: قد لا أستطيع التعبير في هذه اللحظات التاريخية عن حجم أنوار البهجة التي أشرقت علي بتيقني من خبر فرار الديكتاتور الدموي زين العابدين بن علي من البلاد التونسية , ولكم تمنيت أن يكون الرجل هاته الأيام بين أيدي قوات جيشنا الوطني ليلقى سبيله الى محاكمة عادلة بين يدي قضاء تونسي مستقل ... فر الديكتاتور خاسئا , ذليلا , منكسرا من عليائه الكاذب وراء حصون قصور قرطاج وقمرت والحمامات , ليترك وراءه بلدا منهوبا وقصورا مشيدة وحصونا أهش من بيوت العنكبوت ... فر الديكتاتور التونسي الذي أشبع وطننا العزيز نهبا وبطشا وكذبا ونفاقا وتألها في الأرض ..., وانكشف الجبان في ساعة متأخرة من مساء 14 يناير 2011 , لتتحول صورة هيبة رئيس الجملوكية التونسية الى صورة سفاح دموي جند مائة قناص من أوروبا الشرقية وبعض تخوم روسيا كي يصوب الرصاص على رؤوس وصدور أهلنا في سيدي بوزيد والقصرين وتالة ومناطق جغرافية أخرى من بلدنا العزيز... سقط الديكتاتور الدموي من قلوب الناس ومهجهم يوم أن سلط أجهزته الخاصة الفاسدة على المعارضين ومنذ التسعينات , فكان التعذيب الممنهج وسقوط الشهداء وتحبير تاريخ تونس الحديث بصفحات دموية , أراد لها من خلال أجهزة الدعاية ووسائل اعلامه الحسناوي الدمن أن تصبح معجزة !!! سقط الديكتاتور في أعين شعبه منذ عشرين سنة , حين كشف عن وجه كاذب في محلات الاعتقال وفي أوكار التحقيق التي حولها في صمت القبور الى مسالخ بشرية ... سقط الديكتاتور , حين نهبت الثروة الوطنية وتحولت الى منشآت خاصة على ذمة آل بن علي وآل شيبوب والطرابلسي وبن مبروك وكل من صاهره طمعا في قسمة ضيزى ومأكل زقوم ... حين أذن الله بانهيار ملكه يوم 14 جانفي 2011 , ترك بن علي وراءه أجهزة أمنية فاسدة تحترف القنص والسفك واطلاق الرصاص في كل زاوية , فاكتشف التونسيون والتونسيات والعالم كله ولأول مرة آلاف الحراس المنضوين تحت جهاز الأمن الرئاسي وبقايا أجهزة شرطة وأمن دولة , انتشرت في البلاد عرضا وطولا واستولت على سيارات هامر وسيارات اسعاف وسيارات مؤجرة , وانطلقت في عملية ارهابية هدفت الى ترويع شعبنا التونسي ... ترك بن علي جيوب فساد وترويع تأتمر بامرته , وخلف وراءه حزبا حاكما مسيطرا على مقدرات الدولة , وكانت آخر كلماته لمعاونيه وبعض مستشاريه بأنه سيحدث بعده من الهول والخراب مايجعلهم يستجيرون به في ظرف لن يتجاوز الأسبوعين .... انتهى بن علي دستوريا وسياسيا وشعبيا ودوليا , غير أنه مازال يدير من منفاه اتصالات مع مسؤولين سابقين يريدون الضحك على أبناء شعبنا باغتصاب الثورة ... نعم , فبن علي مازال على اتصال برئيس وزرائه الأسبق محمد الغنوشي , بل ان المعلومات تفيد بمحاولات اتصال يجريها بعواصم عديدة , فقد ثبت لدي ومن خلال مصادر مطلعة بأنه كان ينوي التوجه ليلة فراره الى باريس قصد الاستنجاد بالرئيس الفرنسي وطلب المساعدة الدولية بدعوى وجود مؤامرة على ملكه يقودها الاسلاميون ...!!! لم ينسحب بن علي نهائيا من المشهد فقد ترك وراءه فوق أرض الخضراء حرسا قديما وحزبا فاسدا وأسلحة قنص ودمار , طالما أعدها ليوم عصيب كان يعتقد فيه بانتفاض المعارضة عارية من مؤازرة الشعب ... انتهى بن علي كشخص من المساحات السياسية والشعبية , فقد لفظه الشعب في ثورة تاريخية عارمة , دخلت بها تونس التاريخ من أبوابه العظيمة , غير أن بقايا نظامه الفاسد مازالت متبقية في تعرجات ومسالك مااستحدثه من أجهزة أمنية معقدة , بل ان بن علي لايزال مخيما بظله من خلال حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي سيستأثر اليوم بوزارات السيادة فيما سمي بحكومة الانقاذ الوطنية .... الثورة التونسية , تلاحقها أشباح جيوب نظام بن علي , وبن علي يترصد متربصا بالثورة مغتصبا من منفاه , فمالذي على الجماهير والنخب أن تفعله في هذه اللحظة التاريخية الفارقة ؟ دعوني أقول وقبل التحية الخالصة لجيشنا الوطني الذي تمردت قيادته على ديكتاتور تونس الفار , وانحازت الى ثورة الشعب الخالدة , في ملحمة بطولية , دعوني أقول بأن المطلوب هو تنقية أجهزة الدولة من بقايا جيوب نظام بن علي من خلال حل التجمع الدستوري الديمقراطي واعادة تشكيل حزب وطني نزيه يعيد الاعتبار للحزب الحر الدستوري القديم أيام كان حزبا وطنيا خالصا , مع ابعاد كل الحرس القديم من قيادة الحزب , وتعهد الحزب الجديد باحترام القانون والدستور والحريات وحقوق الانسان والمسار الديمقراطي ومحصلات العملية الانتخابية . المطلوب هو وضع العملية الأمنية كليا تحت اشراف الجيش الوطني وامرته , مع حث جيشنا الوطني على تطهير الأجهزة الأمنية من كل المتورطين في جرائم التعذيب ومسالك الفساد ... هناك مطلب ملح بالشروع العاجل باحالة المتورطين في جرائم القتل والحرق والنهب من جيوب نظام بن علي على المحاكمة العادلة , مع الشروع في محاكمة بن علي شخصيا بخصوص سفك الدماء ونهب الثروة العامة . وحتى لاتغتصب الثورة أو تسرق , فان الشارع يظل حكما بين الوعود والانجازات , ومالم نتقدم في تسوية هذه الملفات فان بن علي سيعود من خلال حرسه القديم الى حكم تونس مرة أخرى ... العبرة بالخواتيم , والثورة لن تنهي المشوار الا حين يأخذ القضاء المستقل طريقه الى التحقيق مع الجلادين والمفسدين وتعاد الحقوق المسلوبة الى الشعب ويسن العفو التشريعي العام ويعوض لضحايا حقبة فاسدة.... لامسرحيات بعد اليوم ! , وعلى الرسالة أن تصل للجميع , واذا لم يتحقق ماذكرت فعلى الجماهير أن تهب مرة ثانية الى شارع الحبيب بورقيبة وكل شوارع تونس الخالدة , حتى ترسو الثورة على دولة الحق والقانون والعدل والمساواة والمواطنة الكاملة .