بعد أيام من إعلان فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية أعلن الرئيس الأمريكي الجديد، باراك أوباما، أنه سيعيد النظر في قرارات الرئيس الأمريكي الحالي، جورج بوش، المتعلقة بعمليات التنقيب عن النفط والخلايا الجذعية. وهذا التصريح يفتح الباب أما تساؤلات كثيرة حول كيفية انتقال السلطة في الولاياتالمتحدة، وآليات عمل الإدارة الأمريكية في الفترة التي يكون فيها رئيسان أحدهما منتخب والثاني تُوشك أن تنقضي مدته. ورصدت دراسة لخدمات أبحاث الكونجرسCongressional Research Service تحت عنوان "الفترة الانتقالية الرئاسية القضايا المتعلقة بالإدارة القديمة والجديدة Presidential Transitions: Issues Involving Outgoing and Incoming Administrations" ملامح هذه المرحلة الانتقالية التي تتميز بوجود رئيسين في وقت واحد أحدهما منتخب والثاني يقضي ما تبقى له من أيام في السلطة. وتركز الدراسة على القرارات التي يصدرها الرئيسان في هذه المرحلة، لاسيما المتعلقة بأمور مثل الضرائب والإنفاق باعتبارهما أحد الأدوات الأساسية التي تستند عليها الإدارة لتنفيذ سياساتها العامة. وتؤكد الدراسة أن الوكالات الفيدرالية تصدر وحدها أكثر من 4 آلاف قرار في العام الواحد في كافة القضايا بدءًا من تحديد مواعيد افتتاح الكباري الجديدة وتنقية مياه الشرب وحتى ما يتعلق بالأمن القومي. تحديات قرارات ما قبل الرحيل في الفترة التي تسبق انتهاء أغلب الإدارات الرئاسية، يزيد عدد القرارات التي تصدرها الوكالات الفيدرالية بشكل ملفت للنظر، وهو ما جعل المراقبين يطلقون على هذه القرارات اسم "قواعد منتصف الليل Midnight Rulemaking". ووضع هذه القواعد والقرارات يعتبر – بحسب الدراسة - "وسيلة الإدارة الراحلة للحياة مرة أخرى بعد الوفاة"، حيث إن الإدارة الجديدة ليس أمامها لإلغاء أو تغيير تلك القواعد والقرارات التي تتخذها الإدارة السابقة قبل الرحيل إلا بالعودة إلى الجهات التي أصدرتها، وهو الأمر الذي يحتاج إلى وقت طويل، والذي يتطلب أيضًا بقاء بعض المؤسسات والموظفين دون تغيير بسبب هذه القرارات. وعندما تسفر نتيجة الانتخابات عن تغيير في الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض من الجمهوري إلى الديمقراطي والعكس، فإن الرؤساء القادمين فطنوا إلى ظاهرة قرارات منتصف الليل، وقاموا على هذا الأساس بوقف أو تأخير القرارات والقواعد الجديدة التي اتخذتها الوكالات الفيدرالية خلال فترة انتهاء الرئاسة الراحلة. فعلى سبيل المثال فإنه بعد أسابيع قليلة من تولي الرئيس الجمهوري رونالد ريجان مقاليد السلطة في البيت الأبيض، أصدر قرارًا تنفيذيًّا يحمل رقم 1229 الذي أمر الوكالات الفيدرالية بإلغاء أو تأجيل تنفيذ كل القرارات التي اتخذت في الفترة التي سبقته اعتبارًا من تاريخ هذا القرار. والرئيس الديمقراطي بيل كلينتون أوقف تنفيذ القرارات والقواعد التي صدرت في نهاية حكم الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب. كما أخرت بدورها إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن القرارات التي اتخذتها إدارة بيل كلينتون في الأشهر الأخيرة من عمرها في البيت الأبيض. موقف الكونجرس من قرارات ما قبل الرحيل