إن المتتبع اليوم لشيكة الانترنيت يلاحظ أن المواقع المهتمة بقضايا الحريات و الديمقراطية في الأوطان العربية و الإسلامية عموما والبلاد التونسية خصوصا في ازدياد و الحمد لله ، و نحن في الوسط التونسية نحاول أن نكون إضافة نوعية تكمل جزء من النقص الذي لا تستطيع المواقع الشقيقة تغطيته ، و لا بد أن قراءنا الأعزاء قد اكتشفوا أنها تحتوي على أركان متنوعة تستجيب لمختلف الأذواق و الاهتمامات ، كما أنها ستحاول أن تكون وفية للمبادئ التي كانت محل اتفاق بين القائمين عليها ، وهم ثلة من الكتاب الذين تجمع بينهم الرغبة الشديدة في المساهمة في النضال الذي يخوضه العرب عموما من اجل الحرية و التنمية و الديمقراطية ، مع التركيز طبعا على الشؤون التونسية . و إن اردنا أن نكشف المزيد عن تطلعاتنا وآمالنا ، نقول إننا نؤمن بأن رسالة الإعلام المعارض اليوم في تونس أو خارجها لا يجب أن نقتصر على تتبع الأخطاء و تسجيل مظاهر الاختناق والاحتقان و الانسداد .و بكلمات أخرى لا يجب أن تقتصر على الدعاية السلبية للحكام بل عليها أن تتجاوز ذلك للحديث عن المنجزات التي تتحقق كل يوم في بلداننا بما تبذله الأغلبية الصامتة من جهود البناء و التنمية و ما ينتجه المثقفون و المبدعون في كل مجال , فهذه أيضا تستحق اهتمامنا حتى يتحقق الالتحام باهلنا لأنه بدون هذاالالتحام لن تتحقق الأهداف ، فالمعارضة في نظرنا عليها أن تناضل على مختلف الجبهات ولكن لا يجوز لها أن تسقط في الخطاب العدمي لأنها بذلك تفقد الصلة بأفراد شعبها و منهم الذين لم يشعروا بعد بأهمية المشاركة المباشرة في التضال لسبب من الأسباب و لكنهم يقومون بأعمالهم من أجل المساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ولا يجوز للمعارضة أبدا أن تتجاهل نتاج جهدهم و ثمرة كد أيمانهم في خضم انشغالها المتواصل بالأوضاع المتردية في مجالي الحريات السياسية و حقوق الإنسان . إن خطابا عدميا يتردد منذ عشرات السنين في بلادنا العربية تحول منذ النكسة سنة 1967م إلى ما يسميه البعض يممارسة ثقافة الهزيمة التي يعتبر رواجها هدفا استعماريا لا يخفى علينا ، لأن هناك فرقا بين أن ننتقد الأوضاع بنية تشخيص مواطن الأزمات لمعالجتها و بين أن نسقط في ممارسة ثقافة الهزيمة التي من أهم مظاهرها تجاهل المنجزات ورفع سقف المطالب إلى حد غير مقدور عليه ، والدخول في مقارنات لا معنى لها ، غايتها التأكيد على أن الأمة لم تحقق اي مكسب و أنها لا تزال تنتظر وصول المعارضات إلى الحكم حتى تبدأ في الإنجاز الحقيقي,أو أن نبقى نردد نتائج الدراسات التنموية التي تجريها بعض المنظمات الدولية التي لها معايير خاصة في التقويم. فالقول مثلا بتخلف الإعلام العربي هكذا بإطلاق هو ممارسة لثقافة الهزيمة ، لأن الأمة أصبحت تملك من الإعلاميين و المؤسسات الإعلامية ما يجعلها ترتقي إلى المستوى المطلوب حتى و إن بقى الجانب الرسمي منه يسبح ضد التيار و يروج لأطروحات أيام زمان . علينا أن نتوقف عن الاستهانة بإطاراتنا الهندسية و الطبية و الإعلامية . و علينا أن نتوقف عن ترديد المعاني التي تستخف بمبدعينا و مفكرينا ،علينا أن ننتهي من إشاعة العبارات التي تستهين بجامعاتنا العلمية . علينا أن نتوقف عن التحدث عن أمتنا بما يجعلها خارج النسق العالمي في ميادين العلم والمعرفة و الصناعة و الفنون ... لأن هناك و لا ريب خطوات كبيرة قد قطعت في هذه النواحي ، لم تبلغ ما نطمح إليه لا محالة ، و لكنها إنجازات حققها العرب و المسلمون من بني جلدتنا و يحق أن نفخر بها . فبالأمس تمكن العلماء في باكستان