القرارات الإستراتيجية الكبرى في العلاقات بين الدول لا بد أن تكون لها آثارها وانعكاساتها الإيجابية أو السلبية ولو بعد حين. ومن هذا القبيل القرار الخطير الذي اتخذه الرئيس بورقيبة بوأد مشروع الوحدة بين تونس وليبيا عام 1974 بعد ساعات فقط من توقيعه. وليست الأحداث المؤلمة الجارية منذ 14 أغسطس/آب المنصرم في مدينة بنقردان التونسية الحدودية إلا إحدى الثمار المرة لوأد مشروع الوحدة بين البلدين، وذلك رغم مرور أكثر من ثلث قرن على ذلك القرار الخطير، فكيف ذلك؟ 1- ماذا حدث في مدينة بنقردان التونسية؟ تقع هذه المدينة على الحدود مع لبيبا، ويبلغ سكانها وضواحيها زهاء ثمانين ألفا، هم من أصول قبلية أصيلة، لها امتداداتها في القطر الليبي دون حواجز طبيعية، بل هناك انسياب جغرافي وسكاني وثقافي وديني لا يعكّر صفوه غير شذوذ حدود مصطنعة تقوم على حراستها قوات الحرس الوطني بأسلحتها وكلابها التي طالما نهشت المتسللين تحت جنح الظلام طلبا للرزق أو فرارا من الظلم. تقليديا تعيش بنقردان على زراعة خفيفة كالزيتون وزراعة الحبوب على قلة الأمطار فيها وفي مناطق الجنوب. عرفت مناطق أقصى الجنوب منذ ترسمت الأوضاع القطرية بأنها موطن للتهريب، ومع انفجار ثروة البترول في ليبيا تحولت إلى قطب جذب متزايد لكل مناطق الجنوب وحتى الوسط كالقصرين، ومن باب أولى المناطق الحدودية حيث نمت هجرة اليد العاملة التونسية بعشرات الآلاف. كما نمت وتعملقت سوق للتبادل التجاري بين القطرين، مشكّلة أسواقا موازية في معظم مدن وقرى الوسط والجنوب عرفت بأسواق ليبيا، ورغم أنها تقوم على تسويق بضائع مهربة فقد كانت السلطة تغض الطرف عنها، وهي خليط من الآلات الكهربائية ذات المنشأ الصيني والياباني ومواد غذائية وغيرها تتمتع بدعم ليبي رسمي. وهذا ما يجعل الجهة الليبية تضيق ذرعا بهذه الوضعية، كما أنها تربك القائمين على التخطيط الاقتصادي التونسي، ولكنهم مضطرون لتحمّل ذلك بسبب يقينهم بما يمثله هذا التبادل من مصلحة حيوية لمئات الآلاف من سكان الجنوب وبخاصة المدن الحدودية مثل بنقردان. وظل حجم التبادل في اتساع لاسيما بعد أن شمل تهريب البترول وتبادل العملة، بما رفع مستوى تشابك المصالح إلى درجة عالية جدا، فلا يقل عدد المتنقلين من الجانبين عن أربعة ملايين: مليوني تونسي عمالا وتجارا، ومليوني ليبيي سياحا ومتطببين في اتجاه تونس، مما جعل حجم التبادل يتجاوز مليارين، ورفع ليبيا إلى مرتبة المتعامل الرابع أو الخامس مع تونس. ولولا السياحة الليبية والجزائرية لانهار بالكامل القطاع السياحي التونسي العمود الفقري لما سمي "المعجزة الاقتصادية التونسية"، بل لاضطرب الوضع الاجتماعي والأمني في البلاد ولبلغ أقصى حدود التأزم، ليذكر بما حدث بعد توقيع اتفاقية للوحدة بين البلدين عام 1974 وتم التراجع عنها بعد بضع ساعات من قبل الزعيم التونسي. قيل إن التراجع تم تحت ضغط فرنسي وجزائري.. مما فوّت فرصة تاريخية على البلدين والمنطقة وفتح العلاقات أمام سلسلة من الأزمات بلغت عام 1980 حدّ مهاجمة مجموعة مسلحة ينتمي أفرادها إلى نفس منطقة الجنوب وتلقت تدريبا عالي المستوى -وبدعم ليبي وجزائري- مدينة قفصة الحدودية. وفي عام 