في إعلان ترويجي لعيدها العاشر يظهر متناظران على شاشة الجزيرة، يقول أحدهما: كيف تكون الجزيرة مستقلة وقاعدة العديد العسكرية الأميركية تظهر من نافذة الأستديو؟!"، فيما يقول الآخر: "ذلك هو بالضبط ما يؤكد استقلالية الجزيرة"، بعدها يعلن مذيع الجزيرة باعتزاز واضح "عشر سنوات من المهنية العالية، والنجاح، وإثارة الجدل!".. لا شك أن الجزيرة مثيرة للجدل حتى بمعاييرها الخاصة. بعد عشر سنوات من تأسيسها تقف الجزيرة في الصدارة على مسافة كبيرة من أقرب منافسيها كأهم مصدر للأخبار في منطقة الشرق الأوسط، وبرامجها الحوارية المفتوحة التي تتجاوز الحدود القاسية التي تعاني منها المحطات التلفزيونية الحكومية في معظم الدول العربية والإسلامية. كما وفرت الجزيرة مصدرا بديلا للمعلومات والأخبار؛ التي كانت تحتكرها الشبكات الإخبارية الأوروبية والأميركية ويشكل تحديا لها. كان إطلاق الجزيرة نقطة تحول، وتطورا هاما بكل ما تعني الكلمتان في الساحة الإعلامية العربية الراكدة؛ لتكتب نهاية مفاجئة لاحتكار الدولة للأخبار والمعلومات؛ التي كانت تمارسه الحكومات.. تلك المهمة التي استكملها الإنترنت فيما بعد. وعلى الصعيد الدولي، اكتسبت الجزيرة شهرتها عقب أحداث سبتمبر، وبعد أن بثت تسجيلات "ابن لادن" والقاعدة المصورة والمثيرة للجدل، كما غطت حربي أفغانستان والعراق بكثير من المراسلين والصحفيين بموافقة حكومتي "صدام حسين" وطالبان. استحقت الجزيرة عن جدارة كل الثناء الذي يتدفق عليها؛ لكنها أيضا تتعرض للنقد في أوساط الصحفيين والمثقفين في الشرق الأوسط، بل ويبدون قلقهم من دور الجزيرة التي تتحدث بها، والتي كثيرا ما تتجاوز دور الرسول لتصبح الرسالة ذاتها. ويعتقد دكتور "خالد شوكت" وهو صحفي هولندي تونسي الأصل وكاتب إسلامي معتدل أن "الفرصة والإمكانية التي طرحتها الجزيرة في بداياتها الأولى التي بدأت تتبدد الآن بفعل سيطرة الإخوان والنزعات الشعبوية؛ التي تعمد إلى حشد وتهييج الناس واستثارة عواطفهم". وتميل الجزيرة في أغلب القضايا الإقليمية والدولية إلى اتخاذ مواقف سياسية واضحة في تغطياتها؛ لكنها تفعل ذلك من خلال خطاب أيديولوجي شديد العداء للغرب، ومناهض للحداثة؛ وهو ما يؤدي في بعض الأحيان إلى إفساد الأمور بدلا من محاولة إصلاحها، أو إلى الرمي بالمولود مع ماء الغسيل. وإذا كان تبني موقف ضد الأميركان في العراق يحقق رغبات جمهور الجزيرة في الشرق الأوسط ويتفهمونه، فإن الوقوف إلى جانب السنة ضد الشيعة في المواجهات الطائفية التي تندلع بينهما يثير استياء الكثير من العراقيين، ويعرض حياة صحفيي القناة في العراق إلى الخطر. ويشير "هوج مايلز" صحفي بريطاني ألف كتابين عن الجزيرة إلى أن كل دول المنطقة تقريبا كان لها "غسيلها القذر" الذي عرضته الجزيرة؛ فقد سحبت أربع دول عربية سفراءها من قطر؛ احتجاجا على تغطيات القناة الإخبارية، كما تعرض صحفيو القناة للاعتقال والتضييق الأمني في أكثر من عشرة بلاد شرق أوسطية؛ إلا أن أمير قطر واصل بثبات مساندته للجزيرة. واحتفالا بالذكرى العاشرة لبدايتها، بثت الجزيرة أمس حفلا موسيقيا من دار الأوبرا بالعاصمة الإيطالية روما باسم "الشرق" ألفه الموسيقي اللبناني اليساري الشهير "مارسيل خليفة". وتفتتح القناة أيضا متحفا يعرض بقايا مكتبيها في كابول وبغداد؛ اللذين استهدفهما الأميركان، وخوذة الصحفي الذي قتل ببغداد. وبعد عامين من الاستعدادات، يُتوقع أن تطلق الجزيرة في غضون أسبوعين قناة باللغة الإنجليزية، فضلا عن صحيفة "الجزيرة الدولية"؛ التي ستظهر بالدوحة في يناير المقبل.