نقابة الصحفيين : تسجيل 167 اعتداء على الصحفيين في الفترة الممتدّة من أفريل 2024 إلى أفريل 2025    سامي بنواس رئيس مدير عام جديد على رأس بي هاش للتأمين    نابل: رفع 219 مخالفة اقتصادية خلال شهر أفريل المنقضي    ماراطون لندن يستقبل رقما قياسيا لطلبات المشاركة في سباق 2026    العاصمة: بعد تنفيذه لبراكاج وسلبه أموال وأمتعة مواطن...منحرف خطيرة في قبضة الامن    غدا.. قطع الكهرباء ب3 ولايات    إحالة رجل أعمال في مجال تصنيع القهوة ومسؤول سام على الدائرة الجنائية في قضايا فساد مالي ورفض الإفراج عنهما    بداية من الاثنين: انطلاق "البكالوريا البيضاء"    دقاش: شجار ينتهي بإزهاق روح شاب ثلاثيني    البنك الوطني الفلاحي: توزيع أرباح بقيمة دينار واحد عن كل سهم بعنوان سنة 2024    بداية من الثلاثاء: انقطاع مياه الشرب بهذه الضاحية من العاصمة.. #خبر_عاجل    الكلاسيكو: الترجي يحذر جماهيره    تنويه واعتذار    "البيض غالٍ".. ترامب يدفع الأمريكيين لاستئجار الدجاج    بعد منعهم من صيد السردينة: بحّارة هذه الجهة يحتجّون.. #خبر_عاجل    عاجل/ سرقة منزل المرزوقي: النيابة العمومية تتدخّل..    وزير التربية يؤدي زيارة إلى معرض الكتاب بالكرم    سوسة: القبض على شخص مصنف خطير وحجز مواد مخدرة    الحج والعمرة السعودية تحذّر من التعرُّض المباشر للشمس    دراسة جديدة: الشباب يفتقر للسعادة ويفضلون الاتصال بالواقع الافتراضي    البطولة العربية للرماية بالقوس والسهم - تونس تنهي مشاركتها في المركز الخامس برصيد 9 ميداليات    الحكومة الإيرانية: نخوض المفاوضات مع واشنطن لأننا لا نرغب في نزاع جديد بالمنطقة    عاجل/ البحر يلفظ جثثا في صفاقس    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    عاجل/ ضحايا المجاعة في ارتفاع: استشهاد طفلة جوعا في غزة    بطولة الكويت : الدولي التونسي طه ياسين الخنيسي هداف مع فريقه الكويت    المأساة متواصلة: ولادة طفلة "بلا دماغ" في غزة!!    وفاة وليد مصطفى زوج كارول سماحة    جندوبة: استعدادات لانجاح الموسم السياحي    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    سعيّد يُسدي تعليماته بإيجاد حلول عاجلة للمنشآت المُهمّشة    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    التوقعات الجوية لليوم السبت    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بمشروع مدني بيئي وثقافي    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    طقس اليوم: أجواء ربيعية دافئة وأمطار رعدية محلية    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم: المطلوب الثقة بالشعب التونسي ونضجه

أمام أكثر من 300 من أنصاره، أعلن السيد أحمد إبراهيم (63 عاما) يوم 22 مارس عن ترشّحه للمشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة باسم "المبادرة الوطنية من أجل الديمقراطية والتقدم"، وهي تحالف بين حركة التجديد (الشيوعي سابقا) والحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني (غير المعترف بهما) وعدد من المستقلين.
وبذلك، يكون الأمين العام لحزب التجديد رابِع شخصية تُقرِّر مُنافسة الرئيس بن علي، بعد كلٍّ من نجيب الشابّي، الذي وجَد نفسه خارِج القانون بحكم أنه لم يعد أمينا عاما للحزب الديمقراطي التقدمي (غير الممثل في البرلمان)، ومحمد بوشيحة الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية وأحمد الإينوبلي، الرجل الأول في حزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي.
