أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    تونس تحتفي بالعيد الوطني للشجرة في ضوء جهود تشاركية لرفع نسبة الغطاء الغابي وحماية التنوع البيولوجي بالبلاد    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديفيد تشينكر : أي إستراتيجية تتبعها أمريكا لمواجهة الإسلاميين؟
نشر في الوسط التونسية يوم 25 - 02 - 2007

كيف يمكن مواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع؟ ما هي الإستراتيجيات التي يمكن تطبيقها لدعم وتمكين الليبراليين في الانتخابات بما يتماشى مع السياسة الأمريكية في تحقيق الديمقراطية؟.
سؤالان كبيران يشتغل بالإجابة عليهما مراكز الأبحاث والدراسات بواشنطن بعد أن قادت قضية الترويج الأمريكي للديمقراطية إلى نتائج غير مرغوبة أمريكيًّا، ففي الوقت الذي شهدت فيه المنطقة حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي بإجراء العديد من الانتخابات -من المغرب إلى السعودية- سجلت العديد من البلدان نجاحًا كبيرًا وصعودًا للإسلاميين في تلك الانتخابات؛ ليصطدم ذلك واقعيًّا بالرغبة الأمريكية في نشر الديمقراطية.
وقد اعتبر العديد من المحللين الغربيين ذلك فشلاً سياسيًّا للإدارة الأمريكية في التعامل مع قضية الديمقراطية التي أضحت جسرًا يعبر عليه الإسلاميون إلى الحكم، وهو ما وضع هذه الإدارة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستمرار في نشر الديمقراطية والقبول بنجاح الإسلاميين في الانتخابات، أو دعم الأنظمة الديكتاتورية الموالية لها والمخاطرة بالتالي باحتمال اندلاع ثورة إسلامية ثانية ضد تلك الأنظمة، وهو الخيار الأقرب للإدارة الأمريكية، حيث هدأت في الفترة الأخيرة حديثها عن نشر الديمقراطية، الأمر الذي لم يجد صداه عند كل من الإسلاميين والليبراليين على حد سواء.
وفي هذا السياق، عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤتمرًا تحت عنوان "الطرق المختلفة لمواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع"، ونشر موجزًا لأعماله على الموقع الإلكتروني للمعهد في نوفمبر 2006.
يرى سونر كاجابتاي مدير مركز الأبحاث التركية في معهد واشنطن أن الوسيلة الوحيدة والمناسبة لمواجهة الإسلاميين هي قيام الولايات المتحدة بدعم وتمكين الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الشرق الأوسط في مقابل الأحزاب الإسلامية، ويقارن بين واقع كل من التيارين، فالأولى تتميز بضعف وهشاشة بنيتها الداخلية كما في حالة تركيا -أحد أعرق الدول ذات النظام العلماني-، حيث تراجع دور الأحزاب العلمانية أمام نظيرتها الإسلامية في السنوات الأخيرة، وهو ما انتهى بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب منها:
أولاً: انعدام الديمقراطية الداخلية بين أعضاء الأحزاب الليبرالية وتمركز السلطات والسياسات في شخص رئيس الحزب أو قائد الحزب فيما يعرف بحزب الفرد.
ثانيًا: انتشار قضايا الفساد وقيام الصحف التركية بنشر فضائح ضلوع الكثير من قياديي الأحزاب العلمانية في التسعينيات، مما كان له تأثير كبير على مصداقية تلك الأحزاب.
ثالثًا: قيام الحكومات الديكتاتورية في تركيا والدول العربية بقمع وتضييق الخناق على أنشطة الأحزاب الليبرالية والعلمانية، مما أفسح الطريق أمام الإسلاميين منتهزين فرصة خلو الساحة لتنظيم أنفسهم وتعبئة الجماهير.
وعلى نقيض ذلك تتمتع الأحزاب الإسلامية بقوة مادية وتنظيمية، تؤهلها لتكوين قاعدة شعبية وجماهيرية واسعة النطاق، ويرجع ذلك إلى سببين أولهما مادي والآخر أيديولوجي.
