الجريمة البشعة التي ارتكبت في منطقة الصدرية في بغداد والتي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة مدني في احد الأسواق المكتظة بالبشر، هي واحدة من حلقات الجنون الذي يمارسه القتلة في العراق دون واعز من ضمير أو خلق ودون أن ترف لهم عين وهم يشاهدون الأبرياء يتساقطون بهذا الشكل الإجرامي ..! ما يحدث في العراق تعجز أدبيات العلم السياسي وتجارب التاريخ أن تجد له تفسيرا. فلو أن القتلة يستهدفون الاحتلال لوجهوا أسلحتهم للمحتلين وليس للمدنيين العراقيين. ولو أن القتلة يقتلون المواطنين السنة لقلنا أنهم من المتطرفين الشيعة، ولو كان العكس لقلنا أنهم من المتطرفين السنة. لكن الضحايا في العراق هم من كل الفئات والطوائف العراقية، والضحايا هم أطفال وربات بيوت وطلاب ومسنين، شيعة وسنة، أكراداً ومسيحيين ..! الإرهاب والعنف في العراق ليس مقاومة للمحتلين، فمن يريد رأس المحتل يتوجه له مباشرة، والإرهاب ليس حرباً طائفية فالضحايا من كل الطوائف، والإرهاب ليس له هدف سياسي سوى تحقيق اكبر قدر من الضحايا الأبرياء ..! لقد أصبحت نشرات الأخبار ثقيلة ومحزنة فالدم العراقي يتدفق دون أن يكون للقتلة قضية، وكأنها حرب أشباح ينتقمون من كل الناس ومن كل الطوائف ومن كل العراقيين ..! وهذا الإرهاب هو بالتأكيد امتداد لعقلية النظام المقبور، فلقد كان ضحاياه من كل الطوائف وكل أطياف الشعب العراقي، وكان النظام السابق ديمقراطيا حتى العظم في توزيع القتل بالتساوي، لا فرق بين البصره وتكريت، ولا بين سني وشيعي، ولا بين عربي وكردي، فالمقابر الجماعية تضم رفاه الجميع، والسجون تضم الجميع. إنها ديمقراطية القتل وعدالة توزيع الموت. والإرهاب الحالي هو امتداد أيضا لعقلية الإرهاب الدولي فالضحايا من كل الأجناس والطبقات والأديان يتساوى ضحايا مركز التجارة العالمي في نيويورك، مع مجمعات سكنية آمنة في الرياض، ويتساوى تفجير السفارات الأجنبية مع نحر رؤوس المسلمين بالسكاكين..! وهي مرة أخرى ديمقراطية القتل، وعدالة توزيع الموت..! لا تفسير للقتل الجماعي في العراق سوى انه نتيجة لتحالف المؤمنين بديمقراطية القتل وعدالة توزيع الموت، ولا يمكن في هذه الحالة تبرئة أنظمة سياسية قائمة تؤمن بنفس النظرية ولا تعتقد أن للإنسان كرامة أو حق حتى في أن يظل حيا. وإذا لم تكن هذه الأنظمة متورطة مباشرة، فإنها على الأقل تقوم بتسهيل مهمة القتلة وغض النظر عنهم، معتقدين أن حفلة الموت العراقية الحالية هي تصفية حساب مع الاميركان على حساب أشلاء وجثث العراقيين..! ما ينساه هؤلاء هو حقيقة أن النار لا تعرف الحدود. وان تربية الثعابين هي رياضة مكلفة حين تعود هذه الثعابين لتقتل أولياء نعمتها ومن ربوها حتى كبرت، ومخطئ من يعتقد أن هذا القتل المجنون يمكن أن يحرر وطنا، أو يحقق هدفا. انه قتل اعمى وحاقد يقوم به المرضى والشواذ.