في الحوار التالي يتحدث السيد أحمد إبراهيم عن دوافع الترشّح وموقفه من بقِية فصائل المعارضة والإسلاميين والأزمة الاقتصادية:
بدا وكأنكم في البداية متردّدين في اتخاذ القرار بالترشّح للانتخابات الرئاسية، فما الذي جعلكم تحسِمون أمركم؟ وعلى أيِّ أسُس اتّخذتم قراركم؟
صحيح أننا لم نتسرّع في الإعلان عن القرار في المشاركة في الانتخابات الرئاسية. فالوضع السياسي لم يتغيّر عمّا عرفناه في عام 2004، حيث لم تعكِس نتائج تلك التّجربة موازين القِوى الحقيقية وما صاحب تلك العملية من إقصاء ومحاولات لتهميش مرشّح المبادرة الديمقراطية، ولهذا، كان هاجِسنا الأساسي ولا يزال، هو كيف تكون الحملة الانتخابية القادمة ذات مصداقية؟
وبناء عليه، عملنا على تجميع صفوف المعارضة ونظمنا ندوة في شهر أكتوبر 2007 حول "ظروف الانتخابات" ودعونا لها كل أطْياف الحركة الديمقراطية، بهدف التوصّل إلى تصوّر مُشترك يُحقِّق انطلاقة جماعية، وكنّا نأمل أن يعقب ذلك سلسلة من المشاورات والحوارات حول كيفية ضمان شروطٍ أفضَل للمشاركة في انتخابات فِعلية، لا مُجرد تزكية، لكن جهودنا اصطَدمت بحسابات وأجندات، اختار أصحابها أن يسيروا بشكل مُنفرد، وبدل أن تكون الأولوية للصِّراع المشترك من أجل إصلاح المنظومة الانتخابية، أعلن أحد الأطراف ترشّحه المبكّر، ممّا أدّى إلى حصول تداخل في الأولويات وجعل أي تنسيق مُمكن سيُفسّر بكونه اصطِفافا وراء هذا الطرف أو ذاك.
مع ذلك، جدّدنا استعدادنا للتعاون، وفي شهر أبريل 2008، تداولت حركة التجديد الرّأي مع التكتّل الديمقراطي (للعمل والحريات) والحزب الديمقراطي التقدّمي حول تنظيم ندوة وطنية، لكن للأسف اختلفنا حول مبدإ بدا لنا بَدِيهيا، ويتمثّل في أن تكون لكل حزب كلمة واحدة يُلقيها مُمثل عنه في تلك الندوة، غير أن الإخوة في الحزب الديمقراطي التقدّمي أصرّوا على أن تكون للأخ نجيب الشابّي، بصفته مرشحا للرئاسية، كلمة مستقلّة عن كلمة الحزب، وهو ما حال دون عقْد هذه الندوة بصفة مُشتركة.
وبناءً عليه، عندما فشلت محاولاتنا التوحيدية واصطدمت بتكتيكات مغايِرة، أعلنّا عن قرارنا في حركة التجديد مبدأ الترشّح ووضع حقِّي في الترشّح للرئاسيات على ذمّة المبادرة الوطنية، التي نحن جزء منها، والسؤال الجوهري الآن هو: هل ستجري الانتخابات القادمة في ظروف مختلفة جوهريا عن سابقاتها؟
هل تغيّرت هذه الظروف أم أنكم تتوقّعون إمكانية تحسين شروط المنافسة من خلال مشاركتكم القادمة؟
أولا أريد لفْت النظر إلى أنه لا معنى في نظرنا لمشاركة حركة التجديد بمفردها. فالحركة لا تزال مسكونة بهاجِس التوحّد حول أهداف تقدمية، كما أن العمل على تحسين الظروف لا يزال في طليعة اهتماماتنا، وخلافا للذين يتحدّثون عن رِهان سياسي وليس انتخابي، فإني شخصيا لا أعتقد بوجود مشاركة انتخابية دون أن يكون وراءها رهان سياسي وانتخابي في نفس الوقت.
فالأولوية من وجهة نظري هي اليوم، تحسين شروط المشاركة الانتخابية، وذلك بالتّركيز على الحق في القاعات العمومية وفتح وسائل الإعلام أمام المرشحين وتحسين المناخ السياسي العام وزرع الطُّمأنينة في نُفوس المواطنين، لتمكينهم من المشاركة في الشأن العام وإصلاح المنظومة الانتخابية برمّتها إصلاحا جوهريا.
هل يُفهَم من حديثك أنه في صورة عدم تحسّن الظروف الانتخابية، فإنكم قد تفكِّرون في الانسحاب من المشاركة؟
نحن عازمون على ممارسة حقِّنا كاملا في الترشّح وحماية حقِّ المواطنين في الاختيار الحُر من أيّة مُصادرة ولا نحبِّذ خيار المقاطعة، ولكل حادث حديث، لكن المؤكّد أن ما يجري حاليا لا ينبِّئ بخير.
لا يوجد أفُق لتحقيق التّداول على السلطة في ظل الوضع الراهن، وهو ما يجعلنا نسير نحو رئاسة مدى الحياة، دون أن تعلن عن نفسها. ومع ذلك، فقد رحّبنا بتأكيد رئيس الدولة في خطابه الأخير (يوم 20 مارس) على التِزامه بأن تكون الانتخابات القادمة "محطة سياسية متميِّزة في تاريخ تونس". السؤال هو: كيف؟ إلى حدّ الآن، لا يوجد مؤشِّر على ذلك، وآخر ما قامت به السلطة، تمريرها لقانون قَمعي صادَق عليه جميع أعضاء مجلس النواب، ما عدا ممثلي حركة التجديد، سيتِم بموجبه وضع رقيب على كلّ مرشح يُصادر له حرية التعبير، عندما سيتوجّه للناخبين عبر الإذاعة والتلفزيون.
وبدل أن يكون المجلس الأعلى للاتصال هيكلا لدعم حرية الإعلام وضمان المساواة بين المرشّحين، ها هو يتحوّل الآن إلى جهاز قمعي. إنه فعلا تمشّ غريب! وما نقترحه هو تشكيل لجنة وطنية ممثلة لجميع الأطراف، تعمل برئاسة شخصية مستقلة متوافق عليها على توفير الشروط الكفيلة بجعل هذه الانتخابات فعلا "محطة سياسية متميزة" وأن تُمهِّد لتحقيق الانتقال من التسلّط إلى الديمقراطية.
لابد أن تنتهي كوميديا الانتخابات التي عرفناها حتى الآن، والحِوار مع السلطة مُمكن وتفاهم جميع الأطراف، بِمن فيها السلطة، حول القطع مع سلبيات الماضي مُمكن، إذا أدركت بأن تنظيم انتخابات شفّافة سيكون في صالحها، ما دامت تمسك بكل الأوراق والأوضاع.
تدلّ المؤشِّرات على أن سيناريو 2004 سيتكرر. فحركة التجديد لم تتمكّن من توسيع دائرة حلفائها، وهي بالرغم من أنها تخلّت عن اعتبار الماركسية مرجعية وحيدة لها، إلا أن المجموعتين السياسيتين اللّتين تشكِّلان حلفاءكم في "المبادرة الوطنية" لا تزالان تتمسّكان بهذه المرجعية. ألا يدل ذلك على أنكم فشلتم في بناء القُطب التقدّمي، الذي دعوتم إليه منذ سنوات؟
نعم، عديد المؤشرات تدلّ على أن هنالك لدى بعض غُلاة الرّكود والانغلاق، إصرارا على تِكرار الأساليب القديمة والعقيمة، أما "الفشل" في بناء "القُطب الديمقراطي التقدّمي"، فهو نِسبي جدا، لأن هذا الهدف هدف إستراتيجي غير مطروح للإنجاز حالا، ثم وخلافا لسنة 2004، هناك أطراف حزبية وغير منظّمة التحقت بالمبادرة.
