دشنت السلطات التونسية حملة تضييق جديدة بحق الصحفيين كشفت الأيام القليلة الماضية عن أبرز ملامحها بصدور حكم قضائي غيابي بسجن صحفي بتهمة الإنتماء لحركة النهضة المحظورة، والإعتداء على مراسل "إسلام أون لاين.نت" أثناء تغطيته لندوة صحفية حول المعتقلين التونسيين في سجن جوانتانامو الأمريكي بكوبا. فقد قضت محكمة الاستئناف في مدينة "قفصة" (400 كلم جنوب العاصمة) الجمعة الماضي 9-3-2007 غيابيا بسجن الصحفي محمد الفوراتي مدة عام وشهر، بتهمة الإنتماء لجمعية غير مرخص لها. في إشارة إلى حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية. وتعود القضية لنحو سبع سنوات حين تم اعتقال مواطنين في قفصة، مسقط رأس الفوراتي، بتهمة جمع أموال بدون تصريح لصالح عائلة سجين سياسي، وعثر لدى أحد المعتقلين على مقالات من مجلة "أقلام أون لاين" الإلكترونية التي يعمل الفوراتي عضوا بهيئة تحريرها. "جائر.. وغير متوقع" الفوراتي، الذي يعمل حالياً بصحيفة "الشرق" القطرية، وصف الحكم بأنه "جائر". وأضاف في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت": "لم يكن متوقعا، إذ جاء في وقت ينتظر فيه الجميع انفراجا من جانب السلطة، كما أن القضية خالية تماماً من أي أدلة على الإنتماء لجمعية غير مرخص لها". وقبل صدور الحكم رفض القضاء ثلاث مرات نظر الدعوى لعدم توافر أدلة على التهمة. واعتبر الفوراتي أن "الحكم جاءء ليعاقب صحفي حر سخر قلمه للدفاع عن الحريات والسجناء السياسيين والمظلومين بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والانحياز للمواطن. كما يمكن أن يكون محاولة لإجباري على هجرة تونس نهائيا، لكني سأعود إليها مهما كان الثمن قاسيا". الحكم أثار استياء شديد في الأوساط الصحفية والحقوقية، إذ علق عليه بسخرية لطفي الحجي، رئيس نقابة الصحفيين التونسيين: "السلطة تدعي أنها لم تسجن صحفي أو تعطل صحيفة". ودعا إلى إلغاء الحكم الذي أعتبره: "عقاب للفوراتي على كتاباته في صحيفة "الموقف" التونسية المعارضة، فالسلطة تبعث برسالة لكل الصحفيين لثنيهم عن دورهم". كما هاجمت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين الحكم بشدة، وطالبت في بيان وصلت "إسلام أون لاين.نت" نسخة منه، ب"إيقاف معاقبة الصحفيين بسبب آرائهم". والفوراتي عضو بمنظمة العفو الدولية فرع تونس ونقابة الصحفيين والمرصد الوطني لحرية الصحافة والنشر والإبداع. ومن الملاحقة القضائية إلى الاعتداءات البدنية، إذ اعتدى رجال أمن يرتدون زيا مدنيا على محمد الحمروني، مراسل "إسلام أون لاين.نت"، الصحفي بجريدة "الموقف"، ومنعوه من حضور ندوة صحفية في مقر المجلس الوطني للحريات. وسرد المجلس تفاصيل الحادث بقوله: "هاجم بعض عناصر البوليس الزميل حين كان يهم بحضور ندوة صحفية لمنظمة "روبريف" الدولية حول المعتقلين التونسيين بجوانتانامو". وأضاف في بيان وصل "إسلام أون لاين.نت " نسخة منه: "الأعوان لاحقوا الزميل داخل بهو العمارة، حيث مقر المجلس، وحاولوا جرّه بالقوة، ولم يتركوه إلاّ عندما صاح فيهم بأعلى صوته احتجاجا على محاولة منعه، وهرع إليه أعضاء المجلس الموجودين بالمقر، فلاذ المعتدون بالفرار". وأدان المجلس بشدة هذا العتداء، مطالبا بمحاسبة المعتدين. ولفت البيان أيضاً إلى أن المعتدين هددوا الصحفي بجريدة "مواطنون" المعارضة، الصحبي صمارة، بالإهانة في حال حضوره الندوة. الحالة القانونية الندوة التي حاولت السلطات منعها دعا لعقدها وفد من منظمة "روبريف" الحقوقية اللندنية، قدم إلى تونس لبحث الحالة القانونية التي سيكون عليها المعتقلون التونسيون في جوانتانامو في حال إطلاق سراحهم. ولم تكتف السلطات برفض التعاون مع المنظمة، بل استدعت موفدي "روبريف" إلى مقر الأمن لاستجوابهما حول طبيعة مهمتهما، ثم أبلغتهما بأنه كان يتوجب عليهما الحصول على ترخيص مسبق. وقال كرستوفر تشانغ (محام بريطاني)، أحد الموفدين، كنا نأمل أن تتعاون معنا السلطات لكن "الحركة الوحيدة التي بادرتنا بها هي استدعاؤنا للتحقيق بأحد مراكز الأمن وملاحقتنا بالسيارات خلال جولاتنا، ومراقبتنا حيث نسكن". ويجئ عمل الوفد على خلفية أنباء عن اتخاذ السلطات الأمريكية قرارا بإطلاق سراح عدد من المعتقلين التونسيين في جوانتانامو، وتصاعد مخاوف المنظمات الحقوقية من تعرضهم للتعذيب بعد تسليمهم إلى السلطات التونسية، استنادا إلى سجلها سيئ السمعة في مجال حقوق الإنسان. ويقبع بمعتقل جوانتانامو 12 تونسيا، من بينهم: رياض بن صالح الزايدي، ورياض بن محمد الناصري، ولطفي لاغة، وعبد الهادي بن حديد، وهشام السليتي، وعادل الحكيمي. وتتطوع "روبريف" للدفاع عن أربعة منهم، بينما تنتظر استكمال الإجراءات القانونية للدفاع عن البقية. وتهدف المنظمة غير الربحية، التي تأسست عام 1999، إلى إنقاذ أرواح أولائك المحكوم عليهم بالإعدام أو المحتجزين دون محاكمة، كما هو الحال في جوانتانامو.