من الناحية المادية، وعلى عكس الأحزاب العلمانية التي تعاني من قلة التمويل، يعتقد كاجابتاي "أن الأحزاب الإسلامية تحصل على تمويل ودعم مادي كبير لا حصر له من الدول النفطية الإسلامية في الخليج وإيران، وهو ما أطلق عليه البعض اصطلاح "الإسلامية الدولية" على غرار مصطلح "الشيوعية الدولية" والذي كان سائدًا في فترة الحرب الباردة عندما كانت تحصل الدول الشيوعية والاشتراكية على الدعم والسند المالي من الاتحاد السوفيتي السابق.
وعليه تمكن الإسلاميون من إنشاء مؤسسات اجتماعية وخيرية تقوم بتقديم شبكة من الخدمات الصحية والتعليمية، في وقت تراجع فيه دور الدولة إلى حد كبير إما لعجزها عن تقديم تلك الخدمات للمواطنين؛ بسبب النمو المتزايد للسكان، أو لضعف كفاءة وجودة تلك الخدمات.
ومن الناحية الأيديولوجية والفكرية، فإن الأحزاب الإسلامية استطاعت أن تقدم رؤى وبرامج مثالية لحياة أفضل، مما جذب لها أعدادًا كبيرة من المواطنين الذين سئموا من البرامج والأهداف التقليدية التي تقدمها الأحزاب الليبرالية والعلمانية على مدار 60 أو 70 سنة ولم تحقق شيئًا.
وبالنظر لهذه الاعتبارات، يرى كاجابتاي أن أمريكا تستطيع مواجهة الإسلاميين ومحاصرتهم من خلال تفعيل ودعم الأحزاب الليبرالية، وذلك بالعودة إلى تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما وضعت الولايات المتحدة خطة سياسية محكمة طويلة المدى لمكافحة صعود الأحزاب الشيوعية في إيطاليا، ففي عام 1947 نجح الشيوعيون في إزاحة الحزب المسيحي الديمقراطي والسيطرة على البرلمان الإيطالي، حيث كان الحزب الشيوعي الإيطالي يتمتع بكافة أنواع الدعم المالي والإعلامي والعسكري من الاتحاد السوفيتى السابق، في سياق ما عرف وقتذاك بالشيوعية العالمية.
في هذا الوقت وضع صانعو القرار الأمريكي -وعلى رأسهم جورج كينان مؤسس مكتب التخطيط السياسي- خطة أمريكية لخوض حرب سياسية ضد الأحزاب الشيوعية من خلال تفعيل كافة الوسائل لمحاصرة الأحزاب الشيوعية، ومنها إقامة تحالفات سياسية قوية قادرة على منافسة هذه الأحزاب، وتوفير الدعم الاقتصادي للحلفاء الليبراليين، وتقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني، واستخدام الوسائل الإعلامية للدعاية لصالح الأحزاب الليبرالية الحليفة من جهة، وتشويه صورة الأحزاب الشيوعية من جهة أخرى.
ويقترح كاجابتاي أن تستفيد الولايات المتحدة من التجربة الإيطالية في تفعيل دور الأحزاب الليبرالية أمام الإسلاميين في الشرق الأوسط من خلال عدة خطوات:
أولاً: إقامة تحالفات سياسية مع الليبراليين وعدم الوقوع في فخ ما يسمى بالإسلام المعتدل، ففي الواقع لا يوجد خلاف بين الإسلاميين والإسلام المعتدل، فجميعهم لديهم نفس الأهداف والرؤى، وبالتالي فإن سياسة دمج الإسلاميين المعتدلين ستسفر عن نتائج خطيرة.
ثانيًا: استثمار الكثير من الأموال وتقديمها كدعم مادي للأحزاب الليبرالية؛ لتتمكن من إنشاء مؤسسات وجمعيات خدمية قادرة على منافسة أنشطة الأحزاب الإسلامية؛ إذ لا بد من مواجهة الإسلاميين بنفس السلاح، أي بتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي يقدمها الإسلاميون.