فالمبادرة الوطنية هذه المرّة ليست مقتصِرة على الانتخابات، وإنما تريد أن تكون إطارا جَبهويا مستمِرا وأن تشكل نواة لهذا القطب المنشود، وهذا في حدّ ذاته يمثِّل في المشهد السياسي التونسي نجاحا بالنسبة لما نلاحظه من فشل في كل التجارب التحالفية الأخرى، مما يدل على أن أطراف المبادرة الوطنية لها قُدرة عالية على الانفتاح والتعاطي الإيجابي مع جدلية الائتلاف والتأليف، وبهذه المناسبة أدعو إلى الاعتراف القانوني بالحزب الاشتراكي اليساري وحزب العمل الوطني الديمقراطي، اللذين يطالبان بحقِّهما في النشاط القانوني...
وأعود إلى سؤالك حول القطب، لأقول إني متفائل وواعٍ في نفس الوقت بجسامة هذه المهمّة التاريخية، بل أذهب إلى أكثر من ذلك، فأقول بأن عدم قِيام هذا القطب، إن وقع، سوف لن يكون فشلا خاصا بحركة التجديد أو بالمبادرة، بل فشلا وطنيا، لأن البلاد في حاجة إلى تجميع كلّ قِواها الوطنية حول مشروع ديمقراطي حداثي، لكن صحيح أن هناك مشكلة عويصة مع صيغ بناء التحالفات، فكل المحاولات السابقة التي وقعت قبل المبادرة، انتهت بالفشل، لأسباب عديدة مثل، الحسابات الحزبية الضيقة و"الزعاماتية" وغيرها من الأسباب.
لقد سبق أن رفضتم الالتحاق بمبادرة 18 أكتوبر وكانت حجّتكم الرئيسية في ذلك، هو عدم استعدادكم للتّحالف مع الإسلاميين. كمرشح للانتخابات الرئاسية، كيف تنظرون لهذا الملف الشائك، أي ما هو موقع حركة النهضة على سبيل المثال في الخارطة السياسية الحالية أو القادمة؟
بالنسبة لمبادرة 18 أكتوبر، فقد انطلقت من إضراب عن الطعام ومطالبة برفع سقف الحريات، وقد ساندنا تلك المطالب واعتبرناها مشروعة، لكن عندما تحوّل الأمر فيما بعدُ إلى تحالف سياسي دون استشارتنا، لم نلتحق به، كان لنا خلاف أولا مع الأطراف الديمقراطية، حيث نعتقد بأننا في مرحلة بناء قوّة تقدمية ديمقراطية حداثية، لها هوية واضحة.
بمعنى آخر، أن هذه القوّة ليست مجرّد تجميع لكل مَن هو معارض للسلطة، وإنما يجب أن يوحّدها مشروع مجتمعي محدّد المعالم، وبالتالي، نرى أن هذا النّوع من التحالفات، يُدخل تشويشا على هوية الحركة الديمقراطية. فالحريات وحدها غير كافية لتأسيس تحالفات سياسية، ورفض هذا التمشي لا يعني الإقصاء أو الدخول في توترات مع أي كان، فالخلاف والصِّراع السياسي والفكري، لا ينفيان إمكانية التواصل وإقامة علاقات حضارية مع الجميع من أبناء الوطن الواحد، أيا كانت توجّهاتهم، بمن فيهم الإسلاميون وكذلك السلطة.
من جهة ثانية، مشروع حركة التّجديد والمبادرة الوطنية حداثي وتقدمي متمايز من ناحية مع مشروع السلطة القائمة، وهو من جهة ثانية، متناقض مع مشاريع أخرى لمن يتحدّثون باسم الدِّين ويوظفون الإسلام في الصِّراعات السياسية. ورأيُنا أن الإسلام يجب ألا يُحشر في هذه الصراعات، لأنه مكوّن أساسي للهوية الوطنية بخاصياته التونسية والمغاربية القائمة على التفتح والمرونة والتسامح. فنحن في حركة التجديد، نعتبر أنفسنا امتدادا لكل ما هو نيِّر وعقلاني في الحضارة العربية الإسلامية.
