في خطوة جريئة وايجابية اعلن في كل من طرابلسوتونس منذ عدة أسابيع ان البلدين الجارين، والشعبين الشقيقين بدآ مرحلة جديدة من علاقات التكامل الاقتصادي: عملة متساوية القيمة، الغاء الجمارك، استمرار الغاء التأشيرات، حرية الحركة والتنقل بين البلدين، مشروعات اقتصادية مشتركة. كل هذه الخطوات تعبر عن ارادة سياسية جاءت بعد سلسلة من التجارب الوحدوية الفاشلة خاضها النظام الليبي مع عدد من الدول العربية شرقا وغربا ومنها تونس. فما الذي تغير حتي وقع هذا التطور اللافت؟ وكيف استطاعت قيادات النظامين ان تصل الي هذه المرحلة المتقدمة من الوفاق النفسي والسياسي، وان تحظي تونس دون غيرها من البلدان العربية بهذه الحظوة والثقة لدي العقيد القذافي المغرم بتبني أفكار وسياسات أبعد من عمليات التكامل في أي مشروع يدعو له او يشارك فيه، خاصة وان ثروة النفط تعطيه ميزة في التفاوض وكسب اهداف سياسية من وراء اي مشروع اقتصادي او غيره. وعملية التكامل الاقتصادي عملية معقدة وتتطلب نفسا طويلا وصبرا. ولكن يبدو ان ليبيا قد تغيرت، وان الفورية والاندماجية لم تعودا اللغة المناسبة. واصبح واضحا ان ليبيا الدولة في حاجة الي علاقات جيدة مع دول الجوار لأن الاستقرار السياسي يتطلب هذا النوع من العلاقات، وتونس بلد صغير وبه مؤسسات خدمية وجد فيها الليبيون ما يلبي حاجاتهم ومنها المؤسسات الصحية التي تستقبل آلاف الليبيين سنويا، وهي اقرب الي مراكز الكثافة السكانية في ليبيا من مصراته شرقا الي صبراته غربا مرورا بزليتن والخمس وطرابلس والزاوية.... ولا شك ايضا ان موقع البلدين علي شواطيء جنوب البحر الأبيض، مع علاقاتهما الجيدة مع الدول الأوروبية المقابلة لهما علي الشواطيء الشمالية للبحر ذاته، يعزز من أهمية قيمة هذا التكامل، فأوروبا تسعي الي تقوية هذا النوع من التكامل الذي سيخدم في عمومه التبادل التجاري مع أوروبا، كما ان الولاياتالمتحدة تري فيه تطورا ايجابيا لصالح مشروعات العولمة الاقتصادية والثقافية وربما السياسية... ومن جانب الشعوب وهو الأمر الأهم، فهذا المشروع التكاملي سيقوي العلاقات بين الناس علي مستوي رجال الأعمال، وصغار التجار، وعلي مستوي اليد العاملة، بل ان شبكة العلاقات ستمتد لتشمل كل فئات الشعبين وسوف تنتهي بهدلة المسافرين التي كانت تمارس في مراكز الحدود من قبل سلطات الجوازات والجمارك، او هكذا يبدو من آفاق المشروع. وفي حال نجاح هذا المشروع والسماح بانسياب حركة المسافرين من الشعبين فان الفائدة ستكون كبيرة لمزيد من تشابك المصالح علي كل المستويات، وهو أمل طالما حلم به كثير من المثقفين والاقتصاديين وكل المؤمنين بالعمل التكاملي القائم علي الدراسة والتخطيط. ورغم كل الآمال المعقودة علي هذا المشروع، تظل هناك تساؤلات عن حظوظ نجاحه، وهل هو مجرد حالة من الحماس من اصحاب القرار السياسي ام هو عمل جدي مؤسس علي رؤية استراتيجية؟ وهل سيترك امر تسييره الي الخبراء والمهنيين من الجانبين او سيكون عرضة للنزوات والرغبات السياسية التي طالما عصفت بمشروعات عربية كثيرة؟ * كاتب من ليبيا مقيم في بريطانيا 15 مارس 2007