دماء شباب تونس لم تجف بعد، عصابات الترويع والسلب لم تغادر الساحة بعد، ودموع التونسيين لا تزال تسيل، فرحة في بعضها بسقوط الطاغية، وحزن في بعضها الآخر على قريب أو جبيب سقط برصاص الطغيان... في هذا المناخ المظلم والمفتوح على المجهول تحبك مسرحية هزلية في أيام لا تحتمل الهزل ولا الحياد، فصول غريبة تتلاحق بدون حياء ولا وجل، يتجرأ في فصلها الأول الحزب القديم وبطانة الحكم السابقة وحاشيتها على التمسك بسلطانهم وتوزيع الحقائب على أيد غير بريئة، ساهمت بالكثير أو القليل في استمرار أيام الاستبداد! ويلتحق بهذا الفصل الغريب لهذه المسرحية ، طاقم من المعارضة عهدناه أرفع مقاما وشأنا، ليقتسم الجميع هذه القطعة من الحلوى المباركة والتي يغلب عليها اللون الأحمر الحزين، ليخرج علينا الجميع فرحين بهذا الإنجاز وكأن تونس فريسة تتقاسم أو مأدبة عشاء يدعى إليها أهل الشواهق، على غفلة من أهل الدار. وبعد أن رفعت المائدة وسقط الغطاء وارتفعت الغشاوة تدخل المسرحية في فصلها الثاني حيث يتبين للمعارضة غفلتها وخطإ قرائتها وقلة وعيها وسقوطها في المزاحمة على فتات الموائد المغشوشة فأعلن البعض استفاقته وانسحب! ليتواصل المسار مترنحا وعلى حياء فيرتفع الستار مجددا في الفصل الثالث ليعلن الرئيس المؤقت والوزير الأول انسحابهما من الحزب الحاكم! ماهذه المهزلة، ما هذا الرقص المتصابي على جثث الشهداء، ما هذا التعامل الطفولي مع الحدث، ماهذه السخرية من تونس ومن أبنائها في هذه المرحلة العصيبة واللحظة التاريخية التي تمر بها البلاد. إن دعوتنا التي نجددها والتي تؤكد سلامة قراءتنا للأحداث، أن هذه الثورة المباركة انطلقت من الشارع وإلى الشارع يجب أن تعود، إن الشعب التونسي يجب أن يعي أن ثورته لم تنته وأن حاضره ومستقبله يبقى بيده، وأن على النخبة أن ترتفع إلى مستوى الحدث، أن تعي السقوف المرتفعة التي بنتها هذه الثورة المباركة بدماء شبابها الزكية. إن هذه الثورة لم تقم ضد شخص أو أسرة فقط، ولكن ضد نظام حكم بما يحمله من آليات وخطاب وأفراد وأخلاقيات وقيم وحزب حاكم. ومن يقول غير ذلك أو يسعى إلى تحجيمه أو الالتفاف حوله أو تأخير تنزيله فقد ساهم بوعي أو بغير وعي في سرقة هذه الثورة والالتفاف عليها وإسقاط أحلام شعب وآماله التي دفع ثمنها باهظا ولا يزال. 19 جانفي 2011