نحن نُدرك أنه لا يجب وضْع جميع الذين يستلهِمون من الإيمان مرجعية لهم في سلة واحدة، لكن ما يصدر عن الحركات الإسلامية وما تَبُثه الفضائيات من شأنه أن يُهدِّد مكاسبنا الوطنية وأن يضر بالإسلام ولا يحِق لأيٍّ كان أن يزعم بأنه الممثل للإسلام والناطق باسمه.
ما رأيك في النُّصوص المشتركة التي أصدرتها مكوّنات حركة 18 أكتوبر حول المرأة أو حرية المعتقد، والتي وقَّع عليها ممثلون عن حركة النهضة؟
سمعنا كثيرا القول بأن هذا التّحالف قد ساهم في تطوير المواقف والرُّؤى، وإذا ما اقتصر المُراقب على ما ورد في هذه النصوص، فإنه سيعتبرها أمرا إيجابيا، ولكن مجرّد التفكير في صياغة نُصوص والتوقيع عليها، هو أمر يندرِج في إطار رُؤية تحالفية، وهذه الرُّؤية يُمكن أن تقوم على سوء تفاهُم أو اعتبارات تكتيكية.
أما في العيش اليومي، وبمتابعة ما يُكتب هنا أو هناك حول مسائل إستراتيجية، فإني أعتقد بأن المكاسِب ليست في مأمَن من التّراجع، وذلك باللّجوء إلى التقيّة والتكتيك، لهذا، فالأصل أن هذه الحركة التي تقول بأنها "إسلامية"، ما دامت تعتقد بأن مشروعها قائم على حقائق ثابتة في الكِتاب والسُنّة كما تقرؤها، فإنه في الإمكان وبين عشية وضحاها أن تُصبح كلّ النصوص التي تمّ التوقيع عليها لا جدوى منها في ظِل موازين القوى.
المطلوب ليس مواقِف من قضايا متفرّقة، وإنما موقِف من مشاريع مُتكاملة، سياسية واقتصادية واجتماعية، بعيدة عن العقائديات، بما في ذلك الماركسية، حين تُعتبر نوعا من العقيدة، لأن إسقاط الماركسية بشكل فوقي على القضايا يؤدّي إلى خطاب سطحي.
طبعا هذا كلّه يندرج ضمن الاجتهاد دون إقصاء، ونحن نعتقد في حركة التّجديد بأن التحالفات تقوم على ثوابِت ومشاريع مجتمعية بديلة، والقطع مع أسس الاستبداد السياسي والفكري. فالطرف المنافس لنا حاليا، هو السلطة، والعقبة الأساسية الآن، ونحن على أبواب انتخابات، تتمثّل في أسلوب إدارة الشأن العام في البلاد.
مع أهمية هذه التّوضيحات، كيف تنظرون لملفّ الإسلاميين في تونس، الذي لا يزال مطروحا بحدّة ويُثير جدلا لا يتوقف؟
أولا، لا يجب أن تُعالج الخلافات الفكرية والسياسية بالوسائل الأمنية. هذا أمر لا سبيل لقبوله. المعالجة تكون بالحوار والإيمان بأن كل أبناء تونس لهم الحقّ في التواجد والتعبير عن آرائهم بحرية.
الأزمة مصدرها عامِلان، من جهة، غياب مناخ يستنِد على الحوار والديمقراطية، حيث تدفع عقلية الحزب الواحد إلى اعتبار كل مَن خالف السلطة، منشقّا ومارقا، ومن جهة أخرى، توظيف الدِّين يؤدّي إلى النّزوع نحو تكفير المخالفين، وبالتالي، فنحن مع ضرورة إرساء مناخ يقطَع مع القمع والانغلاق وإقصاء الآخر.
