تتعرض الحكومة التونسية منذ أسابيع إلى حملة انتقادات واسعة على خلفية قرارها القاضي بفرض لباس معين على النساء و إجبار المتحجبات منهن على الانصياع لأوامر الإدارة ، ثم جاء قطع النظام التونسي لعلاقاته مع قطر ليصب الزيت على النار و يكشف عن مدى تشنجه عندما يتعلق الأمر بتعرضه لانتقاد ، و وصول الرأي المخالف له إلى الشعب عن طريق وسيلة إعلامية واسعة الانتشار. و قد يذهب الظن بالجماعة المتنفذة في السلطة أنها يمكن أن تصرف الاهتمام عما تفعله بشريحة من النساء التونسيات عبر النفخ في الاحتفالات التي تشجع عليها بمناسبة ترشح الفريق التونسي لكرة اليد للدور النهائي من كأس العالم بيد أن الحقيقة هي أن المجتمع سوف لن ينسى ما يفعله به جناح التطرف العلماني الذي يريد أن يعود به إلى أجواء بداية التسعينات من القرن الماضي أيام الاستقطاب الثنائي بين الحزب الحاكم و حركة النهضة وذلك بدون مبررات معقولة و كأن النار التي أشعلها هذا التيار في تلك الأشهر وحرص على بقائها مشتعلة-يبدو وكأنه قد أقام عليها " شرعيته"- تتجه نحو الضمور و لا بد له من إعادة نفخ الكير عليها بما لديه من قوة لتجديد شرعيته المهددة و لحاجة أخرى في نفس يعقوب بدأ الستار يكشف عنها ... تؤكد الأقلام القريبة من السلطة دائما أن البلاد التونسية قد تغيرت ، ونحن لا يسعنا إلا أن نصدق هؤلاء في زعمهم و نطالبهم فقط بأن يبرهنوا لنا على أن السياسة في تونس قد تغيرت ، على أن الشعارات قد تحولت إلى واقع بعد أن " تحقق الانتصار على الخطر الأصولي ، على أن المواطن التونسي يستطيع اليوم أن يعبر عن رأيه بحرية إذا كان هذا الرأي ليس في الاتجاه الذي يرضى عنه الحاكم ، على أن المواطن التونسي يمكنه أن يختار اللباس الذي سيستر به بدنه . هم بالطبع سيقولون كلاما كثيرا عن كونهم يخوضون اليوم معركة الحداثة قبل أن يستفحل الخطر " الماضوي؟ الزاحف من الشرق ، وأنهم في الحقيقة يدافعون عن المرأة التونسية التي لا تدرك اليوم مصلحتها تماما مثل ما يفعل الوالد مع ابنته التي لم تبلغ سن الرشد حتى يصل بها إلى بر السلامة . الولد يريد حماية ابنته من خطر الشارع و الحكومة تريد أن تحمي نساء تونس المتحجبات من خطر التيار الذي هزمته في السابق كما تقول وهي اليوم تستنفر كل أجهزتها من أجل مواجهة "خياله" الذي يقض مضجعها تماما كما تقض الجريمة مضجع فاعلها ؟؟؟... 1 البداية كانت واعدة بدأت السنة الأولى للتحول واعدة على مختلف المستويات : هناك دماء جديدة وقع ضخها في دواليب الدولة بعد أن التحق بالتجمع جموع كثيفة من الكفاءات المثقفة و العناصر المؤهلة التي طالما حرمت من حظها في اعتلاء المناصب التي تستحقها . هناك التعبير عن العزم على تحقيق المصالحة الوطنية على قاعدة أن تونس العربية الإسلامية المنفتحة على العالم ستكون لكل أبنائها . هناك جملة من الإصلاحات في مجال حقوق الإنسان و الصحافة قيل أنها ستكون القطر الذي سينهمر بعده المطر الغزير لينعش أرض تونس حريات عامة و ديمقراطية رائدة تعيد للبلاد إشعاعها على محيطها العربي الإسلامي و ترتقي بها إلى مصاف بلدان الضفة الشمالية للمتوسط. هناك وعود واضحة و إجراءات وقع اتخاذها في المجال الديني سمحت بإعادة نشاط الجامعة الزيتونية ، و أعادت الاعتبار لشعائر الإسلام ووعدت بالمزيد منها كما قال مفتى الجمهورية حتى تقوم الدولة بواجبها كاملا في