لم تفلح الإجراءات الأمنية المشددة في منع التفجيرات التي استهدفت منتجع دهب المصري، غير أن هذا العمل الإرهابي يضع النظام الحاكم بمصر في مأزق حقيقي بين تشديد أكبر للإجراءات الأمنية أو تلبية المطالب المتصاعدة بإدخال إصلاحات سياسية، وهو المأزق الذي يهدد النظام، كما خلص تقرير لصحيفة "إندبندنت" البريطانية الثلاثاء 25-4-2006. الصحيفة رأت أن الرئيس المصري حسني مبارك، وإن لم يضيع وقتا في تصنيف التفجيرات على أنها "عمل إرهابي" متعهدا بملاحقة المسئولين إلى أن يتم معاقبتهم طبقا للقانون، فإنه مع وجود "إجراءات أمنية قمعية" أصلا متخذة يكون من الصعب تحديد ما يمكن أن يفعله الرئيس مبارك لمنع اعتداءات إرهابية مستقبلية. وأوضحت أن السياح في مصر يتم اصطحابهم بحراسة مسلحة، كما تحاط مقار إقامتهم بحواجز إسمنتية. واعتبرت "إندبندنت" أن الرئيس "مبارك، الذي كان يحلم بإدارة عملية ديمقراطية في مصر تنتهي إلى تولي ابنه (جمال) الحكم على غرار الحكم الفرعوني القديم، أصبح الآن بين المطلوبة، وسندان الإجراءات القمعية". وأضافت أن "الرئيس (مبارك) الذي اغتيل سلفه أنور السادات (في 6 أكتوبر 1981) على أيدي متطرفين إسلاميين، لم يعد مهددا فقط من جانب الإرهابيين، بل أيضا من جانب أبناء شعبه". ورأت أنه إذا ما اتخذ الرئيس المصري إجراءات قمعية إضافية بحق الشعب، في ظل استمرار العمل المرتقب بقانون الطوارئ، فقد يجد معظم أبناء شعبه ينضمون إلى الحركة المصرية من أجل التغيير "كفاية" المطالبة بإنهاء حكمه. وذهبت الصحيفة البريطانية إلى أن الرئيس مبارك أجرى العام الماضي تعديلات على القوانين للسماح بإجراء انتخابات رئاسة تعددية بعد ضغوط من الولاياتالمتحدة، وهو بذلك أعطى الشعب إحساسا بالحرية لأول مرة منذ ربع قرن، "لكنه إذا ما زاد هذه المساحة من الحرية فقد يجد نظامه يسقط ويقوض". واعتبرت أن المزيد من الإصلاحات ستجعل الرئيس مبارك يواجه "حماس" أخرى (حركة المقاومة الإسلامية الحاكمة في فلسطين) إذا ما سمح بانتخابات حرة، بالضبط كما حدث لحركة فتح التي انتهي بها الحال إلى تسليم السلطة للحركة الإسلامية في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة. وأشارت إلى حصول جماعة الإخوان المسلمين بمصر على خمس (20%) مقاعد البرلمان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. التحذير من الفوضى وقالت "إندبندنت": إن الحكومة المصرية حذرت الإدارة الأمريكية من أن البديل عن الرئيس مبارك سيكون "الفوضى"، غير أنها تساءلت قائلة: "لكن بعد التفجيرات الثلاثة الأخيرة في دهب، هل سيظل الأمريكيون يستمعون إلى تلك التحذيرات؟". ولفتت إلى أن الرئيس مبارك إلى الآن لا يزال مدعوما ماليا من جانب الولاياتالمتحدة التي تمول الحكومة المصرية بما يصل إلى 1.9 مليار دولار سنويا. من جانبها قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية اليوم الثلاثاء: إن هذه هي المرة الثالثة التي تقع فيها تفجيرات عشية يوم وطني. ونقلت عن وزير الداخلية المصري حبيب العادلي قوله: "لا أعتقد أنها مصادفة"، مضيفا أن التفجيرين السابقين في شرم الشيخ (23-7-2005) وطابا (7-10-2004) وقعا أيضا في أوقات احتفالات وطنية، وهذا يضع علامات استفهام حول الأمر. كما نقلت عن عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية قوله: "إن التفجيرات الثلاثة التي تأتي خلال عامين تشير إلى أن مدبريها، وإن كانت خلاياهم غير مرتبطة ببعضها، إلا أن هناك خطا فكريا يجمعهم". "أولويات خاطئة وفشل" وأضاف: "منذ انفجارات طابا بدأنا نرى تجمعات صغيرة من الخلايا التي ليس لديها مشروع شامل، إنها مجرد صرخات اعتراض تهدف إلى الإضرار بالنظام وإيلامه". لكنه (الشوبكي) لفت أيضا إلى أن هذه الهجمات توضح فشل النظام في حماية أمن الدولة؛ حيث كرست الدولة أغلب قواها لمواجهة المعارضة السياسية، "فالهياكل الأمنية مشغولة بمواجهة قوى المعارضة والقضاة والصحفيين، وهي لا تعتبر مواجهة المنظمات الإرهابية هدفها الرئيسي". وربطت كل من "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" بين توقيت التفجيرات وبث الفضائيات تسجيلا لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ندد فيه بما أسماه الحرب الصليبية على الإسلام، داعيا أتباعه إلى صراع شامل مع من أسماهم بالصليبيين. كما لفتت الأخيرة إلى إعلان الحكومة المصرية منذ فترة قريبة عن اعتقال 22 شخصا من جماعة تدعى "الطائفة المنصورة" قالت إنها كانت تعتزم القيام بتفجيرات في عدد من المواقع الإستراتيجية، واستهداف أئمة مسلمين وقساوسة مسيحيين، ومن أسمتهم الشباب الضال في الأماكن السياحية.