وجهت وسائل إعلام غربية انتقادات لاذعة لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر بسبب تصريحاته المسيئة للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم، والتي أثارت غضبا واسعا في أنحاء دول العالم الإسلامي. واعتبرت تلك الصحف أن تصريحات البابا عمقت الانقسام المسيحي داخل الكنيسة، وقد تؤدي إلى بين المسلمين والمسيحيين. وتحت عنوان "البابا يواجه النبي" -في إشارة إلى النبي محمد- شنت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية في عددها الصادر الأحد هجوما على بابا الفاتيكان، قائلة إن "تصريحاته خلقت انقسامات كبيرة وسط الكنيسة بين الكاثوليك التقليديين والتقدميين المعتدلين، وحتى أولئك الذين كانوا راضين عن البابا غيروا نظرتهم الآن مندهشين من الطريقة التي كشر فيها البابا عن أسنانه العجوزة". وذكرت الصحيفة بمحاولة المتحدث باسم الفاتيكان "فريديريكو لومباردي" الدفاع عن أقوال البابا بالتركيز على السياق الذي جاءت فيه، لكنها علقت بأن "رنين الكلمات يستمر تأثيره بعد غياب السياق". وأشارت إلى أن كلمات البابا كانت تحوي مغالطات تاريخية بحسب المؤرخين المسلمين؛ حيث إنه "من المعروف أن الثقافة الإسلامية هي التي أبقت تراث الفيلسوف أرسطو حيا عبر عصور الظلمات في أوروبا، ومكنت الكاثوليك من إعادة التوفيق بين الدين والعقل على يد (الفيلسوف) توماس أكيناس". ونقلت "صنداي تايمز" عن مصدر إنجيلي رفيع، لم يشأ ذكر اسمه، قوله إن الإسلام "كان دين العقل قبل المسيحية، فالرياضيات والطب تطورا في العالم الإسلامي، وإن كان هناك صراع بين العقلانية وظلمات العصور الوسطى، فعلينا الإقرار بأن الإسلام في صف العقلانية". من جانبها عقدت صحيفة "ذي أوبزرفر" البريطانية الأحد بين بنديكت السادس عشر ويوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان السابق الذي بذل جهودا كبيرة في مجال حوار الأديان، وقالت: إن "بولس الثاني كان يتمتع بموهبة طبيعية تمكنه من معرفة وقع كلماته التي يلقيها". وأضافت: "لم يصدر عن البابا السابق مطلقا كلمات مثل: (شر أو لاإنساني) في وصفه للإسلام مثلما فعل البابا الحالي؛ الأمر الذي عرضه لهجوم كبير من جانب وسائل الإعلام وأثار غضب المسلمين. كما كان بولس أول بابا للفاتيكان يزور مسجدا عندما زار الجامع الأموي بدمشق في مايو 2001". وأوضحت الصحيفة أنه في عهد البابا السابق كان الإسلام بالنسبة للفاتيكان وللولايات المتحدة حتى التسعينيات حليفا له ثقله في الصراع ضد الماركسية. كما قام بتعيين خبير في شئون الإسلام هو "فرانسيس أرينزي" ليرأس المجلس البابوي لحوار الأديان أو وزارة الفاتيكان للعلاقات مع الأديان الأخرى في إطار جهوده في حوار الأديان. ورغم أن بنديكت السادس عشر يؤكد التزامه بالحوار بين المسيحيين والمسلمين بحسب "ذي أوبزرفر"، فهو يعتقد أيضا أن تبني بعض علماء المسلمين لما وصفه ب"العنف الإرهابي" يعد عقبة كبيرة أمام تحقيق أي تقدم فيما يتعلق بحوار الأديان. وكان بنديكت السادس عشر صرح في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 –قبل توليه البابوية- بأن من الضروري عدم ربط ما حدث بالإسلام، غير أنه اعتبر بعد ذلك أن تاريخ الإسلام "يحوي نزعة