تلك دلال المغربي ، أميرة ذاكرتنا التي أوصت ذات أمنية ان تدفن في تراب فلسطينها ، فكان لها ما أرادت لولا أن بقي قبرها رقما في مقبرة أرقام لا يعرف اسماء اصحابها سوى قاتليهم ، ولم يشمخ حتى اللحظة بشاهد يرتفع عليه مزهوّا باسم سلطانته الراحلة حاملة تاج كبريائها وصولجان عزتها. الاسم دلال والقلب وردة حمراء من جروح الوطن ، أدماها لونها ، وتصاعد اريجها من قلب شوكها ، فأبكاها الندى ...ولو كانت الاسماء تشابه المسمّى ، لكان اسم دلال المغربي جهاد او عناد او فداء . تلك دلال التي لم تعش الدلال ولا عرفت صروفه ، بل قسوة اللجوء وغربة الحضور ، حين كان الوطن على مرمى نظر ، والطريق اليه في أرض المحال. فما كان منها سوى أن عبّدت طريقه بأيام شبابها ، وعدّلت بوصلة قدرها باتجاهه. تلك دلال التي حملت عمرها ذات آذار فوق قارب في ليل البحر الرهيب ، وألقت بدمها موجة ربيعية على ضفاف (حيفا)، شربها الشاطئ وما ارتوى . تلك دلال المغربي ، أميرة ذاكرتنا التي أوصت ذات أمنية ان تدفن في تراب فلسطينها ، فكان لها ما أرادت لولا أن بقي قبرها رقما في مقبرة أرقام لا يعرف اسماء اصحابها سوى قاتليهم ، ولم يشمخ حتى اللحظة بشاهد يرتفع عليه مزهوّا باسم سلطانته الراحلة حاملة تاج كبريائها وصولجان عزتها. فالاسم دلال والقلب تفاحة من جنان الوطن ، غوت صاحبتها بالخروج من راحة اللامبالات لتلامس معاناة النضال وحريق التضحية . والحياة يوم في عمر الدهور اختارت دلال ان تعيشه بكبرياء وتمضي عكس النسيان. لتبقى اسطورة نسجتها ظفيرة وبندقية . يعود اذار متخنا بالرواية طافحا بعبق زهرته التي كانت دون العشرين عاما حين قادت مجموعتها من ثلاثة عشر فدائي أرست بهم على ضفاف الوطن السليب فرفعوا الاعلام وأقاموا دولتهم لبضع ساعات تأرشفت في سجل النضال الفلسطيني عقودا، وتكرست صفحة خالدة في موسوعة تاريخه الاحمر . لا تزال سيرة دلال المغربي (أكسجينا) يجدد كل عام خلايا ذاكرتنا . ينثر عبيره في فضاء حاضر تُخجله وصية دلال المنسوخة بأناملها وحبر أملها قبل اربعة وثلاثين عاما والتي أوصت فيها بضرورة ( تجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيس وتوجيه البنادق كل البنادق ضد العدو الصهيوني) وصية تربك الحاضر الذي بات غارقا في التناقضات الثانوية والانشقاقات والانقسامات، بينما مستوطنات الاحتلال تلتئم كل يوم وتجتمع بمزيد من الارض الفلسطينية المقتطعة من أصحابها لتصل بعضها ببعض وتطوّق الارض والقدس والحاضر الفلسطيني بمزيد من الاتحاد . فعذرا دلال - ورفاتك في مقبرة الارقام تستصرخ المنقسمين على جرحهم - اذا ما تعذر ختى اللحظة تنفيذ الوصية وتجاوز التناقضات ؟ الوسط التونسية بتاريخ 27 مارس 2012