إضراب بيومين في قطاع المطاحن والعجين الغذائي والكسكسي: تصعيد نقابي بسبب تعطل الزيادات    عاجل/ نيابة عن رئيس الدولة.. رئيسة الحكومة تشرف على اجتماع مجلس الوزراء..    عاجل/ تنبيه..اضطرابات وانقطاعات في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق..    رئيس مجلس نواب الشعب يعقد جلسة عمل مع أعضاء لجنة التشريع العام    الضاوي الميداني: قرار غير مدروس    عاجل/ شركة السكك الحديدية تكشف تفاصيل جنوح قطار المسافرين تونس-غار الدماء..    البنك المركزي: العائدات السياحية تناهز 7،9 مليار دينار    نابل: حجز وإتلاف 11طنا و133 كغ من المنتجات الغذائية وغلق 8 محلات لعدم توفر الشروط الصحية منذ بداية شهر ديسمبر    مع الشروق : أولويات ترامب... طموحات نتنياهو: لمن الغلبة؟    كرة اليد: هزم الترجي الرياضي جزائيا في مباراة "الدربي" ضد النادي الافريقي    كأس أمم إفريقيا 2025: مصر وجنوب إفريقيا في مواجهة حاسمة    عامر بحبة: بداية 2026 ستكون ممطرة وباردة ومثلجة    وفاة ممرضة أثناء مباشرة عملها بمستشفى الرديف...والأهالي ينفّذون مسيرة غضب    عاجل/ العثور على لاعب كرة قدم معروف جثة هامدة..    الاف الزوار يواكبون العروض المميزة للمهرجان الدولي للصحراء بدوز    تظاهرة «طفل فاعل طفل سليم»    رواية " مواسم الريح " للأمين السعيدي صراع الأيديولوجيات والبحث عن قيم الانسانية    أولا وأخيرا .. رأس العام بلا مخ ؟    فيليب موريس إنترناشونال تطلق جهاز IQOS ILUMA i في تونس دعماً للانتقال نحو مستقبل خالٍ من الدخان    "كان" المغرب 2025.. حكم مالي لمباراة تونس ونيجيريا    وزير الدّفاع يؤدي زيارة ميدانية إلى القاعدة البحرية بمنزل بورقيبة    محرز الغنوشي: الغيث النافع قادم والوضعية قد تتطور الى انذارية بهذه المناطق    ابدأ رجب بالدعاء...اليك ما تقول    هذه الدولة العربية تسجّل أعلى أسعار السيارات الجديدة    منع بيع مشروبات الطاقة لمن هم دون 18 عاما..ما القصة..؟    خبير يوّضح: العفو الجبائي على العقارات المبنية مهم للمواطن وللبلديات..هاو علاش    ماذا في اجتماع وزير التجارة برؤساء غرف التجارة والصناعة؟    زغوان: مجمع الصيانة والتصرف بالمنطقة الصناعية جبل الوسط بئر مشارقة يعلن عن إحداث حقل لانتاج الطاقة الفوطوضوئية    يتميّز بسرعة الانتشار والعدوى/ رياض دغفوس يحذر من المتحور "k" ويدعو..    عاجل: تهنئة المسيحيين بالكريسماس حلال ام حرام؟...الافتاء المصرية تحسُم    وليد الركراكي: التتويج باللقب القاري سيكون الأصعب في تاريخ المسابقة    موسكو تدعو مواطنيها إلى الامتناع عن السفر إلى ألمانيا لهذه الأسباب    فضاء لبيع التمور من المنتج إلى المستهلك من 22 إلى 28 ديسمبر بهذه الجهة..#خبر_عاجل    11 مليون عمرة في شهر واحد... أرقام قياسية من الحرمين    ما ترميش قشور الموز: حيلة بسيطة تفوح دارك وتنفع نباتاتك    بداية من اليوم..دخول فترة الليالي البيض..    أنشطة متنوعة خلال الدورة الأولى من تظاهرة "مهرجان الحكاية" بالمركب الثقافي بسيدي علي بن عون    التمديد في المعرض الفني المقام بالمعلم التاريخي "دار الباي" بسوسة الى غاية منتصف جانفي 2026    اسكندر القصري ينسحب من تدريب مستقبل قابس    عاجل: دخول جماهيري مجاني في مباريات كأس أمم إفريقيا 2025    وداعًا لأسطورة الكوميديا الأمريكية بات فين    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ديفيد تشينكر : أي إستراتيجية تتبعها أمريكا لمواجهة الإسلاميين؟
نشر في الوسط التونسية يوم 25 - 02 - 2007

كيف يمكن مواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع؟ ما هي الإستراتيجيات التي يمكن تطبيقها لدعم وتمكين الليبراليين في الانتخابات بما يتماشى مع السياسة الأمريكية في تحقيق الديمقراطية؟.
