رئيس الوزراء الإيطالى السابق ماسيمو داليما، فإن المسار التنموى فى تونس "يتسم بعدة خصال منها أنه يتطور باستمرار،وبالقوة ما مكنه من تسجيل نتائج اقتصادية واجتماعية هامة". وقال داليما الذى يزور تونس إنه بالنظر إلى ما تعيشه تونس اليوم من تطور وحداثة،"يمكن القول إنها أصبحت ينظر لها فى محيطها العربي، وضمن إطار الحوض الجنوبى للمتوسط كواحدة من أبرز الدول الحديثة والمتطورة". من جهتها، اعتبرت مارى جين ديب رئيسة قسم أفريقيا والشرق الأوسط فى مكتبة الكونغرس الأميركى الموجودة فى تونس حاليا، أن "نموذج التنمية الناجح الذى حققته تونس يمكن أن يشكل قدوة للكثير من الدول". وتشير بيانات إحصائية رسمية، وتقييمات صادرة عن الهيئات والمؤسسات الدولية، الى أن تونس نجحت بالفعل فى إرساء مقومات اقتصاد متين، وفى تكريس رؤية اجتماعية أساسها التضامن والتكافل، إلى جانب تجسيد مفهوم دولة القانون والمؤسسات على أساس ديمقراطى وتعددى دعمتها سلسلة من الإصلاحات الهامة. وفى هذا السياق، قال محمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية التونسى المعارض إن تونس فى عهد الرئيس بن على عرفت إصلاحات عديدة ساهمت فى تطوير قانون الأحوال الشخصية باتجاه دعم وتعزيز مكاسب المرأة، وتطوير قانون الأحزاب والجمعيات والصحافة والانتخابات، "ما دعم التجربة التعددية وإرساء المسار الديمقراطي". ونفذت تونس خلال العشريتين سلسلة من الإصلاحات وُصفت بالجوهرية، حيث يقول قادتها إنها "جمعت بين التنمية والدّيمقراطية على أساس من الترابط والتكامل المتين". وتنشط فى تونس اليوم ثمانية أحزاب سياسية معارضة وهى ممثلة ب37 مقعدا فى البرلمان، كما أن لها مندوبيها فى مجلس المستشارين. كما يوجد فى تونس أكثر من 9 آلاف جمعية ومنظمة أهلية غير حكومية، بالإضافة إلى أربع منظمات وطنية، وأربع هيئات استشارية. وبين هذا الرأى وذاك،لا يتردد الصادق شعبان رئيس المجلس الاقتصادى والاجتماعى التونسى فى القول ليونايتد برس أنترناشونال "أن تونس نجحت فى نحت نموذج، ميزاته أن البناء كان تراكميا ولم يهدم الأركان، كما أنه بناء جماعى ومن خصوصياته معادلته بين السياسى والاقتصادى والاجتماعي". لقد راهن بن على على ترشيد الحياة السياسية، وشجّع على الحوار والاختلاف، وفتح الباب واسعا أمام المعارضة الوطنية ومختلف قوى المجتمع المدنى كى تساهم فى نحت تفاصيل تونس الغد، وأسس لتجربة سياسية قوامها تلازم الاختلاف مع الشراكة. قراءاتنا تختلف ومع ذلك نبنى سويا المؤسسات السياسية ونراكم التجربة وننضجها. هذه ببساطة فلسفة بن على فى الحكم. التجربة التونسية برأى الكثير من المحللين، تجربة تتصف بالواقعية، فهى جاءت فى زمن تصعب فيه المواجهة، زمن يعانى فيه العالم أجمع من صعوبات اقتصادية وأمنية وسياسية واجتماعية. وهذا بالضبط جانب الاعجاز فيها. أثبت النموذج التونسي، الذى أطلق عليه البعض "الطريق الثالث"، أن الادارة والقدرة على التنظيم وقراءة المستقبل هى عوامل النمو والتطور الحقيقية. فالبلد الذى يصفه الدارسون بقلة الموارد وصغر المساحة مقارنة مع محيطه، برهن للجميع أن الثروة الحقيقية موجودة فى عوامل، ان هى اختفت، حولت أكثر البلدان ثراء بالموارد الطبيعة الى بلدان فقيرة ضعيفة اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. الثروة الحقيقية هى الأمن والنظام والعلم والاستقرار وسيادة القانون. هذا ما أثبتته وتثبته تونس كل يوم.