بشكل أدقّ، هل أنتم مع الاعتراف بحق حركة إسلامية، مثل حركة النهضة، بأن تشكِّل حزبا سياسيا؟
سبق وأن أكّدت بأن هناك حركات سياسية تستلهِم من الماركسية أو الليبرالية أفكارها، كما توجد أيضا حركات تستلهِم نظرتها للعمل السياسي من إيمانها الدِّيني. المُهم، أن يقع التوصّل إلى التِزام واضح بقوانين اللّعبة، لتحقيق التعايش وقبول حقوق الإنسان في كليتها، وليس بشكل انتقائي، وهو ما يستلزِم القيام بثورة ثقافية لدى الجميع.
فإذا كان الهدف هو نشر العقيدة والقِيم الإسلامية والدِّفاع عن الأهداف النبيلة للدِّين ولا تقتصر عن اللِّباس والقشور، فهذا يُعتبر غرضا مشروعا، وإن كان ذلك لن يُنهي الخلاف القائم بيننا وبين تلك الأطراف. المُهم، أن لا يتحدّث أي طرف باسم المقدّس وأن يكون الحوار هو آلية الحَسم في القضايا السياسية والفكرية والعقائدية.
أعتقد بأنه في ظلّ ذلك، يمكن إيجاد حل وطني وتحاوري. المدخل، من وجهة نظري، هو مدخل سياسي يقطع مع التسلّط ويحقِّق الانتقال من التعامل الأمني إلى المعالجة السياسية، أي الانتقال من صيغة "الأمنُقراطية" إلى الديمقراطية.
وهنا، أقِرّ بأننا جميعا، بما في ذلك الحركات الديمقراطية أو التي تدّعي التقدّمية، لدينا عُيوب في حاجة للمعالجة والتجاوز. كلّنا لم نستبطن بالقَدر الكافي هذا المعطى الثقافي، الذي عنوانه "الديمقراطية"، في ضوء ذلك، كل الحلول ممكنة.
على ذِكر الحلول، ماذا تقترحون كمرشح للرئاسة بشكل عمَلي للحدّ من تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على الحالة العامة بالبلاد؟
الأزمة زاحفة، وهي ليست بصدَد التّراجع وانخِفاض حدّتها، وبالتالي، يجب القطع مع الخطاب المُفرط في التفاؤل، وكأن تونس تتمتع بمناعة طبيعية، وأول ما يجب فعله، هو توفير الظروف، حتى يكون الحلّ وطنيا، وذلك بفتح حوار وطني تُشارك فيه جميع الشرائح والأطراف، وأن لا يدفع ضِعاف الحال وحدهم فاتُورة الأزمة، في حين أن أقليات تثري بسرعة مَهُولة، وهو إثراء على حساب المصلحة الوطنية.
السياسات القائمة لا تخلو من إيجابيات، لكنها في حاجة إلى مراجعات في اتِّجاه رُؤية إستراتيجية، تتزامن مع الإصلاح السياسي. فالمدخل، حسب اعتقادنا، هو الديمقراطية. فمن أسباب ركود الاستثمار، عدم الشفافية في المعاملات وتطبيق القانون على الجميع، مهما كان قُربهم أو بعدهم عن السلطة، وعدم المساءلة والقضاء المستقِل، وهو ما يجعل المستثمر يفقد الثقة، وبالتالي، تعتبر الديمقراطية حاجة أساسية لدفع الاستثمار، ونلاحظ ذلك في مسألة البنوك وإشكالية نسبة القروض غير المسداة، مقارنة بدُول العالم.
من ناحية أخرى، يجري دائما الحديث عن وجود مفارقة بين تونس المتقدِّمة، اقتصاديا واجتماعيا، وبين تراجُعها على الصعيد السياسي، رغم أن لها كل إمكانيات التحوّل الديمقراطي، وهذا أمر صحيح، لكن اليوم، حتى في المجال الاقتصادي والاجتماعي، هناك ثغرات تحتاج إلى علاج، مثل بطالة أصحاب الشهادات الذين سيصِل عددهم قبل نهاية هذا العام قرابة 150 ألف، كذلك انعدام التوازن بين الجهات، وقد لاحظنا ما حدَث في الحوض المنجمي.
