: السبت , 7 ماي 2011 , وحينما كانت الساعة تشير الى الواحدة ظهرا , كان شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس يشهد أوج حراكه الأمني والسياسي , فالمتظاهرون من جهة يرفعون شعارات منددة بالحكومة المؤقتة ويدعون الى استكمال مسارات الثورة بناء على ماأفاد به وزير الداخلية السابق السيد فرحات الراجحي , ورجال الشرطة من جهة أخرى بزي رسمي وآخر غير رسمي يجوبون أطراف الشارع ليحكموا الخناق على الشارع وعلى كل الذين تجرؤوا على كسر جدار الصمت بخصوص قضايا ظلت محل غموض كبير بعد تاريخ الرابع عشر من جانفي 2011 ... الأكيد أن السيد القاضي فرحات الراجحي أصاب في قضايا كثيرة في حواره العفوي المنشور قبل أيام على الشبكة الاجتماعية العالمية , غير أنه بالمقابل أخطأ في حق الجيش وقيادته كمؤسسة وطنية , وربما كان قاسيا بعض الشيء ومفتقدا للديبلوماسية حين تطرقه الانسيابي لكثير من القضايا المتعلقة بالشأن الحكومي ... لم تكن تصريحات الراجحي في تقديرنا المتواضع هي المفجر لأحداث وتظاهرات السابع من ماي , غير أنها أضفت مشروعية سياسية عليها في ظل تنامي الشكوك وتآزرها بشأن الجهة المتحكمة في صناعة القرار بعد فرار الرئيس التونسي المخلوع ... ربما لم تفهم الحكومة والى حد الآن سر الحفاظ على متطلبات المرحلة أمنا وحرية , فأعطت الضوء الأخضر لقمع الاعتصام الثالث كما تحركات السابع من ماي دون حسابات دقيقة , فتعززت الشكوك لدى رجل الشارع ببقاء الوضع القديم في مستواه الأمني والسياسي , ولقد جاءت أحداث السجون وماحصل فيها من شبهات عظيمة وأحداث الملاعب وماحدث فيها من موبقات مرتبة قصدا ..., جاءت لتؤكد أن تونس مابعد الثورة لازالت تتلمس طريقها نحو الكرامة والحرية بدل تحقيقهما بداهة بعد سقوط الديكتاتور... ماحدث يوم 7 ماي الجاري سيظل علامة استفهام كبرى حول عمق ماأحدثه التونسيون من تغييرات بعد فرار حاكم تونس المخلوع , فنزول بعض العناصر الأمنية الى الشارع مقنعين , مع استعمال بعض العناصر الأخرى للعنف المغلظ ركلا وضربا وبطحا , سيجعل رجل الشرطة بمعزل عن قواعد المحاسبة والقانون ..., اذ لايمكن من زوايا قانونية ملاحقة عناصر مقنعة على هيئة النينجا , فهؤلاء قد لايتسنى التعرف على هويات أصحابهم , ومن ثمة انصاف ضحاياهم الذين تعرضوا الى عملية سحل وحشية أمام مرأى ومسمع عدسات شاشات العالم... حين تكون الضحية شابة تونسية تتعرض لركل وحشي مفزع , يترتب عنه خلع كتفها واحداث رضوض واخلالات بدنية لديها , وحين يكون الضحية طفلان تونسيان تعرضا للضرب المبرح , ووقف أحدهما متقيئا ومحتميا باحدى عربات الجيش , وحين يكون الضحية طفلا في سن الثالثة عشر وفاقدا لأمه , ساقته الأقدار لجلب شقيقته من المدرسة ..., حين يحدث هذا بعد ثورة 17 ديسمبر 2010 ! , أجد نفسي مكرها للحديث بصوت عال , عساي ألفت النظر الى خطورة هذه الانتهاكات في زمن خال فيه التونسيون القهر والظلم من عناوين الزمن المنقضي ! الطفل محمد علي بن حزار , والبالغ من العمر 13 سنة أدلى بشهادته السمعية البصرية , حول ماحصل له يوم 7 ماي 2011 ... المكان شارع الحبيب بورقيبة , والساعة الواحدة ظهرا , والمشهد وثقته صور الكاميرا الهاوية , فقد تم تعنيفه بشكل فظيع من قبل عناصر أمنية بالقرب من ركن تابع لأحد المصارف بالشارع المذكور ... الطفل محمد علي كان باكيا ومبكيا في شهادته البصرية الموثقة , فقد روى أخبار الاعتداء على رأسه وجوارحه , ليكشف بالصورة عن رضوض وجروح خلفها له الاعتداء ... احتار الأطباء في توصيف وفهم ماتعرض له الطفل محمد علي بن حزاز , بل مازال الطفل مصابا بحالة من الهلع قد تمنعه فترة طويلة من الذهاب الى المدرسة , فمشهد الخوف والبكاء يقطعان حزنا حالة تونسية , تتعمق ضبابيتها كلما ابتعدنا أكثر عن تاريخ يوم الجمعة المشهود حين فر طاغية تونس الى الجزيرة العربية ومهبط الوحي فيها... ثمة أضرار نفسية عميقة أصابت الطفل محمد علي وعائلته , بل أجزم بأن الضرر قد لحق كل أطفال تونس .., دون أن نغفل طبعا عما يكون قد أصاب الطفل الضحية من ضرر بدني جسيم لاقدر الله ... اعتذرت الحكومة أو وزارة الداخلية من الصحفيين الذين تعرضوا يومها للاعتداء , لأن لديهم جسما نقابيا وأجساما دولية تدافع عنهم , أما الشابةالتونسية فلم يكن لها من أحد يرد لها الاعتبار في بلد تحرر المرأة والمزايدة في تحريرها , اذ بدت الشابةالتونسية في معرض ركلها وبطحها من قبل الملثمين كالشاة العرجاء بين مخالب مفترسيها ...! أما الطفل محمد علي بن حزاز فلم تبلغ مظلمته العالم كما بلغته تصريحات السيد فرحات الراجحي ! , فبعض السياسيين ورجالات الأحزاب والجمعيات منشغلون بتقسيم مغانم كعكة الفار وتوزيعها بعد تاريخ 24 جويلية القادم ... !, وقد يشذ عن القاعدة وطنيون ووطنيات انزوت عنهم الأضواء بعد اسقاط الديكتاتور وتحولت أصواتهم الى نشاز في مسالك البرية ... الثورة التونسية , انبثقت من رحم معاناة الكرامة والحرية , غير أن أحداث 7 ماي 2011 ألقت بظلالها ثقيلة حول مايحدث اليوم بالبلاد التونسية ! ... وحين تعتذر الحكومة ورئيسها والمصالح المعنية الى الضحايا علنا وتنصفهم عدليا , حينها فقط يمكن اعادة الثقة الى الشعب في ثورته العظيمة , شريطة عدم تكرر هاته الانتهاكات والتعديات الصارخة طبعا , والا فان معاني الاعتذار تصبح مفقودة عديمة ... أريد أن أتنفس الثورة ومبادئها بلاشك ! , غير أن هول ماحدث في شارع الحبيب بورقيبة أعاد للتونسيين الصدمة الواعية , بأن المسرحية حدثت بشكل أو بآخر الا أن يرحم الله شعبنا بالتصحيح الفعلي بعد تاريخ السبت المشؤوم ! حفظ الله تونس وشعبها ودمتم محفوفين برعاية الله ...