هي الحياة لها سنن وأقدار وسبل مرسومة لخطانا . وقلب من قسوة الحجر . نعود ونتسائل كيف استطعنا وكيف سيستطيع أبناؤنا ونحن الذين خلنا في لحظة ان فراقهم موتنا ونهايتنا . لنكتشف أنهم وإيّانا "أبناء الحياة وبناتها ". وأنها أمّنا القاسية التي تجرعنا عسلا وعلقما حتى نصبح جديرين ببنوتها. فتبّا لعسلها وعلقمها ، وتبّا لأمومتها . فأين هي منكِ ، وأين قلبها من قلبك ؟ فلتكسر كل جرارها وتعيدني برهة ، ساعة ، لحظة .أغمض فيها عيوني فوق صدرك وأتحسس جنة كفك فوق خدي ونعيم قبلتك فوق جبيني . يبرّحني الشوق وتعبث بي ريح الحنين . فأفتح نافذتي واطلق عنان عيوني للسماء علّ طيفا منكِ يأتيني او دعاء شاردا من شفتيك تلقي به النسائم في باحة فضائي . أحسني أحيانا لا طمع لي في الدنيا سوى ان تضميني الى صدرك وتمارس شفتاك كعادتها قبلتها الدافئة فوق جبيني . تأخذني الدنيا إليها وتواصل الحياة سُنّتها القاضية بالفراق ، و أغرق في مشاغلي اليومية التي لا تنتهي لأجد الحياة في لحظة ما ناقصة دون وضع رأسي فوق صدرك برهة أغمض فيها عيوني كطفلة لم تغادرك يوما ما. كأنك آخرتي التي أرتجي وما عداك من لهو الدنيا وغرورها . كأنك شاطئي الباقي وما عداك بحر يغري بالرحيل . كأنك جنّتي ، وبيني وبينها مطهّر للذنوب . هي لحظة بين حين وحين . تتلبس بي وتمتلكني ولا أجد منها مخرجا . تزداد حدة اذا ما سمعت صوتك او حادثتك على شاشة العنكبوت فبدت صورتك جزءا من الحقيقة تروي قسطا من النظر وتزيد نار الشوق اضطراما . فتراني أود لو أمد ذراعي الى السماء لأعلق بجناح أي طائرة تقلني اليك . تزداد عاطفتي انسيابا كلما تقدم بك العمر وألقت الشيخوخة ثقلها في مفاصلك وزارني هاجس الموت ليهددني بامكانية مصادرتك في أي لحظة وأنا هنا ، قبل ان تضميني مرة اخرى وتمرري شفتيك فوق جبيني . فأي مصاب جلل لا قدرة لي على تحمله لو حصل هذا ؟ وهل يكلّف الله نفسا فوق وسعها ؟؟؟ أمّاه ، هل تقسو الحياة الى هذا الحد ، ام نحن الذين نقسو حين نمكّنها من ان تفرقنا ؟ من قال أنّي ودعتك ذات يوم على جناح طائرة غادرة ، وانني لا أزال أودعك كل عام بعد كل لقاء ؟ ومن قال أنني أدير ظهري بكامل ارادتي وأمضي الى حيث لا تكونين ؟ ومن قال أنك تستسلمين كل مرة لرحيلي وتتنازلين عنّي مقابل دمعتين تسقيان بها تربة المطار الجدباء التي لا تنبت غير الشوك والدموع ؟ من قال أنني أناي ، وأنا التي كنت بعض أناكِ الذي فاض عنك ، ونبت فيك ، وتفرع منك غصنا يستمد من جذورك خضرته وبقاءه . فمن يقطع الغصن يا أمي عن شجرته حين يطول الغصن ، و من يمده بعدك بالحياة ؟ هي الحياة لها سنن وأقدار وسبل مرسومة لخطانا . وقلب من قسوة الحجر . نعود ونتسائل كيف استطعنا وكيف سيستطيع أبناؤنا ونحن الذين خلنا في لحظة ان فراقهم موتنا ونهايتنا . لنكتشف أنهم وإيّانا "أبناء الحياة وبناتها ". وأنها أمّنا القاسية التي تجرعنا عسلا وعلقما حتى نصبح جديرين ببنوتها. فتبّا لعسلها وعلقمها ، وتبّا لأمومتها . فأين هي منكِ ، وأين قلبها من قلبك ؟ فلتكسر كل جرارها وتعيدني برهة ، ساعة ، لحظة .أغمض فيها عيوني فوق صدرك وأتحسس جنة كفك فوق خدي ونعيم قبلتك فوق جبيني . -الوسط التونسية بتاريخ 1 أفريل 2012