ما حدث في سجن بوسليم قضية خرق لحقوق الإنسان لا يختلف عليها إثنان، وهي تقع على كاهل الدولة بدون ادنى شك، وتصرفات الموظف العمومي تقع ضمن دائرة مسؤولية الدولة، لأنه يستمد صلاحياته ويرتكز في تصرفاته على تفويض من الدولة بممارسة وظيفته والدولة ما لم تحاسبه على تصرفاته التي يمارسها خارج إطار وظيفته تكون شريكة له على نفس القدر، وعلى هذا الأساس يضع الحدث الدولة على المحك أن تصحح الوضع، وتحاسب كل موظف عمومي على كل تصرفاته، وتسقط الدولة عندما تعجز عن متابعة موظفيها ومحاسبتهم على تصرفاتهم، ولا يقبل الإعتذار بأن الدولة لا تدري فهذا يعني على الدولة أو الحكومة أن تستقيل عندما تفقد القدرة على متابعة مسالك العاملين في سلكها الإداري التنفيذي أما في حالة معرفة الدولة بتصرفات موظفيها ثم عجزت عن محاسبتهم فهذا يعني افتئات على سيادة الدولة، كنوع من الحرابة أو قطع الطريق، مما يهدد أمن المواطن واستقراره، وسيجد نفسه مضطرا أن يتحرك للدفاع عن نفسه ولا يعتمد على الدولة العاجزة عن حمايته، و هذا سيفقده الثقة في جهازها الإداري والقضائي، ونصل إلى حالة سقوط للدولة بكل مؤسساتها، مما سيفضى إلى حالة من الفوضة كتلك التي تعيشها أرض الرافدين، فالقتل أصبح يهدد الجميع ولم يعد هناك شخص آمن على نفسه وهذا ما يجب على تيار الغد أن يفهمه من معاني حيوية وأهمية الإنحياز لخيار الدولة، والدفاع عنه، وتجاوز الخلط الذي يقع فيه بعض الطيبيين ممن لا يمكنهم فهم الفارق بين سجين الرأى والساجين السياسي، للجهل بما يجرى على الساحة الداخلية على أرض الواقع من جانب، أو عدم فهم الفارق بين الأثنين سياسيا من جانب آخر فسجين الرأى هو كل شخص أو هيئة اعتبارية يملك فكرة سياسية متميزة ويحاول أن يعبر عنها بالوسائل السلمية، وهذا لا يجوز الحجر على حريته بحال في الظروف العادية أما ما يعرف بالسجين السياسي فهو كذلك شخص أو هيئة لها فكرة سياسية أيضا !، ولكنها تعبر عنها بطرق عالية الوتيرة، تفضى إلى القتل أوتدمير المنشأت العامة أوالإضرار بالمال العام أو الخاص، وتعتبر جماعات عنف السياسي في المصطلح السياسي إذا كنا نتكلم في السياسة وليس في - هدرزة عجايز- ومثالا على ذلك السجين السياسي السابق منديلا فلأنه في بداية نضالة كان يعتمد العنف، لما سجن اعتبر سجينا سياسيا ولم يعتبر سجين رأي، ولذلك لم تتطلب أي جهة حقوقية بإطلاق سراحه في حالته تلك، وإن طالبت بمحاكمته محاكمة عادلة طبعا، حتى أحدث مراجعة ونبذ العنف، فحينها اضحى مناضلا سلميا، وفي كل القوانين والشرائع السماوية والوضعية ليس في أيا منها ما يبيح أن يمارس الناس العنف للوصول إلى مبتغاهم، ولم تنجح غالب حركات العنف إلا في حالات معدودة انحصرت في زمانا هذا في الجيوش كمؤسسات تملك السلاح ويمكنها أن تغيير النظم السياسية دون أن يؤدي تصرفها إلى توسع في سفك الدماء والخراب، أو الثورات الشعبية الشاملة إذا كان هناك تنظيمات تقودها وتسيطر عليها وتوجهها الوجهة الصحيحة، وإلا تحولت إلى عنف مجتمعي لا يقف عند حد، ويجر المجتمع بأسره إلى مستنقع العنف والحرب الأهلية والعراق مثال على ما يمكن أن يحدث، أو حروب العصابات ضد الغزاة وهذه حالة لها ظروفها الخاصة بها وملابساتها المختلفة تماما عن حالة مواجهة الإستبداد الداخلي ولانريد أن نعود أيضا إلى- هدرزة العجايز- في التسوية بين طرق وأساليب مواجهة العداون الخارجي وطرق واساليب مواجهة الإستبداد الداخلي، لذلك يكون المحامي ساذج إذا قال أن العمل المسلح للتعبير عن الراى أمر مقبول، يجب أولا أن يدرك أن في هذا خلل كبير، ولكن الذي ينبغي عليه أن يفعله هو المطالبة بحماية الساجين السياسي عندما يتم