احترام بيوت العبادة و الوصول بها إلى المكانة التي تستحقها نظافة و تجهيزا و تكوينا و إشعاعا . هناك انفتاح البلاد على المستوى المغاربي أتاح لتونس أن تلعب دورا فاعلا في تأسيس الاتحاد المغاربي . هناك مساندة واضحة للقضايا العادلة وصل صداها إلى جنوب إفريقيا مما جعل سمعة البلاد ترتقي إلى المستوى الذي يعترف به نيلسون مانديلا أحد رموز كفاح الأوطان ضد الاستعمار و الميز العنصري و من أجل الحرية و العدالة و المساواة . هناك في الأخير انتخابات تشريعية سنة 1989 م عرفت فيها البلاد تنافسا حقيقيا لم تعرفه من قبل و من بعد .ورغم ما صاحب التجربة من تجاوزات و تزييف لإرادة الناخب قيل أنها بداية مقبولة ... ثم وقعت الانتكاسة بعنوان أسبقية التنمية الاقتصادية و الاجتماعية على الديمقراطية ، ومواجهة الخطر الأصولي الذي يهدد التوازن السياسي القائم ويفتح البلد على المجهول و المثال الجزائري خير دليل .و شيئا فشيئا عاد الانفتاح انغلاقا و أصبحت المصالحة إقصاء واستئصالا و ضاق هامش الحرية حتى لم يعد يتسع لحلفاء الأمس و استُبدل عن كل الوعود المبرمة بشعار " استهلك و اصمت "على حد تعبير صاحب كتاب " صديقنا بن علي " 2 المكاسب ستبقى معرضة للانهيار شهدت البلاد التونسية منذ بداية التسعينات من القرن الماضي حملات همجية هي الأكبر في تاريخ البلاد المعاصر و مع ذلك فقد نجحت السلطة في إقناع التونسيين بمختلف انتماءاتهم بضرورة أن يعتبروا الأمر بمثابة فاتورة الاستقرار التي يجب دفعها لتحقيق التنمية و هكذا تُرك آلاف المساجين السياسيين لمصيرهم، ومثلهم من المحاصرين و المهجرين و انخرط المواطنون في مجهود الدولة لتحقيق ما تسميه بالرخاء و التقدم ... واستفادت تونس في هذه المرحلة من عاملين مساعدين: الأول داخلي و يتمثل في بلوغ التعليم التونسي مرحلة النضج بعد أن تخرج الآلاف من الكفاءات المهمة القادرة على استيعاب التقنيات الحديثة و المنفتحة على تجارب الآخرين ، وتشكلت من هؤلاء لجان التفكير على مستوى الوزارات و المجالس العليا التي غطت مختلف الاختصاصات ، فتوفرت لأصحاب القرار هياكل متينة تعمل بكفاءة من أجل تنزيل المشاريع إلى واقع معاش مما حسن مردود و إنتاجية المؤسسات و سمح بتطور الصناعات المعملية التونسية أو تلك المرتبطة بعقود إنتاج مع الشركات الأجنبية و جعل الزراعة تحقق معدلات نمو هامة فتوفر محاصيل معتبرة و تتوسع على مستوى المساحات المستغلة و تتنوع المحاصيل بحيث تغير المشهد الزراعي لكثير من المناطق إلى الأحسن ، وشمل هذا النسق من النمو بقية القطاعات الاقتصادية . الثاني خارجي و يتمثل في الأوضاع المأساوية التي كانت تعيشها الجزائر و نتائج الحصار المضروب على ليبيا و الذين سمحا لتونس أن تقوم بدور الوسيط التجاري للبلدين و تسوّق نفسها عالميا على أنها واحة استقرار في منطقة مضطربة مما شجع الاستثمارات الدولية التي عبرت عن نفسها في شكل مرافق فندقية امتدت خاصة على سواحل البلاد فازدهرت السياحة و لعل الرقم الذي يتجاوز ستة ملايين سائح سنويا يبرهن على هذا الازدهار . و توفر للدولة سيولة مالية معتبرة بفضل الإصلاحات الجبائية و التفريط في مؤسسات القطاع العام للخواص ، ومداخيل الصناديق الاجتماعية مثل صندوق " 26 26" مما جعلها تحقق إنجازات في البنى التحتية غيرت من المشهدين الحظري و الريفي . و تشير الأرقام و النسب التي يصدرها