ثالثًا: عزل الإسلاميين، بحيث يدفع ذوي الانتماء الإسلامي ثمن انتمائهم لحزب أو حركة إسلامية، وذلك من خلال حظر هجرتهم إلى الولايات المتحدة من دول الشرق الأوسط أو من الدول الإسلامية، كما كان يحدث أثناء الحرب الباردة عندما يتم تحديد ما إذا كان الشخص المهاجر إلى الولايات المتحدة ينتمي إلى أحد الأحزاب الشيوعية، فإذا ثبت ذلك كان يمنع من الهجرة إليها.
ويعتبر كاجابتاي هذه الخطة هي إستراتيجية سياسية قد تستغرق سنوات عديدة حتى يمكن بالفعل تمكين الأحزاب الليبرالية ويتم عزل ومحاصرة الأحزاب الإسلامية، ويعتقد أن نتائجها مضمونة، حيث نجحت من قبل في إيطاليا عام 1950 في وقت كان يعتبر فيه الشيوعيون أحد أهم وأقوى الأحزاب في إيطاليا.
أما جريجيورى جويز أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة فيرمونت، فيرى أن الحل الأمثل لمنع الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم هو التوقف عن تشجيع الديمقراطية في الدول العربية والشرق أوسطية في الوقت الراهن، وذلك لسببين:
أولهما: عدم وجود علاقة بين تعزيز الديمقراطية داخل الأنظمة وبين الحد من الإرهاب؛ إذ انطلقت الرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 من وجود علاقة طردية بين نشر قيم الديمقراطية وبين الحد من ظاهرة الإرهاب، وهذا برأي جويز يعود إلى عدد من الشواهد منها: في السبعينيات -ووفقًا للإحصائيات الأمريكية- فإن ظاهرة الإرهاب كانت إحدى المشاكل التي تولدت داخل الدول الديمقراطية، فقد ظهرت الكثير من الجماعات الإرهابية داخل المجتمعات الديمقراطية مثل الحزب الجمهوري الأيرلندي ومنظمة إيتا الانفصالية بأسبانيا والجيش الأحمر الياباني وغيرها، كما أن الهند أحد أكثر النظم الديمقراطية في العالم يصيبها أكبر عدد من العمليات الإرهابية، بينما نجد دولة أقل ديمقراطية كالصين تواجه واحد على عشرة من العمليات الإرهابية التي تواجهها الهند، وما يعزز هذا الاتجاه أيضًا أن تفجيرات لندن 2005 تم تنفيذها من قبل عناصر ذات أصول إسلامية عاشت في ظل دولة ديمقراطية عريقة تشبعت بقيم الحرية والليبرالية.
ثانيهما: إنه من غير المتوقع أن تنجح الديمقراطية في إقناع تنظيم القاعدة بالتخلي عن مفهوم الجهاد، فالديمقراطية من وجهة نظر بعض الإسلاميين الراديكاليين مصطلح غربي وبدعة غير مقبولة ولا يمكن أن تكون أبدًا بديلاً أو نظيرًا للشريعة الإسلامية.
وبالتالي لن تكون الديمقراطية هي الخيار الأمثل في الوقت الراهن؛ لأن إجراء الانتخابات الديمقراطية في المنطقة سوف يفتح الباب على مصراعيه للإسلاميين، وكذلك لا يمكن الاعتماد على الأحزاب الليبرالية التي تعاني من الضعف وعدم القدرة على تنظيم نفسها، وهذا ما أثبتته الانتخابات الأخيرة التي جرت في دول المنطقة، وأسفرت عن فوز ساحق للإسلاميين في كل من العراق ومصر وحتى في الأراضي الفلسطينية، على الرغم مما تتمتع به فلسطين من قدر لا بأس به من الديمقراطية، خاصة في مجال المؤسسات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
وبالإضافة إلى ذلك يؤكد جويز أن الإسلاميين قد يكونون أكثر عدلاً واستقرارًا من الحكومات الديكتاتورية العربية، إلا أنهم لن يتفقوا أبدًا مع السياسة الخارجية الأمريكية وأهدافها في المنطقة، وعلى سبيل المثال نجد أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر تتمتع بقدرة تنظيمية عالية ولديها حزمة من الآراء المعتدلة، لكن الجماعة في المقابل لن تتقابل أبدًا مع المصالح الأمريكية، ويؤكد ذلك التصريحات المتتالية لزعماء وقياديي الإخوان المسلمين، ففي عام 2003 وأثناء الحرب الأمريكية على العراق أصدر المرشد السابق للإخوان مأمون الهضيبي فتوى تؤكد مشروعية الجهاد ضد القوات الأمريكية في العراق، كما أعلن المرشد الحالي للإخوان محمد مهدي عاكف ضرورة إلغاء معاهدة كامب ديفيد.