سؤالان كبيران يشتغل بالإجابة عليهما مراكز الأبحاث والدراسات بواشنطن بعد أن قادت قضية الترويج الأمريكي للديمقراطية إلى نتائج غير مرغوبة أمريكيًّا، ففي الوقت الذي شهدت فيه المنطقة حالة غير مسبوقة من الحراك السياسي بإجراء العديد من الانتخابات -من المغرب إلى السعودية- سجلت العديد من البلدان نجاحًا كبيرًا وصعودًا للإسلاميين في تلك الانتخابات؛ ليصطدم ذلك واقعيًّا بالرغبة الأمريكية في نشر الديمقراطية.
وقد اعتبر العديد من المحللين الغربيين ذلك فشلاً سياسيًّا للإدارة الأمريكية في التعامل مع قضية الديمقراطية التي أضحت جسرًا يعبر عليه الإسلاميون إلى الحكم، وهو ما وضع هذه الإدارة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستمرار في نشر الديمقراطية والقبول بنجاح الإسلاميين في الانتخابات، أو دعم الأنظمة الديكتاتورية الموالية لها والمخاطرة بالتالي باحتمال اندلاع ثورة إسلامية ثانية ضد تلك الأنظمة، وهو الخيار الأقرب للإدارة الأمريكية، حيث هدأت في الفترة الأخيرة حديثها عن نشر الديمقراطية، الأمر الذي لم يجد صداه عند كل من الإسلاميين والليبراليين على حد سواء.
وفي هذا السياق، عقد معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤتمرًا تحت عنوان "الطرق المختلفة لمواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع"، ونشر موجزًا لأعماله على الموقع الإلكتروني للمعهد في نوفمبر 2006.
يرى سونر كاجابتاي مدير مركز الأبحاث التركية في معهد واشنطن أن الوسيلة الوحيدة والمناسبة لمواجهة الإسلاميين هي قيام الولايات المتحدة بدعم وتمكين الأحزاب الليبرالية والعلمانية في الشرق الأوسط في مقابل الأحزاب الإسلامية، ويقارن بين واقع كل من التيارين، فالأولى تتميز بضعف وهشاشة بنيتها الداخلية كما في حالة تركيا -أحد أعرق الدول ذات النظام العلماني-، حيث تراجع دور الأحزاب العلمانية أمام نظيرتها الإسلامية في السنوات الأخيرة، وهو ما انتهى بوصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، ويرجع ذلك لعدد من الأسباب منها:
أولاً: انعدام الديمقراطية الداخلية بين أعضاء الأحزاب الليبرالية وتمركز السلطات والسياسات في شخص رئيس الحزب أو قائد الحزب فيما يعرف بحزب الفرد.
ثانيًا: انتشار قضايا الفساد وقيام الصحف التركية بنشر فضائح ضلوع الكثير من قياديي الأحزاب العلمانية في التسعينيات، مما كان له تأثير كبير على مصداقية تلك الأحزاب.
ثالثًا: قيام الحكومات الديكتاتورية في تركيا والدول العربية بقمع وتضييق الخناق على أنشطة الأحزاب الليبرالية والعلمانية، مما أفسح الطريق أمام الإسلاميين منتهزين فرصة خلو الساحة لتنظيم أنفسهم وتعبئة الجماهير.
وعلى نقيض ذلك تتمتع الأحزاب الإسلامية بقوة مادية وتنظيمية، تؤهلها لتكوين قاعدة شعبية وجماهيرية واسعة النطاق، ويرجع ذلك إلى سببين أولهما مادي والآخر أيديولوجي.