من تفجير قنبلتهم النووية و اليوم ينجح الإيرانيون في تطوير قدراتهم التكنولوجية,وقبل ذلك كان هؤلاء و أولئك قد صمموا الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى ، و في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان نلاحظ أن الأمور تتحسن ولو ببطء حتى أصبح من الممكن أن نتحدث عن نصف ديمقراطية في مصر و انتخابات نزيهة في المغرب و فلسطين و ما إلى ذلك و حتى لما نستقرأ الواقع من حيث الاهتمام المتزايد بقضايا الحريات و الديمقراطية و حقوق الإنسان نلاحظ أن جموعا كبيرة تنخرط تباعا في هذا النضال وتقدم التضحيات تلو التضحيات و هذه في رأينا مكاسب ستصنع رجال المستقبل ,بل ان من أجيالنا الجديدة من وصل إلى مرتبة التضحية بالنفس خدمة لقضايا الامة و محاولة لدفع الأوضاع إلى التحرك الإيجابي ، و محافظة على حالة اليقظة العامة. و هؤلاء في حاجة إلى من يشد أزرهم و لو بالكلمة الطيبة بدل قصائد الصياح و النواح التي لا جدوى من ترديدها . و في الميدان الإعلامي لابد أن نشير باعتزاز إلى القنوات الفضائية العربية التي أحدثت نقلة نوعية في الأداء منذ ظهور قناة الجزيرة قبل ما يقرب من عشر سنوات و أن ثورة المعلومات التي نواكبها قد فتحت آفاقا واسعة أمام انسياب الأفكار و المعارف و المعلومات بما لا قبل لجهة من الجهات مهما أوتيت من وسائل الإعاقة والكبت أن تلغي أدوارها ، و أن المواطن العربي اليوم يستفيذ مثل غيره من نتائج هذه الثورة و لا بد أن تتحقق له بذلك جملة من المكاسب على مستوى الوعي بالقضايا المشتركة و سرعة التواصل بين ابناء الأمة الواحدة بشكل لم يكن في أي وقت مضى أحسن مما هو عليه الآن و لابد أن يساعد ذلك على تحقيق بعض الأهداف الوحدوية . و منذ بضعة أيام اتخذت المحكمة الدستورية في الكويت قرارا بإلغاء قانون التجمعات العامة الصادر قبل 27 سنة والذي يمنع التجمعات دون الحصول على إذن مسبق وهذه خطوة أولى تتخذ على الصعيد العربي لا بد أن ننوه بها و نشكر صانعيها و نعتبرها البداية نحو النهوض بملف الحريات في بلادنا العربية ، و لايجب أن تنسينا المآسي في تونس و مصر و سوريا والعراق ما يتحقق في الكويت والمغرب وقطر أو تركيا من مكاسب سيكون لها الأثر المباشر لا محالة على أوضاع بقية الأقطار . و لا يعني ذلك أبدا أن نتحول إلى أبواق دعاية كما هي عليه المؤسسات الإعلامية الرسمية ، ولكن متابعة الإنجازات التي تحققها الامة في ميدان من الميادين لا بد أن يكون محل عنايتنا كما هو شأن إهتمامنا بالمظالم و الخروقات و التهديدات و الجرائم . و نحن مقتنعون بأن التقليل من شأن انجزات غيرنا هو مقدمة لاستهانة الغير بأعمالنا و تضحياتنا وهو مايمثل عائقا أساسيا أما م تحقيق عملية التراكم المعرفي والنضالي الذي به ستحدث النقلة النوعية التي نريدها جميعا في مجال بناء الدمقراطية و حقوق الإنسان و دولة المؤسسات ... و قبل أن ننهي هذه المصافحة نرى من واجبنا أن نؤكد أن اسرة الوسط التونسية واعية تماما بأن هناك خطابا في الساحة يستند إلى بعض الحجج التي أوردناها لتبرير السقوط في عبادة الصنم و التحول عن القيام بالواجب كاملا في خوض معركة الحريات و تقديم التضحيات و المساهمة في رفع التحديات و التوقف عن مساندة المضطهدين و المحاصرين و المظلومين ، بل ان البعض قد انقلب إلى الصف المساند للاستبداد مدعيا أن رفع المظالم عن العباد لا يكون إلا بإرضاء رموز الاضطهاد . و كما هو واضح على صفحاتنا فإننا من الذين يؤمنون بأن الحرية و الاستبداد مساران لا يلتقيان ولكنهما على الدوام يتصادمان .