القبض عليه، لأنه يصير بذلك مجرد من كل سلاح، ويصبح في عهدة الدولة فلا يجوز لها أن تعتدى عليه إلا في حدود ما يقرره القانون الساري، وهنا الدولة أمام مسارين، إما تختار المسار القضائي وهو أن توفر ظروف محاكمة عادلة، لأنها مسؤولة عن حفظ النظام بطبيعة الحال، وإما أن تسلك المسار السياسي وهو أن تتفهم الظروف التي الجأت هذه الفئة أو تلك لسلوك هذا المسلك من حالة غياب الحريات والمنابر الصحيحة للتعبير عن أرائهم، وعجز الأطر السياسية عن استيعاب الحراك السياسي الوطني بكل أطيافه، وهنا تتقدم اولوية الذهاب إلى التسوية السياسية لتجاوز الأزمة، لأن الرأى العام لا يبرر استخدام العنف عن أي طرف صدر، إلا أن الرأى العام يتفهم كيف حدث هذا، كل طرف مسؤول بدون شك عن تصرفاته، ولكن ما هو الحل المطلوب الآن؟ في هذه المدونة لن اجارى حملة توظيف الحدث في الضغط السياسي بدون رؤية واضحة إلى ما سيؤول إليه في نهاية المطاف، إنما يهمني أن اطرح رؤية بين يدي تيار الغد وهو يشق طريقه وسط حقل من الألغام، مما يوجب حذرا وحيطه في اتباع أي دعوة في أي اتجاه، ومن هنا سيجد هذا التيار أن العبء ثقيل فهو يتحرك حاملا أمانة الدفاع عن خيار الدولة وسط أطراف تطلق النار عشوئيا من الكوات، وهي بعيدة ربما عن تقديم الثمن من مصالحها وأرواحها وراحة أبنائها واستقرار أسرها، وسيجد تيار الغد على الأرض نفسه هو من سيقدم ثمن الثبات على خيار الإصلاح، الذي يفرضه الواقع كمطلب لا مساومة عليه بحال من الأحوال، مهما حاول المغامرون الجدد أن يوهموا أنفسهم بأنه لم يعد هناك من مجال للحديث عن الإصلاح، وسط زخم الحدث!، ربما البعض يمكنه أن يتحدث بحماسة منقطعة النظير في تحريض شبابنا للخروج للشوارع!!، ولكن لن ينقطع عجبي من أمثال هؤلاء وهم أمنون في بيوتهم ومطمئنون على أبنائهم!!، ثم بكل سهولة يطلبوا من أبناء الناس أن يتصدوا بصدورهم للرصاص الحى؟ كيف يستسيغ أمثال هؤلاء أن تسطر أيديهم مثل هذا الكلام بدون شعور باي مسؤولية، أما إذا كانت الوطنية والنضال أن يحرض أبناء الجيران على أن يرموا بانفسهم في المعمعة وأبنائنا وأموالنا ومصالحنا بعيدة كل البعد عن تلك المعمعمة، فيا لها من قضية رخيصة يحسنها كل أحد، أما أن نلزم أنفسنا أن اشارك في دفع قسط من الثمن من دم أبنائنا ودماءنا وأموالنا ومصالحنا فهذا لن يطيقه إلا تيار الغد من الوطنيين، وهؤلاء لأنهم يدركون كلفة الثمن ويقدرون مسؤولية النتائج فسلوكهم السياسي يخرج متوازنا بين موقفين الأول داعم ومؤيد لكل خطوة فيها مصلحة للوطن والمواطن أو تخفيف من معانته اليومية، وهنا يجب ان نلاحظ كل تغيير سياسي قد يحصل ولا نقلل من اهميته، والثاني معترض ومستدرك بمسؤولية كاملة على كل مسلك أو تصرف يعتدى على مصلحة المواطن، فلا نقر أي اعتداء على أرواح المواطنين هكذا أساس النضال السياسي الوطني في هذه المدونة، وهذا ما حاول الأخ سليمان دوغة بتألق أن يفعله في مشاركته في حوار قناة الحوار، مما صعب على الكثيرين ممن شاهدوا الحلقة أن يفهموه من فحوى كلامه، واعياهم أن يدركوا إلى أي شيء كان يرمي سليمان، وإلى أي شيء كان يشير!، فهو وصف الحدث بأنه نشاز وانذار خطير قد يهدد مبادرات الإصلاح، ولعل الأخ إدريس المسماري كان ينبض بنفس النبض، ويقدر أن الإصلاح والتغيير لا يتأتي بضربة ملعم أو بجرة قلم أو بخبطة لازب، أو بحلم حالم مهما كان هذا الحلم نبيل، فهو على الرغم من توصيفه الصحيح لأزمة الحريات الصحفية، إلا أنه ثمن المبادرات الصحيحة في نفس الوقت الذي حذر من تاخر تجسيدها على أرض الواقع القضية عادلة ولكن المحامي حاله كحال ذاك الدب بخله المحب تعقبنا عليكم العافية... السلام عليكم