1986 بلغ التوتر بين البلدين حد إقدام ليبيا على طرد عشرات الآلاف من العمال التونسيين.. وكان واضحا التباين الإستراتيجي بين سياسات البلدين ومزاج الزعيمين، وهو ما ظهر على نحو ما إثر التحول الذي حصل في الزعامة التونسية. فكانت ليبيا أول دولة تستقبل قائد الانقلاب الطبي، بما أوحى أنها لم تكن بعيدة عن الحدث! وهو ما أفسح المجال أمام انطلاقة فكرة الاتحاد المغاربي، لولا أن الخلاف المغربي الجزائري حول الصحراء أصابه بالشلل في المهد. ومع وقوع ليبيا تحت قبضة لوكربي وفرض الحصار الخانق عليها، انتقل ميزان العلاقة بين ليبيا وتونس لصالح الأخيرة حين غدت المنفذ الرئيسي للجار المحاصر، فبدا ذلك خيرا وبركة لها، من قبيل "مصائب قوم عند قوم فوائد". ولم تخل تلك الفوائد من إفراط وتجاوز في حق الجار المحاصر، أورثاه قدرا من المرارات في النفوس، بدأ بعضها -بعد أن تمكّن من تجاوز الحصار والخروج من الأزمة، فتعززت مكانته وأقبل عليه الجميع يخطبون وده حرصا على الفوز بقطعة من ثروته- يرشح من خلال بعض الإجراءات الخفيفة -ولكنها موجعة لأنها تقع على الجنب الرخو والمعطوب أي الجانب الاقتصادي الحساس- من مثل فرض تأشيرة على كل الداخلين إلى ليبيا بمن فيهم التونسيون، ثم رفعها ليتنفّس مئات الآلاف الصعداء ومعهم سلطات بلادهم المختنقة بأوضاعها الاجتماعية. ولم يمض زمن طويل على تلك الهزة حتى بادرت السلطات الليبية إلى ضرب آخر في ممارسة سيادتها، ففرضت ضريبة دخول إلى أراضيها والاستظهار بمبلغ مالي (ألف دولار)، فكان لذلك أسوأ الانعكاسات على مئات الآلاف من سكان الجنوب والوسط المبخوسة حظوظهم التنموية. وبلغت الإجراءات الليبية أقصاها خلال إقدامها يوم 14 أغسطس/آب الماضي على إغلاق المنفذ الحدودي "رأس جدير" شريان الحياة لمئات الآلاف من سكان الجنوب والوسط، فانتفض الناس موجهين الاتهام إلى سلطات بلادهم بأنها وراء هذا الصنيع خدمة لأوساط فيها متنفذة، ترى في البضائع الواردة من ليبيا منافسا خطيرا لشبكات التوريد من الصين التي تشرف عليها خارج القنوات الرسمية. وجاء التصريح الرسمي الليبي بأن الإجراء الأخير جاء استجابة لطلب الحكومة التونسية ليؤكد هذه الشكوك، فعمدت الجماهير الغاضبة -ومنهم آلاف الشبان من حملة الشهادات العاطلين عن العمل- إلى إشعال النار في إطارات السيارات وقطع الطريق الرئيسي، فواجهتهم السلطة بما اعتادت مما لا تعرف غيره من وسائل العلاج. فرض الحصار على المدينة والاعتقال العشوائي والضرب والتنكيل وحتى خلع الدكاكين ونهب الأرزاق وتوجيه أقذع الشتائم للسكان، مما مثل صدمة لقيم وتقاليد وأعراف تأسست في المنطقة على الاحترام والتوقير. فرد الشبان بالحجارة ووقع منهم ومن أجهزة القمع العشرات جرحى، وعاشت المدينة أسبوعا من الانتفاضة، وكان يمكن للهيب أن يضرم منطقة الجنوب والوسط لو استمر أسبوعا آخر إغلاقُ شريان الحياة "رأس جدير"، فاشتد الفزع بالسلطة التونسية وانطلق وفد ضخم غير مسبوق يمثل أعلى المناصب: وزراء الخارجية والداخلية والتجارة ومدير الديوانة (الجمارك) ومستشار رئاسي برتبة وزير، إلى ليبيا لإطفاء الحريق. وهذا ما بدا أنه تم فعلا! دون أن ترشح تفاصيل ونوع الأثمان والترضيات