ومما سبق يرى جويز أن منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة لن يكون أمرًا سهلاً مطلقًا، كما أن عملية دعم الأحزاب الليبرالية من خلال ما اقترحه كاجابتاي قد يأخذ سنوات عديدة وهو غير مضمون النجاح، وبالتالي فإن السبيل الوحيد هو أن تتخلى الولايات المتحدة عن الديمقراطية في الوقت الحالي إلى حين أن تصبح المنطقة مهيأة لمثل هذا التغيير.
دمج الإسلاميين المعتدلين في العملية السياسية
وتختلف مُنى مكرم عبيد أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة والناشطة في مجال المجتمع المدني كثيرًا مع الرؤيتين السابقتين، حيث تؤكد ضرورة دمج الأحزاب الإسلامية "المعتدلة" في العملية السياسية -إلى جانب تقوية شوكة الأحزاب الليبرالية-، فمن خلال مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2005 تؤكد منى مكرم أن الناخبين لم يكن لهم سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يصوتوا للحكومة الحالية أو للإسلاميين، وكانت النتيجة مشاركة حوالي 20% فقط من الناخبين للإدلاء بأصواتهم، وهنا يطرح تساؤل: ماذا كان سيحدث لو كان هناك بديل آخر للناخبين؟ بالطبع سيكون الأمر مختلفًا.
وتقول منى مكرم عبيد إن المنطقة تشهد نجاحًا كبيرًا للأحزاب الإسلامية نتيجة ديكتاتورية الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي، وضعف الهياكل الداخلية للأحزاب الليبرالية ومؤسسات المجتمع المدني، في مقابل تنظيم وشعبية الأحزاب الإسلامية، الأمر الذي أصبح يشكل تحديًا حقيقيًّا للحكومات العربية وللولايات المتحدة، ولكن ما هو الحل الآن؟ أتغلق الحكومات العربية الباب مرة أخرى أمام الأحزاب الإسلامية؟ أتتخلى الولايات المتحدة عن نشر الديمقراطية في الوقت الحالي إلى أجل غير مسمى؟.
وتقدم منى مكرم عبيد حلاًّ لهذه الإشكالية هو فتح الباب أمام الإسلاميين ودمجهم ومشاركتهم في العملية السياسية وقد تكون مخاطرة كبيرة، إلا أن ذلك أمر لا يمكن تجاهله؛ نظرًا لما تتمتع به هذه الأحزاب من قاعدة شعبية كبيرة، كما أن تلك الإستراتيجية أثبتت نجاحها في تركيا والجزائر، حيث أدى دمج الإسلاميين في الحياة السياسية إلى إعادة صياغة برامجهم وتبني سياسات ديمقراطية، أما سياسة الحظر والقمع ستؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية كما حدث في مصر، فقد أدى حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين إلى العمل الخفي والتسلل لاختراق صفوف العديد من الأحزاب المعترف بها والعمل في كافة الاتجاهات والمستويات وداخل النقابات، مما حوَّلها إلى جماعة ضغط لها شبكة قوية من العلاقات التي لا يمكن الاستهانة بها.
وما يؤكد ذلك لجوء العديد من قياديي وزعماء الأحزاب الليبرالية في مصر إلى كسب ودّ جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة، فقد رشح العديد من أعضاء مجلس الشعب أنفسهم في قوائم جماعة الإخوان المسلمين حتى يضمنوا نجاحهم في الانتخابات، وعندما رشح أيمن نور نفسه في انتخابات الرئاسة سعى في مستهل حملته الانتخابية إلى الحصول على تأييد ومباركة الإخوان المسلمين، وبالتالي دفعت الحكومات العربية ثمنًا غاليًا من سياسة القمع وتضييق الخناق على الإسلاميين، ما كانت لتدفعه لو كانت تركت لهم الباب مفتوحًا لممارسة العمل الشرعي.