هناك مخاطِر لا يمكن مُواجهتها، إلا عندما تقوم الدّولة بدورها الإستراتيجي ولا تعتمد على مجهود الخواصّ وحدهم في انتشال جِهات الشريط الغربي للبلاد من التهميش، كذلك التعليم الذي يشهد مُستواه حالة انحِدار كبير، بشهادة المؤسسات الدولية، ولا مُقارنة بين الدّرجة العالية من الإنفاق وبين النتائج.
سامحني عن المقاطعة، هل تطالب بمزيد تدخُّل الدولة على حِساب دور القطاع الخاص؟
لا يجب أن يُفهَم من كلامي أني أطالِب بالعودة إلى دور الدولة وسياسات التأميم، كما طبّق في بعض التجارب والذي أدّى إلى فشل، لكنه حقّق في الآن نفسه، عديد الإيجابيات.. نحن مع تشجيع المُبادرة الخاصة والمشاريع الصغرى والمتوسطة والكبرى، لكنّي أعتقد بأن الدولة يجب أن تتمسّك بإدارة القطاعات الإستراتيجية، مثل الطاقة والمياه وبعض الخدمات الأساسية.
الدولة حاضرة اليوم، ولكن المطلوب تفعيلها، بمعنى آخر، لا يجوز للدولة باسم الليبرالية أن تتنصّل من دورها الحيَوي في دفع الاقتصاد وتحقيق التنمية. نحن ننادي بمراجعة هذا المنحى الذي سلكته الدولة منذ سنوات، كما نطالب بمَنح بقية الأطراف الاجتماعية فُرص الدِّفاع عن حقوقها، بما في ذلك العاطلين عن العمل، وأن يتمتّع الجميع بحقِّهم في اختيار مَن يُمثلهم بشكل ديمقراطي، ولا يتحقق ذلك، إلا بدولة ديمقراطية.
وبالنسبة للعاطلين من خرِّيجي التعليم العالي، ماذا تقترح لإدماجهم؟
برنامجنا يتضمّن اقتراحات مفصّلة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهي بالمناسبة، اقتراحات قابلة للتنفيذ، وليست ديماغوجية أو تعجيزية. وقد تقدّمنا ببعض هذه الاقتراحات المدقّقة خلال الندوة الوطنية للتشغيل، وتعرّضنا إلى مسألة الاستثمار وتحديد أولويات القطاعات، التي يجب دعمها والتي لها صِلة بالتصدير أو لكونها مُشغّلة أكثر من غيرها، بما في ذلك الصناعات المستقبلية.
فقضية التشغيل، تستوجب رُؤية جديدة تضمَن تكافُؤ الفُرص والتركيز على الجهات المهملة، والتي تفقِد أبناءها بشكل متزايد، والتعامل بجدّية مع التكوين المهني وبناء المهارات، وهو ما يقتضي تغيير النّظرة إلى المدرسة.
أخيرا، لو توفّرت لك فرصة اللِّقاء مع منافسِك الرئيسي، وهو الرئيس بن علي، ماذا ستقول له؟
أنا أطالب بحوار هادِئ ومسؤول ومن منطلَق وطني، حتى بدون انتخابات وبعيدا عن الأضواء. ولو توفّرت فرصة اللقاء به للتحاور أمام الشعب بمناسبة الانتخابات، سأقدِّم نقدا واضحا للتماشي السياسي والتوجّهات الاقتصادية والاجتماعية، وأقدِّم بدائل وحلولا في صالح البلاد ومجموع الشعب.
المسألة الأساسية اليوم، هي أن نثِق في الشعب التونسي ونُضجه وقُدرته على التّمييز وأن له طاقات عظيمة، لا يمكن أن تتفتق إلا بالديمقراطية والتعدّدية واحترام الرأي المُخالف، وأن نترك للرأي العام حرية الاستماع والاختيار عن وعْي ورَوِيّة.
سويس انفو - الأحد 5 أبريل 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.