كل انتخابات العالم المتقدم تقع فيها تجاوزات و صراعات غير ديمقراطية و ليس أدلّ من ذلك أن الرئيس جورج بوش حكم أكبر دولة في العالم بقرار قضائي كما أن رئيس الوزراء الايطالي نعت الحزب اليساري بأسوئ النعوت في الانتخابات الأخيرة، و في الدول المتقدمة نادرا ما تتجاوز نسبة المشاركة الستون بالمائة من الذين يحق لهم الانتخاب بعد أن وضعت الانتخابات نتائجها يمكن للمراقب أن يغوص داخل نتائجها للتحليل و التدقيق و بعيدا على أي تفسير تآمري أو نرجسي يمكن لنا أن نسجل الملاحظات التالية في أول انتخابات تعددية ديمقراطية عاشتها تونس و لعل أهمها: كل انتخابات العالم المتقدم تقع فيها تجاوزات و صراعات غير ديمقراطية و ليس أدلّ من ذلك أن الرئيس جورج بوش حكم أكبر دولة في العالم بقرار قضائي كما أن رئيس الوزراء الايطالي نعت الحزب اليساري بأسوئ النعوت في الانتخابات الأخيرة، و في الدول المتقدمة نادرا ما تتجاوز نسبة المشاركة الستون بالمائة من الذين يحق لهم الانتخاب ,بل ان بلدا مثل ايطاليا يحكمه حزب أخذ نسبة 17 بالمائة من جملة 50 في المائة من المشاركين في الانتخابات و لم يشك أحدا لا في نزاهتها و لا في شرعيتها لكن في تونسنا كل ذلك وقع. عاش الشعب التونسي على استقطاب ثنائي بين ما يدّعون الحداثة بكل أشكالها و الدفاع على مكاسب الجمهورية بداية من مكاسب المرأة، فالحقوق الفردية و الجماعية وصولا الى نمط العيش و بين ما يدّعون أن الصراع الحقيقي هو صراع برامج في جميع المجالات التنموية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و كانت كلمة الشعب لهذا الأخير. كل استطلاعات الرأي التي أجريت، بقطع النظر عن جديتها، كانت تعطي المراتب الخمسة الأولى الى الأحزاب التي فازت بأكبر مقاعد المجلس بتفاوت جزئي عدا العريضة الشعبية. جل النخب السياسيّة أقرت بالمفاجأة التي أحدثتها العريضة الشعبية للعدالة و التنمية و لكن المواطن التونسي العادي لم تفاجئه بحكم معرفته بالواقع اليومي و معايشته للحملة الانتخابية لهذه العريضة و التي ركزت على وعود آنية تمس المواطن مباشرة. يدعي البعض أن المفاجأة جائت من الحزب الديمقراطي التقدمي بحصوله على نسبة ضعيفة و لكن الحقيقة أن نتيجة هذا الحزب لم تفاجئ الشعب التونسي، فهذا الحزب جنى ما زرعته قيادته السياسية في الانتخابات والتي قامت على تحدي أعضائه أولا بترشيح أناس غير مرضي عنهم لدى المنتسبين للحزب ثم بدعوته أن الاستقالات التي طالت بعض مناضليه هي ردات فعل طبيعية على توسع الحزب في حين أنها كانت احتجاجات مبررة, و مما زاد طينته بلة أنه واصل الاشهار السياسي متحديا بذلك السلطات التي نظمت الانتخابات و قاد حملة انتخابية هجومية على مشروع حزب النهضة، و ما لم تتدارك قيادته هاته الأخطاء فان مصيره النسيان. قول حمّة الهمامي أن النتيجة التي تحصل عليها كانت مفاجئة له و لحزبه و هنا يمكن أن نسأله هل كان يعتقد أن الشعب التونسي يمكنه أن يعطي أصواته لحزب شيوعي، ليس بالمفهوم العقائدي و انما بالمفهوم الثقافي الاجتماعي، أكثر من واحد بالمائة بالرغم من محاولة تصدير خطاب الحزب الشيوعي على أنه ليس حزبا الحاديا؟ ثم هل كنا نعتقد أن يقتنع الشعب التونسي بتحرر البروليتاريا... حاول البعض تبرير هزيمته في الانتخابات بالتشكيك في نزاهة الانتخابات و شفافيتها بالرغم من أنهم اعترفوا أن هذه الخروقات لا تؤثر في نتائج الانتخابات و لئن تقبلنا ذلك من الشاب جوهر بن مبارك صاحب شبكة دستورنا الا أنه لا يمكن أن نقبله من السيد حمّة الهمامي صاحب النضال الكبير خاصة اذا تكرر منه في كل مناسبة، فهذه أول تجربة سواء للشعب أو سواء للأحزاب المشاركة أو حتى للجنة المنظمة. أحيي باكبار المؤتمر من أجل الجمهورية و رئيسه الدكتور منصف المرزوقي الذي قاد حملته بكل شفافية رافضا المال السياسي و اشهاره بل قد فضح من استعمل ذلك دون الخوف من خسارة شعبيته بل ان تلك الصراحة زادته حبا لدى الشعب التونسي و احتراما و ما النتائج التي تحصل عليها الا خير دليل، و أما قد انتقل من المعارضة الجادة الى سدة الحكم فانه يتحتّم عليه أن يغير في خطابه المثالي الى الواقعي دون التراجع على المبادئ الكبرى فمسؤوليته في المعارضة ليست هي في ادارة دفة البلاد. و أخيرا و ليس آخرا لمن حرمونا لذة الفرح و الاستمتاع بهذه الانتخابات تارة بالشك في نزاهتها و طورا بالتقليل في نسبة المشاركة حتى ليخيّل اليك أنها لم تقم انتخابات أصلا ,و طورا آخر باتهام الفائز باستعماله الخطاب الديني أو استعمال المساجد للحملة الانتخابية بدون تقديم أي دليل على ادعائهم في زمن تتناقل فيه الصوت و الصورة بدون أدنى حاجز. و نحن ندعو بدورنا حركة النهضة الى التحقيق في هذه المزاعم و التبرئ منها على الرغم من تصريح قياداتها المستمرة على أنها لم تقم بذلك و لم توصي به و أنها كانت حريصة على تفادي ذلك لاعتقادها أن كل العيون كانت عليها، و شهادة لله أني عشت خمسة أيام بمدينة بنزرت خلال الانتخابات و صليت بمساجدها ولم أسمع اماما أو غيره يدعو لانتخاب حزب بعينه دون آخر عدى حوارات جانبية بين أصدقاء و هذا أمر طبيعي الا اذا فرضنا على المترشحين و أنصارهم هجرة المساجد مستقبلا... هذه قراءتي لأول انتخابات حقيقية تقام على أرض تونسنا و الأكيد أن الانتخابات المقبلة ستكون أنجح و أقل نقائص باذن الله. -نشر على الوسط التونسية بتاريخ 2 نوفمبر 2011