لا شك ان الحراك السياسي الديمقراطي المتزن الواعي الذي يعيشه الموريتانيون قد اسر من حرمة الحرية والمواطنة وابسط مقومات حقوق الانسان وازعج ائمة الاستبداد ومالكي الاقطاعات البشرية. لكني ازعم ان الكثيرين من الفرحين بالتحول السياسي الموريتاني الرشيد قد لا يعرفون السبب او الاسباب التي جعلت الشعب الموريتاني ينجز ما انجزه بينما غيره من الشعوب الشقيقة عاجزة عن اي حركة تخلصها ان تعضها علي الاقل في طريق ام الخلاص من حكم الفرد واسرته وحاشيته. ان موريتانيا هبة الصحراء شكلت شعبا مشبعا بالقيم العربية الاسلامية الاصيلة التي ما استطاع الاستعمار بنوعيه القديم والجديد ان يخلخلها او يشوهها لتجذرها في اعماق الشخصية الموريتانية وحمايتها بأسوار الصحراء الشاسعة لذلك كانت موريتانيا من القرون الوسطي وربما قبل ذلك ملجأ آمنا لمن ثار علي الاستبداد والفساد والافساد في البلدان المجاورة فاضطر الي اللجوء اليها كما كانت الرباط الخلفي للمغرب العربي كلما استباحه حكامه او استباحه الغرب الاستعماري هب مرابطو الرباط لانقاذه وانعاش بقايا قيمه. وما زالت وهي تخطو بتأن في طريق الحداثة تشد بالنواجذ علي روح قيمها لان نقاوة شخصيتها ووضوح رؤيتها وصفاء ذهنها علمتها ان تحديث النقل والتقليد الحق المبدع المجدد لا يكون الا بتفجير الطاقات الكامنة في الذات وحضارة الذات وقيم الذات وتاريخ الذات مع الاستئناس والتطعيم بما هو فاعل لدي الاخرين من علوم صحيحة ومناهج حديثة فالموريتانيون الذين حدثوا التعليم العام بمقدار ينعش العقل ويقويه ويجذره في تربته ابقوا علي التعليم الديني والفكري العربي الاسلامي القديم باعتباره اساس الهوية وركيزة الابداع اما غيرها من الدول الشقيقة فقد مسخت التعليم بتوريد مناهج غربية حكم عليها بالخور والعقم اما التعليم الديني لدي هذه الشعوب فقد افرغ من كل ما هو مفيد. وقس علي المرأة الموريتانية التي لم يجعلها الموريتانيون قضية تبكي وسائل الاعلام علي حالها واستعبادها ودونيتها فيتدخل القائد الملهم فيسن القوانين الحامية لها والضامنة لحقوقها وانما هي في موريتانيا اخت الرجل ينموان معا ويتحرران معا ويتطوران معا في سياق الحراك العام للبلاد لذلك لا فرق الان ولا قديما بين المرأة والرجل في موريتانيا والمجتمع ككلل الذي عرفت السلطات كيف تتعامل معه فلم تكبله كما هو الحال في الدول العربية بمؤسسات غريبة عنه دفعة واحدة فاختل وانما كان كل شيء بمقدار لذلك بقي متماسكا علي جذوة القبلية متحركا نحو المستقبل عكس غيره من الاشقاء الذين بدا عليهم التفكك علي جميع الاصعدة ولعل اللحمة التي تشد المجتمع الموريتاني رغم ما يبدو للرائي من اختلافات قبلية واثنية هي التي جعلت جيشه يختلف عن جيوش العرب الاخرين اذ هو الجيش الوحيد المنتمي الي شعبه بينما جيوش الدول العربية هي جيوش الانظمة.اضف الي ذلك ان موريتانيا البلد العربي الوحيد ايضا الذي ما زالت الثروة فيه خارجة عن يد السلطة رغم محاولات النظام السابق المضنية جمعها في يده علي غرار جميع الاشقاء والمعلوم ان المال والسيف اذا اجتمعا دمرا المجتمع وخلدا السلطة. لقد حاولت ان افسر قدرة الشعب الموريتاني علي الحراك السياسي الرشيد واستعداده الذاتي للتطور لكن علي هذا الشعب ان يحذر بعض مصاصي الدماء من ابنائه الذين يعملون ومساعدوهم في الداخل والخارج علي ايقاف عجلة التطور وابقاء الشعب ناقة حلوبا وشاه طيبة اللحم. قفصة تونس