علاقة الحكومة الأردنية بالإخوان المسلمين شهدت توترا قد يعيد صياغة التحالفات التقليدية تشهد العلاقة بين الحكومة الأردنية والإخوان المسلمين توترا قد يعيد صياغة التحالفات التقليدية، وذلك في ظل تخندق الطرفين: الإخوان يرفضون الاعتذار عن تصريحات بعض قادتهم حول الإشادة بأبي مصعب الزرقاوي، بينما تعكف السلطة على تحجيم هذه الحركة الأوسع انتشارا على الساحة الأردنية، بحسب خبراء في شأن الحركات الإسلامية. هذه المواجهة الساخنة قد تنهي ستة عقود من الود بين الطرفين تخللتها تحالفات استراتيجية في ثلاثة مفاصل خطيرة على الأقل كادت أن تطيح بأعمدة الدولة في العقد السادس والسابع من القرن الماضي. كيف نشأ الإخوان المسلمون في الأردن؟ وما هو المسار الذي انتهجوه في ظل التداعيات الإقليمية والصراعات الدولية منذ الترخيص للجماعة عام 1946 وحتى بوادر الطلاق البائن هذه الأيام؟ نشأة الحركة بخلاف الحركات الإسلامية في دول الجوار، نسج الإسلاميون علاقة وطيدة مع القيادة الأردنية الضاربة جذورها في آل بيت رسول الإسلام. عندما تلج منزل قيادي إسلامي، لن يثير استغرابك صف صور تخلد لقاءات رسمية بين الملك وإسلاميين. نشأ إخوان الأردن في حضن الدولة في ظل سياسة محاور إقليمية في أربعينيات القرن الماضي. كانت الدول حديثة الاستقلال تدور حول محورين: الهاشميون في بغداد وعمّان في مواجهة تحالف عبد العزيز آل سعود في الرياض والملك فاروق في القاهرة. أما سورية فكانت تتأرجح بين هذين المحورين طبقا لنتائج الانقلابات المتواترة المدعومة عربيا و/أو دوليا . أمير الأردن عبد الله الأول، المتدين بالفطرة، استشعر فائدة الإخوان كورقة ضغط على الملك فاروق ففتح لهم أبواب عمان هربا من قمع السلطات المصرية آنذاك، حسبما يستذكررئيس قسم الإعلام السابق بالإخوان المسلمين زياد ابوغنيمة الذي التحق بالجماعة عام 1947. وهكذا أصدر مجلس الوزراء برئاسة إبراهيم هاشم ترخيصا للجماعة عام 1946 للعمل تحت مظلة جمعية دينية خيرية. خلال الحرب العربية-الإسرائيلية الأولى عام 1948 تطوع إخوان الأردن للجهاد في فلسطين، في مقدمتهم أول مراقب عام عبد اللطيف أبو قورة. وكان ذلك بعلم وتشجيع الحكومة الأردنية. عندما ألحقت الضفة الغربية بالأردن عام 1950، انصهر الإخوان في الضفتين تحت راية واحدة. ودرج تقليد يقضي باختيار نائب المراقب العام من أبناء فلسطين. التقاء المصالح عام 1957، التقت مصلحة النظام الأردني والإخوان في التصدي لمحاولة انقلابية نسبت إلى تيار اليسار والقوميين العرب، وذلك بعد خمس سنوات من جلوس الملك الراحل الحسين بن طلال على العرش. ويستحضر مسؤولون قدماء كيف تصدّى الإخوان المسلمون عسكرا ومدنيين لمتمردين من الجيش كانوا يستعدون لمغادرة معسكرات الزرقاء باتجاه القصور الملكية في عمّان. حتى ذلك الوقت، كان الجيش يؤوي ضباطا حزبيين ومسيّسين قبل ان تصدر قوانين بالفصل التام بين المؤسسة العسكرية والسياسية وحظر الأحزاب رسميا. حفظ الحسين الجميل للإخوان المسلمين حتى أنه عرض على مراقبهم الثاني محمد عبد الرحمن خليفة تشكيل حكومة، حسبما يؤكد أبو غنيمة نقلا عن المراقب العام. إلا أن الإسلاميين اعتذروا لمعرفتهم بحساسية المعادلات الإقليمية والدولية. في تلك الحقبة، استقبل الأردن مئات الإخوان المصريين الهاربين من حكم جمال عبد الناصر، بل ومنح عددا منهم جنسيات كما أوصلهم إلى كرسي الوزارة مثل الشقيقين كامل ومحمود الشريف. استثناء الإسلاميين من الحظر الذي دام 35 عاما، مكّنهم من الانتشار والتعبئة على مدى عقود في ساحة شبه خالية وبإسناد حكومي. فانتشرت عناصرهم في التربية والتعليم والصحة والمجالس التشريعية منذ أول انتخابات عام 1947. حصد الإخوان 22 مقعدا عام 1989 في أول انتخابات تشريعية تجرى في المملكة خلال 22 عاما. على أن الإخوان أحجموا عن الانخراط في السلطة التنفيذية باستثناء مرحلتين: عام 1973 عندما استلم إسحق الفرحان حقيبتي التربية والتعليم والأوقاف، وعام 1990 عندما ضم مضر بدران خمسة إسلاميين إلى حكومته. "توزير الثوريين" وصلت العلاقة بين السلطات والإخوان عتبة التحالف الاستراتيجي مرة أخرى عام 1970 عندما طرد الجيش الأردني الفصائل الفلسطينية المسلحة. في ذلك الوقت رفض الإسلاميون حمل السلاح ضد الجندي العربي، وبالتالي أخلوا ما كان يوصف ب"معسكرات الشيوخ" ضمن تشكيلات حركة فتح، وتنازلوا عن أسلحتهم لكبرى الفصائل الفلسطينية، حسبما يستذكر أبو غنيمة. أما الأحزاب اليسارية فمارست النشاط الحزبي في الباطن من خلال العمل الفدائي، حتى جاء وصفي التل الذي اخترع معادلة "توزير الثوريين". فنقلت الأكثرية البندقية من كتف إلى كتف واحتل "الثوار" كراسي وزارات لعقود لاحقة. منذ مطلع الثمانينيات، خلت الساحة أمام الحركة الإسلامية واستخدمها الأردن ورقة في مواجهة سورية. لكن عندما تقارب البلدان، اشترطت دمشق بأن تضحي عمّان بعلاقتها الوطيدة المعلنة مع الإخوان. بعد وصول عبد الله الثاني إلى الحكم عام 1999، طرد الأردن قادة حماس الفلسطينية في مسعى للفصل بين المعسكرين. مذاك تنامى التوتر وصولا إلى مرحلة التصعيد خلال الأشهر الأخيرة. عندما أعلن الأردن قبل ثلاثة أشهر عن ضبط " مؤامرات إرهابية" منسوبة إلى قادة حماس في دمشق، حمل بعض إخوان الأردن لواء الدفاع عن حماس لدرجة تكذيب الرواية الرسمية. وصل التصعيد أوجه الشهر الماضي عندما نسب إلى قيادي بارز ونائب إسلامي وصفه أبا مصعب الزرقاوي بأنه "شهيد ومجاهد". وتداعت الأحداث وصولا إلى إحالة ملف بيت مال الجماعة إلى القضاء، ما يعكس توجها رسميا لقص أجنحة الإسلاميين المالية واللوجستية. ويرى الخبير في شؤون الحركات الإسلامية سميح معايطة أن السلطات لم تعد ترى في الإسلاميين "ميزة الاعتدال وبالتالي لم يعودوا صمام أمان في مواجهة التطرف الفكري والتكفيري". بين منتصف الأربعينيات والآن سقطت أيديولوجيات، انهارت أنظمة وتفكّكت امبراطوريات- فهل تقطع شعرة معاوية مع الإسلاميين؟