من الناحية المادية، وعلى عكس الأحزاب العلمانية التي تعاني من قلة التمويل، يعتقد كاجابتاي "أن الأحزاب الإسلامية تحصل على تمويل ودعم مادي كبير لا حصر له من الدول النفطية الإسلامية في الخليج وإيران، وهو ما أطلق عليه البعض اصطلاح "الإسلامية الدولية" على غرار مصطلح "الشيوعية الدولية" والذي كان سائدًا في فترة الحرب الباردة عندما كانت تحصل الدول الشيوعية والاشتراكية على الدعم والسند المالي من الاتحاد السوفيتي السابق.
وعليه تمكن الإسلاميون من إنشاء مؤسسات اجتماعية وخيرية تقوم بتقديم شبكة من الخدمات الصحية والتعليمية، في وقت تراجع فيه دور الدولة إلى حد كبير إما لعجزها عن تقديم تلك الخدمات للمواطنين؛ بسبب النمو المتزايد للسكان، أو لضعف كفاءة وجودة تلك الخدمات.
ومن الناحية الأيديولوجية والفكرية، فإن الأحزاب الإسلامية استطاعت أن تقدم رؤى وبرامج مثالية لحياة أفضل، مما جذب لها أعدادًا كبيرة من المواطنين الذين سئموا من البرامج والأهداف التقليدية التي تقدمها الأحزاب الليبرالية والعلمانية على مدار 60 أو 70 سنة ولم تحقق شيئًا.
وبالنظر لهذه الاعتبارات، يرى كاجابتاي أن أمريكا تستطيع مواجهة الإسلاميين ومحاصرتهم من خلال تفعيل ودعم الأحزاب الليبرالية، وذلك بالعودة إلى تجربة ما بعد الحرب العالمية الثانية عندما وضعت الولايات المتحدة خطة سياسية محكمة طويلة المدى لمكافحة صعود الأحزاب الشيوعية في إيطاليا، ففي عام 1947 نجح الشيوعيون في إزاحة الحزب المسيحي الديمقراطي والسيطرة على البرلمان الإيطالي، حيث كان الحزب الشيوعي الإيطالي يتمتع بكافة أنواع الدعم المالي والإعلامي والعسكري من الاتحاد السوفيتى السابق، في سياق ما عرف وقتذاك بالشيوعية العالمية.
في هذا الوقت وضع صانعو القرار الأمريكي -وعلى رأسهم جورج كينان مؤسس مكتب التخطيط السياسي- خطة أمريكية لخوض حرب سياسية ضد الأحزاب الشيوعية من خلال تفعيل كافة الوسائل لمحاصرة الأحزاب الشيوعية، ومنها إقامة تحالفات سياسية قوية قادرة على منافسة هذه الأحزاب، وتوفير الدعم الاقتصادي للحلفاء الليبراليين، وتقديم الدعم لمؤسسات المجتمع المدني، واستخدام الوسائل الإعلامية للدعاية لصالح الأحزاب الليبرالية الحليفة من جهة، وتشويه صورة الأحزاب الشيوعية من جهة أخرى.
ويقترح كاجابتاي أن تستفيد الولايات المتحدة من التجربة الإيطالية في تفعيل دور الأحزاب الليبرالية أمام الإسلاميين في الشرق الأوسط من خلال عدة خطوات:
أولاً: إقامة تحالفات سياسية مع الليبراليين وعدم الوقوع في فخ ما يسمى بالإسلام المعتدل، ففي الواقع لا يوجد خلاف بين الإسلاميين والإسلام المعتدل، فجميعهم لديهم نفس الأهداف والرؤى، وبالتالي فإن سياسة دمج الإسلاميين المعتدلين ستسفر عن نتائج خطيرة.
ثانيًا: استثمار الكثير من الأموال وتقديمها كدعم مادي للأحزاب الليبرالية؛ لتتمكن من إنشاء مؤسسات وجمعيات خدمية قادرة على منافسة أنشطة الأحزاب الإسلامية؛ إذ لا بد من مواجهة الإسلاميين بنفس السلاح، أي بتوفير الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية التي يقدمها الإسلاميون.