التي قدمت للطرف الليبي، فأعلن عن فتح الشريان التاجي المغلق، فانطلقت الفرحة عارمة وتنفست المنطقة الصعداء وأقيمت معالم البهجة والانتصار التي توجت الانتفاضة.. هذا على افتراض أن الجرح بين البلدين قد تم تنظيفه جيدا قبل أن يخاط، وليس مجرد تسكين سرعان ما ينفد أثره فتعود الأوجاع، بل إن أنباء اليوم الموالي لانفتاح البوابة الحدودية نقلت تجدد الاحتجاج في بعض مناطق المدينة "منطقة الزكرة" بعدما اكتشف الناس أن الوعود برفع الأداء الجمركي على الأشخاص والبضائع الذي فرضته السلطات الليبية لم تنفّذ. وصرح مدير الجمارك الليبية بأن الإجراءات التي اتخذتها ليبيا كانت بطلب السلطات التونسية، وأن ليبيا ليست طرفا، فالأزمة تونسية، وهو ما يعيد الاعتبار لفرضية وجود جهة متنفذة في النظام التونسي ذات مصلحة في غلق هذا الشريان الذي يضر بتجارتها الموازية، وذلك ما يفسر اتجاه نقمة المحتجين إلى السلطات التونسية. 2- علاقته بالحالة الاقتصادية في البلاد واضح أن عشرية الوفرة التي عرفتها البلاد قد انتهت، عشرية التسعينيات لأسباب بيئية وخارجية، بعضها عائد إلى التمويل الغربي الضخم، إذ تعتبر تونس نسبة إلى عدد سكانها أكبر متلق للإعانات والقروض الغربية بعد إسرائيل بدوافع أمنية إستراتيجية بالأساس حفاظا على تونس، موقعا آمنا مضمونا غربيّا في جنوب المتوسط على مرمى حجر من الضفة الشمالية، واقعا في محيط يموج بالأخطار بين ليبيا محاصرة وجزائر مبحرة في بحر هائج لا يدرى لها مستقر. فكانت المحافظة على هذا الموقع بأي ثمن هدفا إستراتيجيا غربيا، فتم بسرعة توقيع اتفاق الشراكة مع غض الطرف عن مقتضياتها الأصلية، وكان التفاؤل بالتجربة التونسية في الاندماج الرأسمالي هو المزاج السائد لدرجة الحديث عن معجزة اقتصادية هنا. غير أن هذا المزاج أخذ يتبدل، فيخالطه الضباب وينمو الشك إزاءه خلال العشرية الجارية بدل التفاؤل واليقين، بما أخذ يشيع -حتى لم يعد التكتم ممكنا- من وقائع الفساد الفاشية في دوائر نافذة في هرم السلطة، مما يعرض الأرصدة الغربية في البلاد لخطر الضياع، وذلك في غياب حد مقبول من الشفافية ومن حرية الإعلام واستقلال القضاء وحرية عمل المجتمع المدني وغياب حياة سياسية تتوفر على الحد الأدنى من تعددية جادة وانتخابات نزيهة، بما لا يقدم ضمانا لنمو اقتصادي جاد ولاستقرار اجتماعي يدرأ خطر الانفجارات الشعبية، خاصة وقد أخذت طلائعها تهتك ستر النظام وتفضح المستور من مثل ما حصل في منطقة المناجم منذ سنتين من انتفاضة شعبية ضد البطالة والحيف واجهتها السلطة بالعلاج الذي لا تفقه غيره.. القمع. ولا يزال جرح المنطقة مفتوحا، وتكررت أحداث مماثلة أو أقل منها في مناطق أخرى من مناطق الظل، بما يجعل ما حدث في بنقردان منتصف الشهر الماضي هو كما وصفته النقابة الجهوية في بنزرت "هو عين ما حدث بالأمس في حوض المناجم، وهو نتيجة حتمية لاختيارات اجتماعية واقتصادية فاشلة لسلطة تخلت عن واجباتها تجاه مواطنيها، فبان ضعفها واستحواذ المتنفذين على السوق الداخلية ومسالك التوزيع، فزاد تدهور الوضع الاجتماعي للمواطنين وانتشار الفقر. نطالب بالتخلي عن المعالجات الأمنية واحترام حرية التظاهر (تونس