للعنف". ولا تعد هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها بنديكت السادس عشر عن صلة بين الإرهاب والإسلام؛ حيث تقول "ذي أوبزرفر": "في أغسطس الماضي قال البابا الحالي كلمات لم يكن البابا السابق ليتفوه بها خلال اجتماع مع قادة مسلمين في مدينة كولونيا؛ حيث تحداهم بأن يقوموا بإدانة أي صلة تربط دينكم بالإرهاب". "قريب" من أمريكا المؤرخ الديني الفرنسي "أودون فاليت" اعتبر في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية أن بنديكت السادس عشر أكثر قربا للولايات المتحدة من البابا السابق الذي عارض غزو العراق وأفغانستان؛ حيث إنه لم يقم منذ توليه بأي إدانة للسياسة الخارجية الأمريكية. وقال فاليت: "لا شك أنه يوجد بعدٌ سياسي في تصريحات البابا حتى وإن تخفت وراء فكر لاهوتي واضح". واتفق معه المؤرخ الفرنسي رينيه ريموند قائلا: "رغم أن محاضرة البابا كانت واضحة ودقيقة من الناحية الفكرية فإنها تجعلنا نتساءل ما إذا كان توقيتها مناسبا من الناحية السياسية". وأجمع أساتذة في علم اللاهوت على أن تصريحات البابا قد ت بين العالم الإسلامي والكنيسة الرومانية الكاثوليكية والتي بذل فيها البابا السابق الكثير، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية. وقال "هانز زركير"، أستاذ اللاهوت الألماني والمتخصص في الإسلام معلقا على تصريحات البابا: "كانت أمرا غير لائق نظرا للموقف الدقيق الذي نحن فيه الآن"، حيث يتم تفعيل حوار الأديان، وبعد أشهر قليلة من أزمة الرسوم المسيئة للنبي محمد. وعلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على تصريحات البابا قائلا: إن "البابا تحدث كسياسي وليس كرجل دين. وفي وقت بدأ فيه الحوار بين الأديان والثقافات من المؤسف جدا أن يدلي أحد بهذه التصريحات ضد الإسلام". وكان البابا قد استشهد -خلال محاضرة ألقاها الثلاثاء الماضي أمام أكاديميين في جامعة رجينسبرج بألمانيا، حول الخلاف التاريخي والفلسفي بين الإسلام والمسيحية- بحوار دار في القرن الرابع عشر بين إمبراطور بيزنطي ومثقف "فارسي" حول دور نبي الإسلام. وخلال هذا الحوار قال الإمبراطور للمثقف: "أرني ما الجديد الذي جاء به محمد؟ لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف". كما طالب البابا في محاضرته المسلمين بوقف الجهاد. أسف البابا وفي محاولة لتهدئة غضب المسلمين، قال البابا أمام حشد في مقره الصيفي في "كاسيلجندولفو" (إيطاليا) الأحد: "... أشعر بأسف بالغ عن ردود الفعل في بعض الدول تجاه فقرات محدودة وردت في خطابي بجامعة رجينسبرج، والتي اعتبرت مهينة لمشاعر المسلمين. كانت تلك في واقع الأمر اقتباسات من نص من العصور الوسطى، والتي لا تعبر بأي حال عن رأيي الشخصي. أتمنى أن يهدئ هذا من النفوس، وأن يوضح المعنى الحقيقي لكلمتي التي كانت ولا تزال في مجملها دعوة لحوار صريح وصادق باحترام متبادل". وجاءت تصريحات البابا في نفس الشهر الذي نشرت فيه صحيفة دانماركية العام الماضي رسوما كاريكاتيرية مسيئة للنبي عليه السلام؛ وهو ما أثار موجة غضب عارمة في العالم الإسلامي. كما تزامنت مع الذكرى الخامسة لهجمات سبتمبر التي أسفرت عن شن واشنطن حربها على "الإرهاب"، والتي لم تستهدف سوى المسلمين.