ثالثًا: عزل الإسلاميين، بحيث يدفع ذوي الانتماء الإسلامي ثمن انتمائهم لحزب أو حركة إسلامية، وذلك من خلال حظر هجرتهم إلى الولايات المتحدة من دول الشرق الأوسط أو من الدول الإسلامية، كما كان يحدث أثناء الحرب الباردة عندما يتم تحديد ما إذا كان الشخص المهاجر إلى الولايات المتحدة ينتمي إلى أحد الأحزاب الشيوعية، فإذا ثبت ذلك كان يمنع من الهجرة إليها.
ويعتبر كاجابتاي هذه الخطة هي إستراتيجية سياسية قد تستغرق سنوات عديدة حتى يمكن بالفعل تمكين الأحزاب الليبرالية ويتم عزل ومحاصرة الأحزاب الإسلامية، ويعتقد أن نتائجها مضمونة، حيث نجحت من قبل في إيطاليا عام 1950 في وقت كان يعتبر فيه الشيوعيون أحد أهم وأقوى الأحزاب في إيطاليا.
أما جريجيورى جويز أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة فيرمونت، فيرى أن الحل الأمثل لمنع الإسلاميين من الوصول إلى سدة الحكم هو التوقف عن تشجيع الديمقراطية في الدول العربية والشرق أوسطية في الوقت الراهن، وذلك لسببين:
أولهما: عدم وجود علاقة بين تعزيز الديمقراطية داخل الأنظمة وبين الحد من الإرهاب؛ إذ انطلقت الرؤية الأمريكية لنشر الديمقراطية عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 من وجود علاقة طردية بين نشر قيم الديمقراطية وبين الحد من ظاهرة الإرهاب، وهذا برأي جويز يعود إلى عدد من الشواهد منها: في السبعينيات -ووفقًا للإحصائيات الأمريكية- فإن ظاهرة الإرهاب كانت إحدى المشاكل التي تولدت داخل الدول الديمقراطية، فقد ظهرت الكثير من الجماعات الإرهابية داخل المجتمعات الديمقراطية مثل الحزب الجمهوري الأيرلندي ومنظمة إيتا الانفصالية بأسبانيا والجيش الأحمر الياباني وغيرها، كما أن الهند أحد أكثر النظم الديمقراطية في العالم يصيبها أكبر عدد من العمليات الإرهابية، بينما نجد دولة أقل ديمقراطية كالصين تواجه واحد على عشرة من العمليات الإرهابية التي تواجهها الهند، وما يعزز هذا الاتجاه أيضًا أن تفجيرات لندن 2005 تم تنفيذها من قبل عناصر ذات أصول إسلامية عاشت في ظل دولة ديمقراطية عريقة تشبعت بقيم الحرية والليبرالية.
ثانيهما: إنه من غير المتوقع أن تنجح الديمقراطية في إقناع تنظيم القاعدة بالتخلي عن مفهوم الجهاد، فالديمقراطية من وجهة نظر بعض الإسلاميين الراديكاليين مصطلح غربي وبدعة غير مقبولة ولا يمكن أن تكون أبدًا بديلاً أو نظيرًا للشريعة الإسلامية.
وبالتالي لن تكون الديمقراطية هي الخيار الأمثل في الوقت الراهن؛ لأن إجراء الانتخابات الديمقراطية في المنطقة سوف يفتح الباب على مصراعيه للإسلاميين، وكذلك لا يمكن الاعتماد على الأحزاب الليبرالية التي تعاني من الضعف وعدم القدرة على تنظيم نفسها، وهذا ما أثبتته الانتخابات الأخيرة التي جرت في دول المنطقة، وأسفرت عن فوز ساحق للإسلاميين في كل من العراق ومصر وحتى في الأراضي الفلسطينية، على الرغم مما تتمتع به فلسطين من قدر لا بأس به من الديمقراطية، خاصة في مجال المؤسسات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني.
