يجلس إيليا فينزي (80 عاما) على كرسيه خلف المكتب العتيق في مطبعته الصغيرة الواقعة في شارع روسيا، وسط العاصمة التونسية، مُراجعا المقالات المعدة للنشر في العدد المقبل من صحيفته «إل كورييري دي تونيزي» (بريد تونس) نصف الشهرية التي حوَلها إلى مجلة تقع في 48 صفحة، بعدما صدرت طيلة خمسين عاما في شكل صحيفة من 16 صفحة. العدد المقبل يتزامن مع حدث استثنائي، ذكرى تلك الفرحة التي غمرته لدى إصدار إيليا فينزي. العدد الأول، قبل خمسين عاما، مع والده جيوزيبي بعد أسابيع قليلة من إعلان استقلال تونس في 20 آذار (مارس) العام 1956. وشرح إيليا ل»الحياة» كيف كان الإنتداب الفرنسي يحظر على الجاليات الأوروبية إصدار صحف بلغاتها عدا الجالية الفرنسية، وما أن استعاد التونسيون سيادتهم حتى طلب امتيازا لإصدار مطبوعة موجهة لأبناء الجالية الإيطالية وحصل عليه سريعا. نظر إلى نسخة العدد الأول المثبتة في برواز على الجدار وأشار بسبابته قائلا في لهجة لا تخلو من الفخر: «لم تغب صحيفتنا عن الأكشاك أسبوعا واحدا منذ ذلك التاريخ وإن صارت في السنوات الأخيرة نصف شهرية بدل أسبوعية». ومازالت مكاتب الصحيفة في المبنى نفسه منذ خمسة عقود إلا أنها أخضعت لعمليات توسعة وتجديد متلاحقة، فيما تم استبدال المطبعة القديمة بأخرى حديثة. وتطرق الصحيفة التي تُعتبر المطبوعة الوحيدة الصادرة بالإيطالية في حوض المتوسط خارج إيطاليا، جميع المواضيع السياسية والإجتماعية والإقتصادية، بالإضافة الى مسألة التعاون شمال – جنوب وترصد التجارب الإستثمارية المشتركة بين إيطاليا وبلدان الضفة الجنوبية للمتوسط، خصوصا تونس حيث يحتل الايطاليون الرتبة الثانية بعد فرنسا بين الشركاء التجاريين والمستثمرين الخارجيين. وعلى رغم السبق اللغوي الذي انتزعه الفرنسيون باحتلالهم البلد طيلة خمسة وسبعين عاما، استطاعت اللغة الإيطالية أن تكسب جولة مهمة لدى انتشار أجهزة التليفزيون الأولى في تونس مطلع التسعينات إذ كان التونسيون لا يلتقطون سوى برامج القناة الإيطالية الأولى «راي أونو» قبل انطلاق التليفزيون التونسي العام 1968. وما من شك أن هذا العنصر هو أحد الأسباب التي تفسر قدرة التونسيين على فهم الإيطالية في يسر وإن لم يدرسوها في المدارس. إلا أن عدد أفراد الجالية الإيطالية الذي قدرته إحصاءات رسمية بثمانين ألفا في فترة الإستقلال تراجع اليوم إلى بضعة آلاف ما يفسر هبوط سحب «إل كورييري دي تونيزي» إلى خمسة آلاف نسخة فقط. لكن إيليا مازال يدافع عن سمعة صحيفته التي يعمل فيها أساسا صحافيون (وصحافيات ) تونسيون، مستدلا بكونها عضو في الإتحاد الدولي للصحافة الإيطالية. وقالت المحررة في الصحيفة حنان زبيس التي درست الإعلام في الجامعة التونسية ثم تعلمت الإيطالية في جامعة «بافيا» في إطار «المدرسة المتوسطية لعلوم الإتصال والإعلام» (أقيمت في إطار شراكة بين الجامعتين) إنها لا تجد صعوبة في الكتابة بالإيطالية وإن كانت تجيد الفرنسية أحسن منها.