البنك المركزي التونسي و البنك الدولي إلى معدلات نمو سنوية تتراوح بين الأربعة و الستة بالمائة كما تشير الإحصاءات في مجال السكان إلى توازن عمراني يقلل من عبء الفئات غير المنتجة على المجتمع و يسمح بتحسن دخل العائلات بتزايد الأعضاء العاملين فيها رجالا و نساء و انعكس كل ذلك على حجم الاستهلاك العائلي في التجهيز و المأكل و الملبس بما لا تخطئه العيون المنصفة و جاءت التسهيلات التي تقدمها البنوك للمواطنين لتشجيعهم على إقامة المشاريع العمرانية و التوسع في الاستهلاك لتزيد المشهد حسنا و دلالا ، وإذا قورنت هذه الأرقام بما يشهده الاقتصاد العالمي و خاصة منه اقتصاديات البلدان الأوروبية الشريك التجاري الرئيسي للبلاد فإنه لا بد من الاعتراف بأن الدولة التونسية قد نجحت في تحقيق ما يعسر تحقيقه على الكثير من الدول المشابهة ... و رغم الشكوك التي يمكن أن تحوم حول هذه الأرقام فإنها حسب رأي الخبراء الاقتصاديين لا بد أن تكون قريبة من الواقع لأنه بخلاف ذلك سيصبح من المستحيل أن تعمل دواليب الدولة بهذا المستوى من النجاعة طيلة السنوات العشرين الماضية و قد رأينا بلدانا نفطية مجاورة تعجز عن خلاص موظفيها في المواعيد المحددة . و بالتالي فلا مندوحة للدارسين في أوساط المعارضة من اعتماد تلك الأرقام سواء لنقد الأوضاع القائمة أو لبلورة المشاريع البديلة و استشراف مستقبل البلاد بنجاحاته المنتظرة أو بأزماته المتوقعة ،وكل حديث مخالف يتذرع بفقدان الإحصائيات الصحيحة هو هروب من الميدان سيترك الساحة فارغة ليلعب فيها الحزب الحاكم كما يشاء و ينجح في إقناع شركائه الدوليين أنه قدر البلاد حاضرا ومستقبلا ، و أن المعارضة التونسية لا تحسن إلا الاحتجاج و إرضاء الغوغاء أما البرامج الاقتصادية و المشاريع التنموية فهي بعيدة عنها . ولعل هذا ما يفسر اعتراف هؤلاء الشركاء ، عند دعوتهم إلى القيام بإصلاحات سياسية ، بتلك الإنجازات في الميادين الاقتصادية و الاجتماعية و التربوية . بيد أن هذه المكاسب ستبقى معرضة للانهيار ليس كما يقول دهاقنة السلطة بسبب الخطر الأصولي الذي يزحف من الشرق و الغرب في شكل خطاب إعلامي كاسح عبر الفضائيات وبالتالي فالمطلوب هو التقوقع على النفس و الاحتماء بالخصوصية الحضارية ومفاهيم الأمة التونسية ولكن لأن الطبيعة لا تقبل الغش و أن ما بني على باطل سيبقى مهددا بظهور الحق و تجلي وجهه الناصع .،ونعني بالباطل ما بني على دعوات الإقصاء والاستئصال و محاولة عزل المجتمع التونسي عن أمته العربية الإسلامية بدعوى أنه تشرب أصول الحداثة و لم يعد يرضى ببديل عنها مهما علت الأصوات ومهما كثرت الشعارات المغايرة ... 2 و شهد شاهد من أهلها ... وسنترك الكاتب و الإعلامي برهان بسيس المقرب من السلطة التونسية يتحدث في مقال له نشر في الصباح بتاريخ 19 أكتوبر 2006م عن فشل سياسة الدولة في بلوغ أهدافها رغم أنه يؤكد بالمناسبة أنه يتفهم الأسباب التي تقف وراء هذا الفشل و كان بودنا أن تكون له الشجاعة الكافية حتى يصل بالأسباب إلى حقيقتها ، إذ لا يمكن أن نكون حداثيين في ما نكتب كما يريد السيد برهان بسيس دون أن نعترف بأن الحرية كل لا يتجزأ و إن القبول بالتعدي على حرية الآخرين حتى و إن كانوا خصومنا سينتهي بنا إلى مصادرة حريتنا نحن, ذلك أن الاستبداد لا يؤمن بالحواجز الطبيعية منها و المصطنعة . جاء في المقال موضوع