الانتخابات الرئاسية والاشتراعية التي دعا اليها الرئيس محمود عباس لن تكون حلاً سريعاً لمعاناة الشعب الفلسطيني. فهي، إن حصلت، لن تكون قبل ثلاثة شهور. وسيمضي وقت آخر ليتمكن الفائز فيها من ترتيب شؤونه قبل التمكن من معالجة الاسباب التي فرضت هذه الانتخابات. وحتى ذلك الوقت يمكن التوقع، استنادا لردود «حماس» على هذه الدعوة، ان توترا واضطرابا قد يسود الوضع في الاراضي الفلسطينية، بما يجعل معاناة ساكنيها اسوأ من كل ما عانوه. لكن المطالعة التي قدمها «ابو مازن» في الاداء السياسي ل «حماس» وحكومتها، منذ الانتخابات التشريعية التي جاءت بها الى السلطة، تظهر ان احتمالات التعايش بينها وبين الرئاسة وما تمثله، سياسيا وتنظيميا، باتت مستحيلة. وتجعل من الصعب الاعتقاد بامكان توافر اساس لمثل هذه الاحتمالات. والأخطر من ذلك هو ان التطورات الميدانية، خلال فترة السعي الى تنظيم هذا التعايش، انفتحت على اسوأ الاحتمالات، اي الحرب الاهلية. وهو خطر تزداد احتمالاته، مع الدعوة الى الانتخابات التي ستحاول «حماس» ان تمنعها بكل السبل. ولعل ملامح هذا المأزق ظهرت منذ ان فازت «حماس» في الانتخابات السابقة، عندما اعتبرت ان هذا الفوز يتيح لها ان تعيد النظر بالمعطيات التأسيسية للوضع الذي حملها الى السيطرة على المجلس التشريعي واستطرادا الى تولي الحكومة. فهي تعاملت مع الآلية الديموقراطية كمجرد وسيلة للوصول الى الحكومة من دون ان تأخذ في الاعتبار ان هذه الآلية لا تستقيم في حال التخلي عن المعطيات التأسيسية. فهي اصطدمت بالواقع الفلسطيني بكل مكوناته، وليس فقط بقضية الاعتراف باسرئيل. لا بل شكلت قضيتا المواجهة مع اسرائيل والحصار، بالنسبة الى «حماس»، آليات جديدة لقلب الواقع الفلسطيني. وليس صدفة ان تترافق اتهامات الخيانة (العمالة لاسرائيل) مع اتهامات المشاركة في الحصار. وهو الامر الذي جرى التعبير عنه ميدانيا بحادث رفح الذي انطوى على عنصري نقل رئيس الحكومة اسماعيل هنية كمية كبيرة من الاموال النقدية و «التآمر» لاغتياله. وربما كان الحادث الذي اشعل مواجهات في قطاع غزة والضفة الغربية، بمثابة تحذير الى «ابو مازن» من دعوته المتوقعة الى الانتخابات المبكرة. ولوضع السلطة في موقع «الانقلابي» على الوضع الذي تسعى «حماس» اليه. لم يوجه «ابو مازن»، في خطابه امس الذي استغرق حوالي تسعين دقيقة، كلمة نابية الى «حماس». لقد اكتفى بوصف ما قامت به، وصولا الى المأزق الحالي. وترك لمستمعيه، خصوصا الفلسطينيين، الاستنتاج ان سلوك الحركة حكمته الرغبة في تعطيل اي اتفاق (ومشاركة) في القرار. كما حكمته نظرية «الحكومة الالهية» غير القابلة لأي نقد. اي ان الحركة استخدمت التفويض الشعبي الارجحي من اجل إلغاء المؤسسات القائمة وضرب صدقيتها، عبر اتهامها بوطنيتها، ومن اجل تحصين نفسها من اي شبهات، عبر خطاب ديني يعتبر نفسه جزءا من المعركة الاقليمية وغير خاضع لأي مساءلة. لقد اعتبر عباس ان «حماس» خرجت عن اسس اللعبة الديموقراطية الفلسطينية، وانها تحاول تغييرها. وأخذ عليها ضمنا انها خلال حملة الانتخابات التشريعية لم توضح هذا الجانب من اهدافها، على عكس «الشفافية» التي قال انه اعتمدها هو في حملته الرئاسية، ويرى نفسه ملزما تنفيذ الاهداف التي اعلنها. ولا يمكن الخروج من مأزق تضارب الشرعية التأسيسية (منظمة التحرير والرئاسة) وبين الشرعية الانتخابية الا بالعودة الى الشعب كمصدر للشرعيتين. لم يوضح «ابو مازن» معنى فوز «حماس» في الانتخابات التشريعية، ولم يتوقف عند رسالة الناخب الفلسطيني، عبر انتخابه هو رئيسا ومنعه في الوقت ذاته من القدرة على تنفيذ برنامجه باختيار «حماس» الى الحكومة. ولم يقل مدى الاصلاح الذي ادخله على حزبه، «فتح»، وانعكاس ذلك على شعبيته واستعداداته لمعركة انتخابية جديدة. ولم يتحدث عن احتمال ان يكرر الناخب الفلسطيني الرسالة ذاتها. يُعتقد بأن «ابو مازن» خاطر بكل هذه الاحتمالات، لأنه يعتبر ان الوضع الراهن هو اسوأ ما يحصل للفلسطينيين، في الوقت الذي باتت القضية الفلسطينية مدخلا لحل مشكلات المنطقة في الحسابات الدولية والاقليمية، من غير ان يتمكن الفلسطينيون من التقاط هذه اللحظة.