وعن موقف الكونجرس من قرارات ما قبل الرحيل رصدت الدراسة ما قام الكونجرس بمراجعة القانون (CRA, 5 U.S.C. §§801-808) الذي يطلب من الوكالات الاتحادية إرسال كل القواعد والقرارات النهائية إلى الكونجرس بمجلسيه الشيوخ والنواب ومكتب المحاسبة الأمريكي قبل أن يتم تنفيذها. كما يطالبهم بتأجيل تنفيذ القرارات الكبرى حتى يتسلم الكونجرس الجديد والإدارة الجديدة مهامها في شهر يناير 2009. وترى الدراسة أن المخاوف بشأن حجم وتوقيت ومحتوى القرارات التنفيذية يتصاعد في فترة انتقال السلطة، وخاصة في الشهور التي تسبق مراسم التنصيب. والتصور المعروف عن تلك الفترة أن الرئيس المنتهية ولايته يتصرف في هذه الفترة بشكل انفرادي، بحسب الدراسة. والأوامر التنفيذية للرئيس المنتهية ولايته والتي يمكن أن تستند إلى جوانب سياسية أو أسباب شخصية لها قوة تنفيذية ما لم يعترض الكونجرس أو القضاء عليها. هذا ويستغل الرئيس الجديد الشغوف للعمل بسرعة وفق أجندته السياسية الخاصة على الفور تلك الفترة لبيان تميزه عن سلفه خاصة إذا كان الرئيس المنتهية ولايته والقادم من أحزاب مختلفة، حيث يقوم الرئيس الجديد بإلغاء القرارات الأخيرة لسلفه. وتحذر الدراسة في هذا السياق من أن تلك الخطوة قد تضع الرئيس الجديد في حرج، فغالبًا ما يتطلب تتغير تلك الأوامر التنفيذية المتخذة في اللحظات الأخيرة للرحيل دفع ثمن سياسي كبير قد يقوض مصداقية الإدارات المتعاقبة والسابقة ويدخلها في مواجهات قانونية خطيرة. فالرؤساء ما بين قادمين وراحلين أصدروا عددًا من القرارات التنفيذية المتضاربة في الفترات الانتقالية. وبلغ عدد تلك القرارات 11 لبوش الأب مقابل 18 لريجان على سبيل المثال. وفي الفترة التي يتحول فيها الرئيس المنتهية ولايته إلى "بطة عرجاء" بحسب توصيف الدراسة فإن الرئيس ريجان وبوش الأب أصدرا عددًا من القرارات المتضاربة بلغت 14 قرارًا، وكلينتون أصدر 22 قرارًا. وتشير الدراسة إلى أن نحو ثلث القرارات التي أصدرها الرئيس جيمي كارتر وقعت في الفترة الأخيرة من ولايته وخاصة مع حادث احتجاز الرهائن بمقر السفارة الأمريكية في طهران. وأوضحت الدراسة أن القرارات الرئاسية التنفيذية التي اتخذت في الفترة ما بين إبريل 1936 وحتى ديسمبر 1995 أثبتت أن الرؤساء الجدد يصدرون عددًا قليلاً من القرارات التنفيذية ولكن في نهاية الفترة الرئاسية يلاحظ إصدار الرئيس مجموعة كبيرة من الأوامر التنفيذية. التسجيلات الرئاسية وتشير الدراسة إلى أحد التحديات الأخرى للمرحلة الانتقالية وهي إمكانية قيام الهيئات الحكومية بتدمير أو إخفاء السجلات والتسجيلات الخاصة بالإدارة المنتهية ولايتها. وللحيلولة دون فقدان أية تسجيلات نادرة أصدر جهاز الأرشيف الوطني، المسئول عن الحفاظ على سجلات الإدارة الحاكمة، نشرة في الانتخابات الرئاسية الخمس الأخيرة بالإضافة إلي الانتخابات الرئاسية التي أجريت هذا العام تذكر رؤساء الوكالات الحكومية بالقواعد المتبعة للحفاظ على تلك السجلات، وتذكرهم أيضًا بأن هذه السجلات في عهدتهم لحين تسليمها، حيث إن الموظفين والمسئولين في الإدارة المنتهية ولايتها ربما يتخلصون من بعض السجلات عندما يغادرون مناصبهم. وفي هذا السياق أكدت وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) أن أجهزة الاستخبارات الأميركية جاهزة لتسليم معلوماتها السرية إلى الرئيس المنتخب باراك أوباما، في وقت تبدأ فيه المرحلة الانتقالية حتى العشرين من يناير، موعد تسلم الرئيس مهماته رسميًّا في البيت الأبيض. وقال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايك هايدن في رسالة وجهها إلى موظفي الوكالة "سنواصل خدمة الإدارة الحالية، لكننا على اتصال أيضًا بالرئيس المنتخب أوباما وفريقه للأمن القومي". وأوضح أن أوباما سيتمتع ب"هامش واسع للاطلاع على المعلومات، أكثر اتساعًا مما كان يتمتع به بصفته عضوًا في مجلس الشيوخ أو مرشحًا للرئاسة". الأمن القومي في الفترة الانتقالية وعن تأثر الأمن القومي خلال المرحلة الانتقالية تقول الدارسة: إنه رغم أن تغيير الإدارة الأمريكية من حيث تأثيره على الأمن القومي عقب انتخابات 2008 – 2009 ليس حالة فريدة، إلا أن عديدًا من المراقبين يرون أن المناخ الحالي والأعمال الإرهابية تنذر باحتمال وقوع مخاطر تهدد الأمن الأمريكي خلال تلك فترة الانتقال الرئاسية كنوع من اختبار ردود أفعال واتجاهات الرئيس الجديد. وعن التحذيرات من وجود تهديدات تستهدف الفترة الانتقالية 2008-2009، أكدت الدراسة أن تلك التهديدات موجودة بشكل واضح سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الدولي. وبعض المراقبين المتخصصين في الأمن القومي عبروا في الدراسة عن قلقهم من قيام مجموعات إرهابية بمحاولة استهداف المصالح الأمريكية خلال فترة انتقال الرئاسة. وثمة من يقول: "إن أعداء الولاياتالمتحدة قد يرون الأمة الأمريكية في هذه الفترة ضعيفة ماديًّا وسياسيًّا، ويستغلون ذلك في نشر دعاية تساعدهم في القيام بأعمال تهدد الأمن القومي الأمريكي، أو القيام بأعمال إرهابية تستهدف محاولة التأثير على الإدارة الجديدة وطريقة تفكيرها". أسلوب انتقال السلطة تتضمن الفترة الانتقالية عدة إجراءات من بينها الاستقالة الطواعية لشاغلي المناصب الخاضعة للاختيار من جانب قادة الوكالات القومية، وبطبيعة الحال فإن متطلبات المرونة في انتقال السلطة تدفع للإبقاء على بعض الموظفين القدامى للعمل جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الجدد لتحقيق الاستمرارية في أداء المهام. ومن ثم يقتصر التغيير في الإدارة على عدة فئات من المناصب أولها: يتمثل في المناصب التي يتم شغلها باختيار الرئيس الأمريكي وموافقة الكونجرس عليها. والفئة الثانية: تتمثل في المناصب التي يقوم الرئيس باختيار شاغليها دون موافقة الكونجرس، بينما تتمثل الفئتان الثالثة والرابعة في المناصب القيادية بالجهاز الإداري التي لا يوجد توصيف معين لمهامها والتعيين في مناصب بناء على طلب أحد قيادات الوكالات الحكومية، و تشمل تلك المناصب رؤساء الوكالات الحكومية المختلفة. وبطبيعة الحال فإن تلك التغيرات قد تصاحبها عدة ظواهر سلبية مثل انقطاع الاستمرارية في العمل الإداري وعدم توافر المعلومات لدى الموظفين الجدد، وفي ظل تحريم القانون الأمريكي لتعيين أكثر من موظف في المنصب الواحد، فإن المتاح للإدارة الأمريكيةالجديدة هو تعيين الموظفين الجدد في مناصب مؤقتة للتواصل مع الموظفين القدامى قبيل شغلهم لمناصبهم.