عندما اختار حمدى قنديل عبارة "قلم رصاص" لكى تكون اسما لبرنامجه المميز الذى يقدمه على قناة دبى الفضائية لم يكن يعنى ذلك القلم الذى يمكن أن تمحو كتابته بسهولة وما أكثر هذه الأقلام.. وإنما كان فى الحقيقة يضع الاسم بالضبط على المسمى الذى أراده لهذا البرنامج فكان لكلماته تأثير الطلقات النارية.. التى ترغم المشاهد على أن يتوحد معه فى الدفاع عن الحق والعدل ورفع الظلم.. ومن قبله عندما كان يقدم برنامج رئيس التحرير فى التليفزيون المصري. هذان البرنامجان يظلان متفردين على الساحة الإعلامية وهذا يرجع لشخص حمدى قنديل ذلك النموذج الأمثل للإعلامى المثقف المهتم بقراءة ما يحدث حوله من قضايا وعرضها على الملأ أمام الناس. التقيناه خلال إجازة قصيرة له بالقاهرة.. ومعه دار هذا الحوار: * هل أثرت برودة الغربة ومرارتها على عزيمة حمدى قنديل؟ - بالطبع لم تؤثر الغربة فى شخصي.. بل إن هذه الغربة منحتنى جوا من الحرية.. أستطيع أن أبدع فيه، ربما أشعر فى بعض الأحيان بأننى بعيد، وأن سعادتى كانت ستكون أكبر إذا كان تواجدى فى تليفزيون بلدى ولكن هذا الإحساس سرعان ما يتلاشى عندما أنظر بمفهوم أوسع لظروف هذه الأمة كمواطن عربي.. وإننا نعيش فى فترة من أحلك فترات هذه الأمة.. وفى النهاية فأنا سعيد بوجودى على شاشة دبي، لأننى هنا أعمل فى حرية تامة وهذا يسعد أى إعلامى خاصة بعد كل القيود التى حاصرتنى فى حياتى الإعلامية. * لن أحسدك على هذا التفاؤل برفع راية العروبة والدعوة للمقاومة فمن أين لك هذا؟ - أجيبك .. إن كل هذا استمددته من التاريخ، فوقائع التاريخ تشير إلى أن الاحتلال لا محالة زائل مهما طال وإن المقاومة كانت ولا تزال السبيل الوحيد للتحرر والاستقلال. ورغم ذلك السواد الحالك فإنى أرى طاقة من نور تمنحنى هذا التفاؤل، فما زالت هناك قنوات إعلامية مخلصة برغم خضوعها للدولة كقناة دبى التى منحتنى الحرية التى حرمت منها فى بلدي. * فى رأيك لماذا حرمت الحرية فى بلدك وتمت محاصرتك على مدى السنوات؟ - لم أكن الوحيد المحاصر. الجميع محاصرون. هذا الحصار لازمنى منذ أن كنت طالبا فى المرحلة الثانوية عندما كتبت مقالا فى جريدة محلية فى طنطا عن إصلاح يخت الملك فاروق "المحروسة" بمبلغ مليون جنيه. وقد كانت هذه نهايتى بالجريدة. وعندما كنت طالبا بكلية الطب أصدرنا جريدة صادرها العميد وظلت رحلة المصادرة حتى برنامج رئيس التحرير، والذى تمت محاصرته لأنه كان يكشف الفساد والمفسدين ولأنه لم يكن على هوى المسؤولين، ثم طاردونى فى قناة دريم إلى أن توقف هذا البرنامج وإلى الأبد. * راهنت كثيرا فى برنامجك على الشارع المصرى والعربى فى مقاومة الظلم الأمريكى فهل تشعر أن الشارع العربى خذلك؟ - خذلتنى الحكومات العربية التى تحولت إلى أذناب تدور فى فلك أمريكا، وأشعر بالمرارة عندما أتذكر أن الشارع العربى هو الذى قاوم الامبراطورية البريطانية بصدوره العارية عام 1919، وأن هذا الشارع هو الذى أسقط النظام العسكرى فى السودان، ولكن يبدو أنه قد فقد هذا الثقل فى الظروف الراهنة ولأسباب عديدة منها قسوة النظم الحاكمة، وفقدان الأمل فى تغيير حالة الاحباط العامة التى جعلت الناس تستكين. ورغم كل ذلك فما زال عندى أمل فى الاصلاح والتغيير، والشارع العربى بات تمثله المقاومة الفلسطينية التى تمنحنى إحساسا طاغيا بالتفاؤل وهناك أيضا المقاومة الباسلة فى العراق، وأيضاً لا يمكننا أن ننسى المقاومة التى حصلت للعدوان الإسرائيلى خلال حربه على لبنان. * إلى أى حد تعتقد أن الفضائيات العربية يمكن أن تلعب دورا فى المقاومة؟ - الحقيقة أن مجرد التزام الفضائيات العربية بعرض ما يحدث فى فلسطين والعراق والسودان بالذات بحيادية فأنا واثق أنه دور مهم جدا فى كشف جرائم وفظائع العدو التى ترتكب وهى دعوة عظيمة للمقاومة. * وهل هذا التفاؤل ينسحب إلى الاصلاح والديمقراطية فى الدول العربية؟ - لا لست متفائلا فى أن تفعل الفضائيات شيئا لأنه ببساطة لا الحكام العرب يريدون الاصلاح ولا أمريكا أيضا فنحن لا نصدق أن حكام البيت الأبيض يضغطون علينا لنشر الديمقراطية فى المنطقة وأرى أن الديمقراطية لن يفرضها إلا تكاتف المجتمع المدنى ومؤسساته ولنأخذ من تجربة الشعب الأوكرانى الذى استطاع بدون قطرة دماء أو تخريب أن ينتزع حقوقه. * وهل هناك خطوط حمراء فى الفضائيات العربية؟ - بدون تحيز أو مبالغة فإننى أرى أن قناة دبى هى الاستثناء الوحيد لقناة حكومية أدركت أن نجاح الإعلام يكمن فى حريته وأنا منذ التحقت بالعمل معهم أعمل فى حرية كاملة دون مشاكل رقابية أو ضغوط من أى جهة.. ولا أحد يقف فوق رأسى ليرى ماذا أقدم أو يطلب ما سأقدمه بعكس ما كان يحدث فى مصر حيث تجد 17 شخصا يمر عليهم إسكريبت الحلقة بداية من شكلها على الورق حتى خروجها للشاشة. * وهل هناك أمل فى إصلاح الوضع فى مصر؟ - الأمل فى الله كبير.. للأسف لا توجد قناة مستقلة واحدة فى العالم العربى والقنوات الخاصة والحكومية لم يعد بينها فرق، فالقنوات الخاصة محاصرة من الحكومة وتمسك برقاب القائمين عليها بسبب مصالح رأس المال. * ولكن الفضاء أصبح مفتوحا ولم يعد حكرا على أحد؟ - معك حق ولكن الفضاء مفتوح على أى شيء هناك ما يقرب من 250 قناة من بينها 13 قناة إخبارية فقط ثلاثة أو أربعة لها أهميتها ومعظم القنوات تقدم التسطيح الفكرى والابتذال. * فى ظل هذا الوضع كيف تقيم الإعلام المصري؟ - المشهد محزن للغاية والتقارير تشير إلى أن %88 من المصريين لا يثقون فيما يبثه الإعلام، وهم يستقون معلوماتهم من محطات أخرى عربية أو أجنبية.. كما أن الدراما التى يقدمونها وصلت إلى حالة متدنية. * وما هو الحل من وجهة نظرك كإعلامي؟ - بصراحة شديدة التليفزيون ينهار ويحتاج إلى معجزة ولا بد من ترتيب الأوضاع من جديد وعلى أسس مختلفة فى كل شيء.