وبالإضافة إلى ذلك يؤكد جويز أن الإسلاميين قد يكونون أكثر عدلاً واستقرارًا من الحكومات الديكتاتورية العربية، إلا أنهم لن يتفقوا أبدًا مع السياسة الخارجية الأمريكية وأهدافها في المنطقة، وعلى سبيل المثال نجد أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر تتمتع بقدرة تنظيمية عالية ولديها حزمة من الآراء المعتدلة، لكن الجماعة في المقابل لن تتقابل أبدًا مع المصالح الأمريكية، ويؤكد ذلك التصريحات المتتالية لزعماء وقياديي الإخوان المسلمين، ففي عام 2003 وأثناء الحرب الأمريكية على العراق أصدر المرشد السابق للإخوان مأمون الهضيبي فتوى تؤكد مشروعية الجهاد ضد القوات الأمريكية في العراق، كما أعلن المرشد الحالي للإخوان محمد مهدي عاكف ضرورة إلغاء معاهدة كامب ديفيد.
ومما سبق يرى جويز أن منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة لن يكون أمرًا سهلاً مطلقًا، كما أن عملية دعم الأحزاب الليبرالية من خلال ما اقترحه كاجابتاي قد يأخذ سنوات عديدة وهو غير مضمون النجاح، وبالتالي فإن السبيل الوحيد هو أن تتخلى الولايات المتحدة عن الديمقراطية في الوقت الحالي إلى حين أن تصبح المنطقة مهيأة لمثل هذا التغيير.
دمج الإسلاميين المعتدلين في العملية السياسية
وتختلف مُنى مكرم عبيد أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة والناشطة في مجال المجتمع المدني كثيرًا مع الرؤيتين السابقتين، حيث تؤكد ضرورة دمج الأحزاب الإسلامية "المعتدلة" في العملية السياسية -إلى جانب تقوية شوكة الأحزاب الليبرالية-، فمن خلال مشاركتها في الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2005 تؤكد منى مكرم أن الناخبين لم يكن لهم سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يصوتوا للحكومة الحالية أو للإسلاميين، وكانت النتيجة مشاركة حوالي 20% فقط من الناخبين للإدلاء بأصواتهم، وهنا يطرح تساؤل: ماذا كان سيحدث لو كان هناك بديل آخر للناخبين؟ بالطبع سيكون الأمر مختلفًا.
وتقول منى مكرم عبيد إن المنطقة تشهد نجاحًا كبيرًا للأحزاب الإسلامية نتيجة ديكتاتورية الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي، وضعف الهياكل الداخلية للأحزاب الليبرالية ومؤسسات المجتمع المدني، في مقابل تنظيم وشعبية الأحزاب الإسلامية، الأمر الذي أصبح يشكل تحديًا حقيقيًّا للحكومات العربية وللولايات المتحدة، ولكن ما هو الحل الآن؟ أتغلق الحكومات العربية الباب مرة أخرى أمام الأحزاب الإسلامية؟ أتتخلى الولايات المتحدة عن نشر الديمقراطية في الوقت الحالي إلى أجل غير مسمى؟.
وتقدم منى مكرم عبيد حلاًّ لهذه الإشكالية هو فتح الباب أمام الإسلاميين ودمجهم ومشاركتهم في العملية السياسية وقد تكون مخاطرة كبيرة، إلا أن ذلك أمر لا يمكن تجاهله؛ نظرًا لما تتمتع به هذه الأحزاب من قاعدة شعبية كبيرة، كما أن تلك الإستراتيجية أثبتت نجاحها في تركيا والجزائر، حيث أدى دمج الإسلاميين في الحياة السياسية إلى إعادة صياغة برامجهم وتبني سياسات ديمقراطية، أما سياسة الحظر والقمع ستؤدي حتمًا إلى نتائج عكسية كما حدث في مصر، فقد أدى حظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين إلى العمل الخفي والتسلل لاختراق صفوف العديد من الأحزاب المعترف بها والعمل في كافة الاتجاهات والمستويات وداخل النقابات، مما حوَّلها إلى جماعة ضغط لها شبكة قوية من العلاقات التي لا يمكن الاستهانة بها.
وما يؤكد ذلك لجوء العديد من قياديي وزعماء الأحزاب الليبرالية في مصر إلى كسب ودّ جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الأخيرة، فقد رشح العديد من أعضاء مجلس الشعب أنفسهم في قوائم جماعة الإخوان المسلمين حتى يضمنوا نجاحهم في الانتخابات، وعندما رشح أيمن نور نفسه في انتخابات الرئاسة سعى في مستهل حملته الانتخابية إلى الحصول على تأييد ومباركة الإخوان المسلمين، وبالتالي دفعت الحكومات العربية ثمنًا غاليًا من سياسة القمع وتضييق الخناق على الإسلاميين، ما كانت لتدفعه لو كانت تركت لهم الباب مفتوحًا لممارسة العمل الشرعي.
