شهدت الشعوب العربية ومنها الشعب الليبى التحولات الكبيرة التى حدثت فى كل من تونس ومصر حيث انتصرت الشعوب على حكامها المستبدين الفاسدين، وكشفت لنا وللعالم الثورة الشعبية التونسية، ثم الثورة الشعبية المصرية أن نظم الاستبداد لا تملك أية قوة حقيقية وأنها واقفة على أرضية هشة لا تصمد أمام جموع المتظاهرين الغاضبين المؤمنين بحقهم فى الحرية والكرامة، واكتشف الشباب الواعى الشجاع أن حكام تلك النظم والرؤساء بالذات كان حالهم مثل حال النبي سليمان مع " منسأته " حيث نجد درسا بليغا يشير إلى الغفلة التى تصيب الناس تجعلهم يخافون من الوهم يقول سبحانه تعالى : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين ) سورة سبأ الآية 14 .والشعوب العربيىة ظلت فى العذاب من حكامها دون ان تدرك أنهم ضعفاء كالذباب أمام عواصف الجموع الغاضبة المؤمنة . بعد تجرية تونس ومصر عرفت تقريبا كل الشعوب أن كل أنظمة الاستبداد العربية حكوماتها ومؤسساتها أمثال بيوت العنكبوت.. وسوف تكتشف هذه الشعوب أيضا تدريجيا مواضع وأسباب قوتها وعندها ستتحرك بقوة واندفاع نحو التغيير وهي على استعداد لدفع ثمن مكاسبها المنظورة وغير المنظورة ....وليس من الضرورى أن تنسخ التجارب السابقة نسخا حرفيا، وإنما يكون لكل شعب طريقته السلمية فى التغيير . وخلال كل ما جرى عاش الشعب الليبى بكل قدراته الوجدانية والعقلية وخبراته السياسية مع ما تناقلته الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة من انتصارات الشعوب بقيادات شابة مؤمنة بحقوقها ومنها حق التغيير واختيار قيادات جديدة بعد أن شاخت وخرفت القيادات الحاكمة منذ عشرات السنين ... كما تابع الشعب الليبى موقف حكام ليبيا وإعلامهم المفلس المتخلف إزاء هذه الأحداث الكبيرة وسمع أقوالا وتصريحات عبرت بوضوح عن انحيازهم مع الحكام المستبدين الفاشلين الفاسدين وعبرت عن عجزهم لفهم ما جرى ويجرى حولهم وعلى حدود بلادهم ... ... مواقف حكام ليبيا تلك وما عكسته وسائل الإعلام الرسمية كانت موضع رفض واستنكار بل وسخرية فى ليبيا وفى خارجها ... وجملة تصريحات رأس النظام وجملة مواقفه تؤكد أنه فقد القدرة على ادارة الشأن السياسى فى ليبيا ووقع فى أخطاء فادحة حتى على مستوى شعاراته التى ثبت فشلها منذ زمن بعيد ... الوضع السياسى فى ليبيا الآن وبعد ما حدث فى البلدين الجارين يستدعى من القوى السياسية والقانونية والشبابية أن تفكر جديا فى الضغط بكل الوسائل السلمية لتجاوز الوضع الراهن بكل سلبياته والبحث عن بديل سياسي يتفق مع التحولات التى تعيشها المنطقة ويتفق مع طموحات الشباب ومع ثروات البلاد . وهناك عدة تصورات يمكن طرحها للتحاور حولها ومنها أن يتقدم الشباب من القانونيين والقضاة والكتاب والاقتصاديين والمهندسين والأطباء وأساتذة المعاهد والجامعات لتبنى مطالب الشعب فى التغيير بالطرق السلمية وعلى أسس موضوعية صحيحة... وسوف يكتشف الليبيون حينما يتحرك شبانهم وشاباتهم ومثقفوهم بوعي وقوة وتلاحم أن هناك قدرات كامنة تتصف بالحماسة والشجاعة والتطلع نحو أهداف كتلك الأهداف التى ثار من اجلها شباب تونس ومصر . إنه من الخطأ الكبير إلقاء الأحكام الباطلة واضعاف عزائم