وفي ضوء تلك الحقائق، تقترح منى مكرم عبيد دمج الجماعات الإسلامية في العمل السياسي، خاصة الأجيال الجديدة لتلك الجماعات؛ لأنها الأكثر اعتدالاً وقبولاً للآخر، وكذلك وضع خطة لتحقيق الأهداف الآتية:
- التركيز على الإصلاح السياسي بالتوازي مع الإصلاح التعليمي والثقافي للمجتمعات العربية، حيث إن الإصلاح السياسي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن تطوير التعليم والنهوض بثقافة المجتمع.
- دمج الإسلاميين في عملية الديمقراطية يعتبر ضرورة حتمية لرفع الرغبة التنافسية لدى الأحزاب الليبرالية لتطوير مؤسساتها من جديد، مما يؤدي أيضًا إلى تنشيط القوى السياسية المختلفة في المجتمع وخلق قدر من التنوع الحزبي أمام الناخبين مستقبلاً.
- تشجيع ودفع الأنظمة العربية للاهتمام بالأجندة الاجتماعية التي تميزت فيها الجماعات الإسلامية والتي تستطيع الوصول وتحقيق خدمات إلى نحو 90% من المواطنين.
- تفعيل دور الإعلام الحر في الترويج لمفهوم الديمقراطية والليبرالية وقيم الحرية والمساواة، وترى منى مكرم عبيد أن الإعلام في مصر يتمتع بقدر كبير من الحرية التي تتيح له الضغط على الحكومة وتعبئة الشعب لتأييد الديمقراطية.
- التحدي الحقيقي أمام الحكومات العربية والأحزاب العلمانية هو في كيفية أن يكون الإسلاميون أكثر تأييدًا للديمقراطية، وهذا لن يحول دون دمجهم في العملية السياسة وكذلك ربط مصالحهم بالإصلاحات السياسية.
- إضافة إلى تلك الأهداف، لا بد من استثمار الانقسامات الداخلية الموجودة داخل الأحزاب الإسلامية نتيجة صراع الأجيال الدائر بين الجيل الجديد والقديم، وهو ما سيفرز حتمًا جيلاً جديدًا من الإسلاميين أكثر رغبة في المشاركة السياسية وأكثر انفتاحًا، وهو ما قد يؤثر على مستقبل الإصلاحات، وترى منى مكرم عبيد أنه يوجد على الساحة الآن نماذج كثيرة لأحزاب معتدلة ذات خلفية إسلامية تدعو في برنامجها إلى تأسيس نظام سياسي ديمقراطي كحزب الوسط المصري.
وتخلص مُنى مكرم عبيد إلى أنه ليس بإمكاننا الحديث عن العملية الديمقراطية أو حتى الترويج لليبرالية بدون أن نأخذ في الاعتبار تزايد تأثير الحركات الإسلامية، فالحل الآن هو كيف يمكننا أن ندفع بالإسلام المعتدل في مقابل الإسلام الراديكالي؛ لأن دمج الجناح الإصلاحي داخل الحركات الإسلامية سوف يعطي فرصة ذهبية للعلمانيين من تكوين تحالفات سياسية مع الإصلاحيين داخل الأنظمة الحاكمة وكذلك مع الأحزاب الإسلامية المعتدلة، ومن ثَم يمكن أن تشهد الأنظمة العربية حالة من الحراك السياسي أكثر صحية وديمقراطية.
------------------------
**كاتب ومحلل سياسي أمريكي، عضو ببرنامج السياسات العربية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مستشار سابق بوزارة الدفاع الأمريكية.
*موجز لدراسة نشرت على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تحت عنوان: "مواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع: الخيارات الإستراتيجية البديلة Countering Islamists at the Ballot Box: Alternative Strategies" ، سلسلة بوليس فوكس، العدد 61، نوفمبر 2006.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.