وفي ضوء تلك الحقائق، تقترح منى مكرم عبيد دمج الجماعات الإسلامية في العمل السياسي، خاصة الأجيال الجديدة لتلك الجماعات؛ لأنها الأكثر اعتدالاً وقبولاً للآخر، وكذلك وضع خطة لتحقيق الأهداف الآتية:
- التركيز على الإصلاح السياسي بالتوازي مع الإصلاح التعليمي والثقافي للمجتمعات العربية، حيث إن الإصلاح السياسي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن تطوير التعليم والنهوض بثقافة المجتمع.
- دمج الإسلاميين في عملية الديمقراطية يعتبر ضرورة حتمية لرفع الرغبة التنافسية لدى الأحزاب الليبرالية لتطوير مؤسساتها من جديد، مما يؤدي أيضًا إلى تنشيط القوى السياسية المختلفة في المجتمع وخلق قدر من التنوع الحزبي أمام الناخبين مستقبلاً.
- تشجيع ودفع الأنظمة العربية للاهتمام بالأجندة الاجتماعية التي تميزت فيها الجماعات الإسلامية والتي تستطيع الوصول وتحقيق خدمات إلى نحو 90% من المواطنين.
- تفعيل دور الإعلام الحر في الترويج لمفهوم الديمقراطية والليبرالية وقيم الحرية والمساواة، وترى منى مكرم عبيد أن الإعلام في مصر يتمتع بقدر كبير من الحرية التي تتيح له الضغط على الحكومة وتعبئة الشعب لتأييد الديمقراطية.
- التحدي الحقيقي أمام الحكومات العربية والأحزاب العلمانية هو في كيفية أن يكون الإسلاميون أكثر تأييدًا للديمقراطية، وهذا لن يحول دون دمجهم في العملية السياسة وكذلك ربط مصالحهم بالإصلاحات السياسية.
- إضافة إلى تلك الأهداف، لا بد من استثمار الانقسامات الداخلية الموجودة داخل الأحزاب الإسلامية نتيجة صراع الأجيال الدائر بين الجيل الجديد والقديم، وهو ما سيفرز حتمًا جيلاً جديدًا من الإسلاميين أكثر رغبة في المشاركة السياسية وأكثر انفتاحًا، وهو ما قد يؤثر على مستقبل الإصلاحات، وترى منى مكرم عبيد أنه يوجد على الساحة الآن نماذج كثيرة لأحزاب معتدلة ذات خلفية إسلامية تدعو في برنامجها إلى تأسيس نظام سياسي ديمقراطي كحزب الوسط المصري.
وتخلص مُنى مكرم عبيد إلى أنه ليس بإمكاننا الحديث عن العملية الديمقراطية أو حتى الترويج لليبرالية بدون أن نأخذ في الاعتبار تزايد تأثير الحركات الإسلامية، فالحل الآن هو كيف يمكننا أن ندفع بالإسلام المعتدل في مقابل الإسلام الراديكالي؛ لأن دمج الجناح الإصلاحي داخل الحركات الإسلامية سوف يعطي فرصة ذهبية للعلمانيين من تكوين تحالفات سياسية مع الإصلاحيين داخل الأنظمة الحاكمة وكذلك مع الأحزاب الإسلامية المعتدلة، ومن ثَم يمكن أن تشهد الأنظمة العربية حالة من الحراك السياسي أكثر صحية وديمقراطية.
------------------------
**كاتب ومحلل سياسي أمريكي، عضو ببرنامج السياسات العربية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مستشار سابق بوزارة الدفاع الأمريكية.
*موجز لدراسة نشرت على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، تحت عنوان: "مواجهة الإسلاميين في صناديق الاقتراع: الخيارات الإستراتيجية البديلة Countering Islamists at the Ballot Box: Alternative Strategies" ، سلسلة بوليس فوكس، العدد 61، نوفمبر 2006.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.