الشباب من الجنسين، فشباب ليبيا مثلهم مثل كل الشباب العربى يحلمون بمستقبل أفضل، وبحياة آدمية كريمة .. والواجب أن تسود بينهم ثقافة الأمل والشجاعة والاقدام بدل ثقافة اليأس والخنوع والذل والهوان . الشعب الليبى اليوم وفى مقدمته الشباب لن يقبل استمرار مهزلة ما سمي كذبا وزورا ب " سلطة الشعب " ولن يقبل أن يحكمه مجموعات من المستفيدين والفاسدين والتافهين الذين أذاقوا هذاالشعب الطيب سوء العذاب. على من يحكمون فعلا أن يعلنوا التزامهم بتسليم السلطة للشعب خلال فترة انتقالية يتفق عليها مع ممثلين من الشعب من القانونيين والمفكرين والنقابيين وقوى الشباب الذين لم يتلوثوا خلال المراحل الماضية ولم يشاركوا فى تزييف ارادة الشعب ... وفور تسلمهم للسلطة يقومون بحل كل التنظيمات السياسية السابقة ويعينون حكومة مدنية مؤقته للإعداد للخطوات التالية : أولا : اطلاق حرية الصحافة بكل ادواتها الحديثة لتعكس ما يريده الناس فى جميع المجالات . ثانيا : وضع ترتيبات لإنتخاب جمعية وطنية لوضع دستور عصري للبلاد . ثالثا : ترسيخ ثقافة الحوار والتسامح حتى تتجنب البلاد أية مزالق اجتماعية قبلية يحاول البعض من المفسدين أن يوظفوها على طريقة " فرق تسد" . رابعا : وضع ترتيبات للمصالحة الوطنية تمهيدا للحياة الديمقراطية التى تكفل فرص المشاركة السياسية لكل القوى والتيارات فى ظل دولة القانون ووحدة المجتمع والوطن . إن المرحلة التى تمر بها المنطقة العربية وليبيا تقع بين أول بلدين حققا ثورتيهما شعبيا لم تترك أي احتمال لإستمرارية مهزلة سلطة الشعب واللجان على كل مستوياتها ...المرحلة تتطلب فكرا وعملا من القوى الوطنية خاصة فى داخل الوطن لنقل السلطة بسياسات جديدة وطرق جديدة لا صلة لها بالسياسات والطرق السابقة التى جربت وفشلت فشلا ذريعا ... كفى من حكموا ليبيا 40 عاما ... لقد حان موعدهم مع ترك السلطة سلميا.... ومن أجل سلامة وأمن المجتمع عليهم أن يتركوا موقع " السيادة والقيادة " وأن يفسحوا الطريق لجيل جديد يشكل أكثر من نصف المجتمع لكي يشارك فى مرحلة التحول فى عالم يتأثر بوسائل ثقافية جديدة وطموحات لا يعرفها الجيل القديم الذى حكم البلاد وأوصلها إلى ما هي عليه من التخلف والفساد والبؤس... كل ما نريده فى هذه الأيام أن يدرك من يحكمون فعلا أن الوقت لم يعد فى صالحهم وأن التردد والعناد لن تكون نهايته إلا مثل نهاية بن على ومبارك .... الزمن الآن يبشر بالثورات والتغيرات الشعبية الحقيقية لا المزيفة والمفبركة من وراء ستار كثير الثقوب ... المستقبل للشعوب وللحرية والديمقراطية والعدالة والتداول سلميا على السلطة فى ظل دولة القانون .... تلك هي ليبيا التى تحلم بها الأجيال النقية المحرومة من الحرية والثروة ومن كل أسباب التقدم والرفاه الاجتماعى، وهو واقع لا يمكن أن يستمر بعد أن سرت فى الشعوب روحا جديدة بفضل شباب طموح أطاح بالطغاة ونظمهم خلال أسابيع قليلة وبقليل من الشهداء. ونتمنى أن يتعظ كل حاكم عربي بما حدث لحاكمي تونس ومصر والعاقل من اتعظ بغيره وأن يبادروا بالانسحاب من مواقعهم وأن يتركوا الميدان لقوى اجتماعية جديدة قوامها فتية مؤمنة واعية بعصرها وما يتطلبه من فكر وعمل .