نيوز22/8/10)، وغربيا عبرت أجواء الشك في "النموذج التونسي" عن نفسها بشكل سافر في رفض البرلمان الأوروبي المطلب التونسي بترفيع درجة الشراكة للحصول على رتبة الشريك الممتاز، وهي المرتبة التي حصل عليها المغرب والأردن وآخرون رغم تأخرهم عن تونس في توقيع اتفاق الشراكة. وهذا ما حزّ كثيرا في القائمين على السلطة، وبدل مراجعة ما في السياسات من أعطاب لجوا في الكبر والعناد وشنوا حملة تشويه وتخوين على المعارضين، متهمين إياهم بتضليل الاتحاد الأوروبي وتعريض أمن تونس الاقتصادي للخطر، وسنوا قانونا غير مسبوق لتجريمهم. وزاد الأجواء قتامة تراجع كميات الأمطار في البلاد وهبوط محصول الحبوب إلى النصف أو أكثر مع ارتفاع أسعاره في الأسواق الدولية، والتهابها في البلاد وسائر السلع الضرورية لمعاش الناس، إلى فشو البطالة وبخاصة في مناطق الظل ووسط الفئات المتعلمة وتراجع الاستثمارات الخارجية.. إلخ، وذلك أثر من آثار الخصخصة في معظم ما كان يملكه الشعب ملكية عامة خضوعا للمنطق الرأسمالي، وتمت الخصخصة فيها بطرق تنقصها الشفافية. 3- علاقته بالحالة السياسية الأمنية وليست مناخات القتامة التي تخيم على الوضع الاجتماعي والاقتصادي مفصولة عن المناخ السياسي، بل هي ثمرة من ثماره، فقد ظل نفس الحزب الحاكم ماسكا بزمام الدولة منذ واقعة "الاستقلال"، فارضا هيمنة مطلقة على كل جوانب الحياة، وهو في صراع وجودي بأدوات الدولة مع كل كيان ثقافي أو اجتماعي أو سياسي ينشأ مستقلا من أجل احتوائه أو تدميره. فلم يكن تاريخ "الاستقلال" تاريخَ تداول السلطة بين القوى السياسية، وإنما تاريخ تداولها على محلات القمع والمحاكمات وغرف السجن المظلمة. وكان من الطبيعي أن تتآكل شرعية الحكم خلال أكثر من نصف قرن دون انقطاع، وأن يفتّ في عضده الفساد، فيعمد إلى التعويض من عدة طرق: - التطوير الكمي والنوعي للجهاز الأمني وبخاصة في العهد الحالي حيث تضاعفت أعداد الجهاز الأمني وميزانياته أكثر من ست مرات، بما صبغ الدولة بصبغة بوليسية سافرة صادرت السياسة لصالح الأمن الذي أطلقت يده في كل الشأن العام والخاص. - تأسيس ديكور سياسي من أحزاب واهنة لا تشكل أي منافسة حقيقية لعملاق الحزب الحاكم، ووضع اليد على قنوات الإعلام الأساسية وعلى مؤسسات المجتمع المدني، وذلك مقابل قمع لا هوادة فيه لكل ما يفرزه المجتمع من تلقائه من تيارات وأحزاب وجمعيات ومبادرات.. وكان نصيب الإسلاميين الأوفى. - المركزية الكاملة للسلطة في القصر مقابل إفراغ كل مؤسسات الدولة الأخرى التنفيذية والقضائية والبرلمانية من السلطة، فكلها أصنام حجرية بلا روح ولا فعل. وكان من الطبيعي أن يتأزم الوضع في غياب مؤسسات لدولة حقيقية لاسيما مع كثرة الحديث عن الوضع الصحي للرئيس واستنفاده منذ العام 2004 الدورات التي اختارها بنفسه يوم أن أزاح العجوز الطاغية، مؤكدا أن رئاسة مؤبدة لم تعد تليق بدولة حديثة، ومرت 17 سنة كالحلم، ليستيقظ على شبح مغادرة السلطة! فسارع أهل الفتوى القانونية إلى إسعافه بدورة أخرى من طريق تغيير الدستور، وانقضت الدورة المضافة فكان الاستفتاء على تحوير دستوري آخر، ومنذ أيام بدأت مناشدات الحزب ونخبته للرئيس أن يواصل قيادته للبلاد بعد 2014 درءا لشبح الفراغ وكأن التونسية عقمت! بينما انطلقت عريضة أخرى تضم نخبا فكرية وسياسية تحتج على هذه المناشدات لتكريس الجملكية أو الرئاسة المؤبدة. 