''أنت أحييت الاموات، لقد بقيت أنتظر أكثر من أربعين سنة مجيئك الي وكان يعز علي موتي دون أن أكشف عما في صدري للأجيال'' هي كلمات اختصرت موقف تلك النخبة وأشّرت لعلاقة بين باحث مؤرخ لم يعايش تلك الاحداث يحاول معرفة ما جرى آنذاك وبين شاهد وفاعل وجد نفسه في حميم تلك الاحداث...فكانت انطباعات الأستاذ خالد عبيد عن هذه الفترة العصيبة من تاريخنا وما شابها التي تتبع آثارها السياسية وحتى النفسية من خلال واحد من النخبة السياسية المناضلة يقول...×أعتقد أنه يجب النظر الى مسائل حساسة من تاريخنا الوطني والبلاد التونسية تحتفل بالذكرى الخمسين للاستقلال في اطار عام يعتمد رؤى متباينة تنظر الى ما جرى أنذاك وفق مرتكزات محددة لان الذاكرة في الواقع هي ذاكرات فهناك ذاكرة تعكمل على نسيان ما حدث وطمسه وتدفع جاهدة حتى لا يطرح أو يثار وقد تنجح في ذلك ولكن الى حين، وهناك ذاكرة تتوق جاهدة الى اثارة ما حدث وتنتظر يوم المطارحة الموعود بكل ما لديها من أمل قد يكون وهميا لكن الى حين، وهناك ذاكرة ترغب في كشف حقيقة ما حدث وتبيان دوافع ما جرى حتى تدرك ما خفي عنها آنذاك. وفي المقابل، يعتبر الجيل الحالي الذي لم يشهد-مآسي-(التكبين ) الوطني والتي لم تندمل آثارها بعد في الذاكرة الوطنية، أن من واجبه معرفة ما حدث حقيقة حتى لا تتكرر مثل هذه المآسي الدموية في بلادنا- كمأساة اليوسفيين- والعمل على المصالحة التاريخية من خلال اعادة الاعتبار لمن كان ذنبهم الوحيد آنذاك هو مخالفة رؤية الزعيم الحبيب بورقيبة حول التعاطي مع مسألة تحرير تونس خاصة وأن الظرفية مواتية اليوم لتحقيق الموازنة الذاكرية من خلال المصالحة التاريخية. لهذا، يتطلب النظر الى مسألة الزعيم صالح بن يوسف حذرا كبيرا لدى من يهتم بإعادة الاعتبار الى مكانته تاريخيا، لأن هذا الزعيم الوطني عانى كثيرا من التحجير والحجر البورقيبيين طوال ثلاثين سنة تقريبا، وعانت صورته وسيرته أكثر من التشويه والمسخ المتعمدين فوقر كل ذلك في ذاكرة البعض وبات ينظر الى هذا الوقر على أساس أنه الحقيقة الخالصة وما عاداها فهو خاطئ. ومن الأفضل، أن ينكب من له ضلع في التاريخ وتمرس بمهنة المؤرخ واختص لفترة معينة بتاريخ الحركة الوطنية على دراسة السيرة اليوسفية خاصة وأن الوثائق الأرشيفية متوفرة والشهادات الشفوية موجودة-ليس كلها- وصحف تلك الفترة تنتظر من يهتم بها، لكن نعتقد أنه وان وجب الاسراع في الاهتمام باعادة الاعتبار الى زعيم وطني في حجم صالح بن يوسف فان هذا الاسراع لا يعني التسرع والمجازفة خاصة وأن الطرق المؤدية الى دراسته تحتوي تعرجات تشويهية كثيرة بامكان من يتسرع في التدوين أو من ليس لديه المام حقيقي بالموضوع الوطني ككل ويقتصر على السطحي الذي يزينه كي يبرز معمقا أن يساهم من حيث يدري في تشويه سيرة هذا الزعيم الوطني الكبير مرة أخرى، ويعد هذا التشويه أخطر من تشويه الحقبة البورقيبية لأنه×مسلح× برداء العلمية والموضوعية وبالتالي يكون أثره السلبي أكثر وقعا من التشويه السياسي الذي يمكننا فهم دوافعه أما التشويه العلمي فقد لا تتمكن الاجيال الحالية واللاحقة من فك رموزه وبالتالي يدخل هذا التشويه لزعامات وطنية تونسية مرحلة السرمدية..