عند كل نكبة أو حادثة في العالم العربي والإسلامي ، وما أكثر النكبات والمآسي المستعرة و المستمرة علي شتي الأصعدة وفي كل الاتجاهات، يدور السجال ويحتدم النقاش حول عدالة الغرب وقيمه الأخلاقية والإنسانية في معالجة هذه القضايا التي تتطلع إليها مجتمعاتنا باحترام وتقدير أملا في نصرتها وإنصافها، لكن للأسف الشديد سرعان ما تتبخر مع المواقف المتحيزة المخيبة للآمال.. انه واقع مرير ومحزن لهذه الشعوب على اختلاف مستوياتها التعليمية والاجتماعية عندما تصاب بخيبة أمل في مثلها الأعلى وقدوتها التي نهلت من معين ثقافتها في العدالة والمساواة... حيث أن الكثير منها غامر بحياته وتسلل إليها عبر قوارب الموت المتهالكة هاربا من الضيم والقهر الذي يعانيه في بلده التي ابتليت بحكام ( يستمدون شرعيتهم من هذه الدول) لا يفكرون في شعوبهم، و لا يؤمنون بالتداول على السلطة، ولم يحققوا النماء والرفاه الذي وعدوا به، بسبب الفساد المالي و الإداري، حتى أصبح الإنسان مثقلا لا كرامة له أمام العالم، لهذا كله تجده يبحث عن بلد جديد طمعا في حياة حرة كريمة يسودها الأمن والأمان، ليجد نفسه بعد فترة من الزمن في مقارنة صعبة ومؤلمة بين وطنه الأصلي الذي غادره بدون رجعة وبين وطنه الذي التجأ إليه، وللأسف الفرق بينهما بسيط جدا فالأمن أصبح مهددا بموجب قانون مكافحة الإرهاب، و فرص العمل شحت كثيرا نتيجة الانكماش الاقتصادي، وهامش حرية التعبير بدأ يضيق، و هاجس الإرهاب أصبح يقوض الأمن والاستقرار حتى يتوجس الإنسان خيفة من كل شئ حتى من نفسه ربما قد قمت بعمل مخالف للقانون، لأنك دائما متهم في عيونهم و عرضة للمسائلة وربما التحقيق، هنا تشعر بالغربة والوحدة وتشعر بالميز تجاهك فتراجع نفسك عما سمعت وقيل لك عن قلاع الحرية والديمقراطية ، فالفرق شاسع وليس من سمع كمن اكتوى بنار الواقع.. هذه المجتمعات المتحضرة والمتمدنة لا تراعي ولا تعطي قيمة للعدل، العدل الذي يعطي كل ذي حق حقه، يتجلى ذلك في كل القضايا العربية العادلة حيث تجد هؤلاء يتخذون مواقف تخدم مصلحة الظالم المدلل في عيون العالم، انظر ماذا حدث في لبنان أكثر من ثلاثين يوما من القصف، المجزرة تلوى المجزرة مئات القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ، لم يسلم من هذه المجازر حتى جنود الأممالمتحدة، انظر إلى فلسطين التي تعاني الويلات لعشرات السنين، مآسي متجددة في صمت دولي رهيب... العراق وما يفعل بشعبه ...كأن الأمر يحدث في كوكب آخر أو أن المسلمين ليسوا بشرا تشملهم رحمة القيم الإنسانية...صور أشلاء ممزقة للصبية والنساء والعجزة هدمت عليهم بيوتهم وقبروا أحياء، شهدها العالم و مسلمو أوروبا فعاشوها بألم وحزن وأسى، خرجوا على إثرها بالآلاف في مسيرات سلمية تدعو الحكومات الأوروبية والقوى السياسية لتدخل جاد وعاجل لوقف المجازر... لم نرى موقفا أوروبيا موحدا يلجم أو يرد المعتدي عن عدوانه بل بالعكس من الدول من يلتمس للمعتدي الأعذار ويؤازره ويسانده في عدوانه، فقد امتنعت وترددت عديد من الدول الأوروبية عن مساندة دعوة الأمين العام للأمم المتحدة "كوفي عنان" لوقف فوري لمجازر لبنان، إنها مواقف محيرة لهذا الجيل من الشباب والأطفال الذين ولدوا هنا وأصبحوا جزءا لا يتجزأ من نسيج المجتمع والذين تربوا وتشبعوا بثقافة العدل والمساواة و المحبة و حسن المعاملة!!! كيف نقنعهم ؟ وماذا نقول لهم عن عدالة أوطانهم ؟ أليست هذه المغالطة تقوض لديهم ثقافة الحب والعدل والسلام والتعايش الآمن بين المجتمعات؟... إن كل هذه التساؤلات وكل هذه الاضطرابات أصبحت الآن مطروحة لدى المواطن الأوروبي المسلم الذي يشعر انه مظلوم في بلده التي من المفروض أن تحترم أفكاره وتنصفه، هذا شعور المسلمين عموما ، خاصة بعد الأحداث الأخيرة وتبعاتها، وهو يشاهد ويتابع ما يحدث في العالم من قتل وتدمير وتنكيل و ابادة وانتهاك لأدنى حقوق البشر في صمت وتبرم دولي، خاصة أن هذه الأحداث والجرائم تجري على أراض إسلامية ولا يخفى ارتباط المسلمين بإخوانهم، هم يتطلعون لموقف منصف يشرفهم ويشعرهم بانتمائهم لأوطانهم الأوروبية التي أكدوا ولاءهم إليها في عديد من المناسبات، ينشدون العدل والمساواة والحرية والديمقراطية دون تمييز أو تفريق بين البشر، وفي قلوبهم غصة على تنكر الحضارة الغربية لقيمها كلما تعلق الأمر بالإسلام والمسلمين وقضاياهم ومعتقداتهم ... إن سياسة الكيل بمكيالين التي تصغي للأصوات التي تنفخ في نار الفتنة في المجتمعات الغربية بتخويف الأوروبيين من التواجد الإسلامي ، تقوض أولا الديمقراطيات الغربية العريقة الضاربة في أعماق التاريخ حتى أصبحت نموذجا لعديد من المجتمعات المتطلعة للحرية، وتنتج تصرفات وسلوك يغلب عليه الجانب العاطفي بردود أفعال طائشة و التي بدأت تظهر هنا وهناك ، وأدخلت عديد من البلدان الأوروبية في جو من الخوف وعدم الاستقرار الذي لا تؤيده الجالية المسلمة عامة وتعتبره عملا إجراميا يفسد نسيج المجتمع و أعربت مرارا على استعدادها الكامل مع المؤسسات الحكومية لنبذه والحد منه لان هذه الأعمال لا علاقة لها بالإسلام وإنما هو نتيجة يأس وإحباط غذته وأشعلته مواقف سياسية غير منصفة لقضايا عادلة.