تعني الأيقونة ذلك المثال المقدس المجسد بالرسم والكتابة، الذي يتخذ من الرمزية والواقع والتاريخ قوة النفوذ والهيبة والاستمرار، وذاكرة الأيقونات تعود الى خبرات وثنية ثم ازدهرت مع ظهور الأديان السماوية، ولطالما جسدت معاني رمزية لقوة الاستمرارية وهيبتها. اليوم أصبحت فكرة الأيقونات رحبة ومتعددة الأوجه، وتطورت عن دلالاتها التقليدية حتى دخلت عالم الديجتال والحواسيب، لكنها حافظت على معنى واحد هو الاستمرار والجمود، فالأيقونة هي الجزء الثابت من التصميم والمشهد الذي لا يتغير. الأسبوع الماضي نشرت الصحف نبأ نية الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الترشح للانتخابات الرئاسية في بلاده، للمرة الخامسة، بعد 29 عاما قضاها وحده في السلطة، وقد صعد إلى السلطة في حركة عسكرية تم من خلالها عزل الرئيس التونسي السابق، الحبيب بورقيبة، عن الحكم بعد ان بلغ هذا الأخير من العمر "سن الخرف"، فيما يعلن خليفته اليوم رغبته في الاستمرار في السلطة بعد ان بلغ من العمر 72 سنة. لم تعرف تونس سوى رجلين في السلطة تحت ظل رايات الجمهورية، ما يعطي معنىً آخر للعبة السلطة ورمزيتها في العالم العربي، ويعطي معنى نفسيا واجتماعيا لعلاقة الانسان الفرد بالسلطة، قد لا يوجد اليوم في مكان آخر في العالم. "المتحف السياسي" العربي المعاصر يحكي تطورات وتحولات الحياة السياسية في المجتمعات البسيطة وأحوالها. ويوضح أيضا كيف أدخل العرب السياسة في بعدها المادي الى عالم الأيقونات. الأمر لا يتوقف فقط على المثال التونسي، بل يتكرر في معظم البلدان العربية، فالجدل الدائر في مصر حول مستقبل السلطة، منذ سنوات طويلة أيضا، يقدم زاوية أخرى لمشاهدة تحول الحياة السياسية الى أيقونات جامدة تثبت من خلالها آليات التغيير عند محور واحد هو الموت أو القتل. لنتصور لو أنّ إعلان الرئيس اليمني قبل عام ونصف تقريبا الذي وعد فيه شعبه بأنه لن يرشح نفسه للانتخابات، كان متحقّقاً، وأنجزت اليمن تداولا سلميا ديمقراطيا للسلطة، وفتح المجال أمام مختلف فئات المجتمع في الشمال والجنوب للمشاركة الفعلية، فهل ستصل الأحوال إلى ما وصلت إليه اليوم من توتر وصراع ينذر بالعودة للانفصال بين الشمال والجنوب، أو في الحرب الأهلية الشرسة الدائرة اليوم بين الجيش وجماعة الحوثيين. يمنحنا المثال التونسي صورة متوقعة أخرى لأعرق دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا في الإصلاحات المدنية والاجتماعية، لو انها اكتملت خلال العقود الثلاثة الأخيرة بإصلاحات سياسية حقيقية، لو حدث ذلك لوفرت تونس النموذج الأرقى للدولة الوطنية المستقلة في هذا الجزء من العالم. الحبر الذي ترسم به أيقونات السلطة في العالم العربي يُستمد من خدعة روجت لفترة من الزمن يثبت اليوم مدى زيفها، وهي الفكرة القائلة بان استمرار هذه النخب السياسية تحت غطاء من الممارسات السياسية الشكلية مثل الانتخابات هو المصدر الأساسي للاستقرار!.