4- إلى أين تتجه البلاد؟ واضح وجود حالة انسداد سياسي واجتماعي يتجه بالبلاد إلى المجهول، وليس ذلك عائدا فقط لأسباب ظرفية (مثل تصاعد نفوذ ونهب مجموعة تكتلات مالية عائلية قريبة من هرم السلطة يتصاعد نفوذها، لاسيما مع تراجع قوى الرئيس حتى بلغ الأمر الحديث عن احتمال تهيئة الأجواء لحلول السيدة حرمه محله، وهذا ما لا يستبعد معه حصول صدامات بين تكتلات المصالح للدفاع عما نهبت عبر السعي للسيطرة على الدولة) وإنما هو أساسا عائد إلى اختلالات بنيوية في طبيعة السلطة الانفرادية التي حكمت البلاد وراهنت على إستراتيجية فصلها عن محيطها الطبيعي العربي الإسلامي وربطها بما وراء البحار. وهذا هو موطن الداء الذي تعتبر كل الأدواء الأخرى من إفرازاته بما في ذلك حالة الانسداد القائمة والحكم البوليسي الذي تشتد وطأته بتمويل غربي للتصدي لطموحات مجتمع عربي إسلامي حريص في الآن ذاته على أن يعيش في ظل حكم ديمقراطي حديث ولكنه مندمج في سياقه العربي الإسلامي، بينما وضع السلطة يفرض عليها الإبحار في الاتجاه المعاكس رابطة بحبال متزايدة مصير البلاد بفضاء إستراتيجي مضاد، والقبول بكل مقتضياته والإمعان في استرضاء أهل الضفة المقابلة ولو بالتفريط فيما تبقى من "استقلال" البلاد ومقومات شخصيتها العربية الإسلامية والتصدي لاتجاهات الرأي العام التحررية والإسلامية المتنامية. كيف يمكن استرضاء الغرب دون التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ ولذلك لم تكن صدفة دعوة سفاح الانتفاضة شارون لزيارة تونس، ولا هتاف فنان "تونسي" بحياة مجرم الحرب نتنياهو دون أن يتعرض لأي عقاب. ولم تكن صدفة مسارعة مؤسس الدولة إلى التراجع بعد ساعات عن توقيعه اتفاق الوحدة مع ليبيا بينما كان ذلك أصوب خيار إستراتيجي يعبر عن وحدة ثقافية وبشرية ومصالح مشتركة عميقة بين القطرين الأكثر انسجاما، وكان ذلك القرار الإجرامي في حق الشعبين في جذر الكوارث التي حلت بالبلدين. واضح أنه لا حل إستراتيجيا لمشكلات تونس وأمثالها في إطار الدولة القطرية المصطنعة، ولا بديل عن الوحدة المغاربية والعربية إلا بالإمعان في سياسات التبعية والتطبيع والدكتاتورية من أجل ضبط السكان. وفي حالة تونس، وإلى أن تتهيأ ظروف الوحدة المغاربية المعاقة بالخلاف الجزائري المغربي حول الصحراء الغربية، لا بديل عن السير نحو المجهول وتفاقم الانفجارات الاجتماعية التي تتصاعد وتيرتها، غير الدخول مع ليبيا في تفاوض جاد على وحدة متدرجة تنقل التكامل الواقع بأشكال يتم كثير منها تهريبا من وراء ظهور المؤسسات الرسمية إلى فضاء مفتوح يشرف عليه إطار ديمقراطي، البلدان أحوج ما يكونان له. وواضح أن هذه الرؤية الإستراتيجية مشروع للمستقبل وموجه أساسي لمعارضة تونسية جادة، مطلوب أن تتحاور حوله باعتباره أفقا إستراتيجيا لحل جذري لمشكلات بلد ومنطقة، وأن ترتفع بمستوى عملها المشترك حتى تتحمل مسؤولية قيادة البلاد على طريق الوحدة والديمقراطية. المصدر: الجزيرة.نت بتاريخ 03 سبتمبر 2010