حديثنا ما يلي :"أعتقد أن النظام التعليمي لم يوفق رغم سلسلة الإصلاحات المتوالية في الإجابة عن سؤال الهوية من مدخل اللسان على الأقل . ففي اللحظة التي راهنا فيها من أجل نحت شخصية جيل متمكن من لغته منفتح على لغات العالم كالفرنسية و الأنغليزية نعاين للأسف نتائج مثيرة تؤكد أن هذا الجيل فشل وهو يطمح للإلمام المتعدد باللغات في أن يتقن لا اللسان العربي و اللسان الفرنسي و اللسان الأنقليزي ، فانسحاب مصادر الإعلام المتعددة على الأقل الفرنسية منها من دائرة الأثير على صياغة الرأي العام الوطني ملأه الزخم الجديد للقنوات العربية وما يحمله خطابها من مجمله رغم تباين مرجعياته السياسية من تأصيل لمفاهيم النكوص و التقوقع على الذات و رفض الحداثة باسم الدفاع عن الأمة و هويتها . لقد أنتجت هذه المرحلة إرباكا حقيقيا لمشروع التنوير و التحديث ترجمته حالة من البطالة الفكرية التي ضمرت فيها النقاشات الكبرى لفائدة انكباب مبرر و مفهوم على هموم التنمية و مراهنة كلية عل الاقتصاد و فاعلية التكنوقراط. تراجع حضور النخبوي ضمرت الحياة الثقافية و نقاشاتها الكبرى لفائدة واقع جديد مركب فتح الأبواب أمام مصدر تأثير واحد حافظ على نسقية اشتغال مرتفعة هو الفضائيات فتحولت قناة مثل الجزيرة إلى مصدر هام و فضاء واسع لنقاش نخبوي معروض جماهيريا على الطريق العام و في مخادعنا الحميمة وهذه الخطورة الكبرى التي لم ننتبه إليها بتطوير إعلامنا الوطني الذي ظل للأسف خارج دائرة الرهانات الرئيسية و من أبرزها سؤال الهوية بالدقة اللازمة للإجابة عن مطلب صورة الإنسان الذي نريد . للأسف لا زال منا من يعتقد في دور ساذج للإعلام مندرج ضمن رؤية ما يريده الجمهور هو رؤية إحتقارية لهذا الجمهور الذي لا يرى فيه البعض غير عقول كسولة تقتصر رغبتها على الإمتاع و المؤانسة دون أن ننتبه إلى قوة" التخيل الجمعي " الذي تختزنها الشخصية الأساسية التونسية حين تقنعك بأنها وفية لإعلامها الوطني في المتابعة و المشاهدة و لكنها تشك بصفة مرتفعة في مصداقيته و لا تثق فيه للأسف من هذا الباب بالأساس باب المدنية و المواطنة و الحقوق و القانون و الإقناع و الجدل و النقاش تكون المفارقة المتوازنة لقضية الحجاب الآن و هنا ، أما التشنج و ما قد يصحبه من تجاوزات حين تقتصر المقاربة عن الأدوار الأمنية والإدارية فإنها لن تخلق سوى ضحايا يتم إهداؤهم لرصيد التيار الأصولي المهزوم فإذا بنا عبر بعض الأخطاء نعيد له الروح وننعشه . " و قد أوردنا هذه الفقرات المطولة من المقالة التي فيها يتناول صاحبه الإخفاقات التي سجلها في المجالات التربوية والثقافية والإعلامية دون أن يصل "للأسف " إلى تحليل الأسباب الجوهرية التي تكمن في غياب حقوق المواطنة بمعناها الشامل و منها الحرية التي ستسمح للآراء مختلفة بالتلاقح و الحوار و الجدل ، و للأسف لم نفهم كيف يتحسر الكاتب عن غياب النقاشات الكبرى وهو في مقاله لم يتخل عن النهج الإقصائي الذي تنتهجه السلطة التي يدافع عنها , كيف يمكن أن نقصي أكفاءنا في الجدل و الحواروهو ما لا تفعله الفضائيات التي يؤكد الكاتب على حجم تأثيرها الهائل ؟؟ كيف ستدور النقاشات الثقافية الكبرى بين التونسيين عندما يغيّب الرأي الآخر و تمنع أدبياته و مواقعه على الأنترنيت و منابره و صحفه و أطروحاته , ... من الساحة التونسية و ؟ كيف ستنجح التلفزة في تنظيم ندوات فكرية دسمة يرد فيها الحداثيون على" التيار الأصولي المهزوم" دون أن يحضر الطرف المستهدف حتى تكون الهزيمة نهائية و يقتنع الناس في بلادنا أن الفكر التي تنشره الفضائيات العربية هو أعجز من أن يصمد أمام تفكير نخبتنا التونسية التي تغرف من أنهار التنوير و الحداثة دون حساب بينما يتقوقع الآخرون على تراثهم القديم و يتمترسون وراء المجلدات الصفراء التي لا تنفع في تفسير حاضر ولا في استشراف مستقبل ؟ . و هل يمكن أن يكون الحوار حوارا عندما يستدعي الإعلامي برهان بسيس مثلا في برنامج البعد الآخر أحد الوجوه البارزة من النخبة التونسية و يكون فيه الحديث بنسبة 50 بالمائة عن فكر الطرف الآخر نقدا و تحليلا دون أن يدري المتابع العربي لماذا لا يستدعى ممثلين عن الجماعات" الماضوية عنوان السطحية والرداءة و عقم الثقافة العربية"للدفاع عن مواقفهم التي توصف باطنا و ظاهرا بالرجعية والتخلف .؟؟ كيف ستكون المدنية دون مدنية و المواطنة دون مواطنة .. و الحقوق دون حقوق ، و القانون دون قانون و الإقناع دون إقناع و الجدل دون جدل و النقاش متوازنا دون توازن ؟؟ أعرف أن السيد برهان بسيس مثل غيره من صناع الرأي الرسمي في تونس حريص على عدم التدحرج إلى منطق حوار التيار الأصولي المهزوم وهو يشدد باستمرار على أن ينفرد الحداثيون بالساحة ويفرضون منطقهم عليها أحب من أحب وكره من كره ، ففي تونس ليس هناك إسلاميون رغم أن الدولة مستنفرة على الدوام للتصدي لهم؟؟ ، وليس في تونس حركة ثقافية دينية يمكن أن نتحاور معها ، وليس في تونس والفضل له و أمثاله أسباب للمعارضة حتى نعارض .. وبالتالي فليس في تونس حاجة للنقاشات الكبرى و لا للحوار و الجدل ، فتونس فخورة بخصوصيتها الحضارية الممتلئة حداثة وتنويرا وترفض أن تتلقى الدروس من أحد وهي بتفوقها البعيد عن محيطها العربي الإسلامي قادرة بفضل" التحالف العلماني المتطرف" أن تكون محط أنظار الجميع الذي سيستلهم منها قيم التنوير ومناهضة" الظلامية " ،و لا أظن أن الفضائيات العربية ومن يسندها في العالم من النخب الجديدة التي تلوث فكرها بما تركه السابقون دون أن تدرك ثقافة البلدان التي تخرجت من جامعاتها و تحمل جنسيتها وهي على ما هي عليه من حداثة و تنوير ، لا أظن هذه و تلك ستقدران على التأثير على المجتمع التونسي إذا استمع أصحاب القرار إلى وصفة الكاتب التي تتلخص في فرض الحوار في اتجاه واحد و إقناع من لا يريد أن يقتنع إن لزم الأمر باستحضاره إلى مراكز الشرطة و إلزامه بالتوقيع على وثيقة بشهد فيها أنها سيصبح من اليوم مواضبا على قراءة ركن البعد الآخر في جريدة الصباح التونسية و الامتناع عن متابعة الفضائيات العربية و أولها الجزيرة لأنها تروج لخطاب دخيل على بلادنا تماما كالحجاب الذي تبين أنه كذلك دخيلا و نحن قوم يضرب بنا المثل في التعلق بتقاليدنا التونسية التي تعود إلى أيام الإغريق و الرومان و الفنيقين ,عفوا يسمح الأحد من الإغريق و الرومان لأنهم حداثيون عقلانيون أما الفينيقيون فهم دخلاء شرقيون من الواجب الحيطة من ثقافتهم الدخيلة ؟؟.؟؟.. و للحديث بقية .فالخطاب الحداثوي الذي يدافع عنه القوم و يريدونه الناطق الوحيد باسم "أصالة تونس" و إضافتها الحضارية المتميزة عربيا و إسلاميا يقبل بالتناقض على كل المستويات و بالتالي يبدو أنه من العسير التحاور معه لأنه باختصار "عقلانية "بدون عقل و منطق .