من وجهة نظر الغرب ، يعكس القرار 1747 الذي اتخذه مجلس الأمن بالإجماع ، القلق العميق للمجتمع الدولي في شأن البرنامج النووي الإيراني، حيث لا يزال المسؤولون الإيرانيون يؤكدون على مواقفهم الثابتة حيال هذا الموضوع ، ألاوهي أن نشاطات إيران النووية مشروعة بصوره تامة وتجري وفقاً لمعاهده حظر الانتشار النووي، وأن قرارات مجلس الأمن غير شرعية. ويبدو أن قطب النظام الدولي، واشنطن، حسمت خيارها الاستراتيجي حيال إيران: إما الاعتراف لها بدور إقليمي كبير أو مواجهة طموحاتها الإقليمية بكل الوسائل ، بما فيها الخيار العسكري. وفضلا عن ذلك،فإن المواجهة الإيرانية - الأميركية الراهنة لن تخرج إلا بإحدى نتيجتين: إما محاصصة بين الطرفين لن تكون إلا على حساب الدول العربية ومصالحها، أو مواجهة مدمرة بينهما تدفع خلالها الساحات العربية وفي مقدمها لبنان والعراق أغلى أثمانها. و إذا كانت الدول العربية ، و لا سيماالخليجية منها، مارست سياسة الصمت لمدة طويلة إزاء البرنامج النووي الإيراني ،فإن تخوفها الآن نابع من أن برامج إيران باتت تشكل مشكلة كبرى لنظام منع الانتشار النووي، وللأمن الدولي ، و لأمن الخليج على وجه الخصوص،في ظل تظافر الدلائل على أن إيران أنجزت مشروعا سريا لتخصيب اليورانيوم، وتسير بخطى ثابتة و قوية على طريق امتلاك السلاح النووي، الأمر الذي ينصبها على رأس المعسكر الراديكالي المتشدد في الشرق الأوسط العربي والإسلامي. ومن المرجح أن تحمل إيران إذ ذاك الدول الإسلامية و العربية على التزام سياستها الراديكالية ، وعلى قطع علاقتها مع الكيان الصهيوني. بيد أن العوامل التي جعلت هذه الاستكانة العربية لا يمكن احتمالها على أكثر من صعيد، ورجحت كفة القلق، وتصدرت دواعي التساهل ،هي الصعود القوي لإيران في العراق بعد الاحتلال الأميركي له في العام 2003، والذي استثمرته إيران لمصلحتها الوطنية، و التوتر الإقليمي على أرضية الصراع المذهبي ، و السلوك الإيراني كقوة طليعية للتيار الراديكالي بزعامة الرئيس أحمدي نجاد، فضلا عن احتمال ظهور جار نووي قريب من الخليج . على نحو غير مألوف، أظهرت الحرب العدوانية التي خاضها الكيان الصهيوني ضد حزب الله في صيف 2007، في نظر القادة العرب عمق وقوة التأثير و الاندفاع الإقليمي الإيراني في المنطقة ،لا سيما في لبنان .فهذه الحرب، لا الوضع السائد في العراق، هي التي أسهمت في خلق تعبئة سياسية لا مثيل لها، بعد أن أثبتت الحرب أن إيران أصبحت اللاعب الأول على الساحة اللبنانية، وأن قدراتها العسكرية المتطورة، التي أظهر "حزب الله" جزءاً صغيراً منها، هي إحدى أهم أوراقها الردعية. و هناك "البراعة" الإيرانية في نسج التحالفات سواء مع أحزاب تنطوي تحت مظلة "الشيطان الأكبر" في العراق؛ أو مع أخرى تناصب واشنطن العداء العقائدي في لبنان، جعلت جمعها للتناقضات الأيديولوجية في سياسة إقليمية تخدم مصالحها الوطنية مثالاً يومياً على براغماتية سياسية قلَّ نظيرها .و منذحينئذ توالت المبادرات الدبلوماسية و الدفاعية، بعضها حصلت بالتنسيق مع الولاياتالمتحدة الأميركية، و بعضها الآخر على غرار المبادرة السعودية برعاية الملك عبدالله المتعلقة ب "حماس" و"فتح" التي عصمت دماء الفلسطينيين ووحدت الجبهة الفلسطينية. و كانت الدبلوماسية الأميركية بقيادة وزيرةالخارجية الأميركية كونداليزا رايس قد خصصت الجزء الأساسي من جولتها للدفاع عن استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الجديدة في العراق ، وزيادة المساعدة لإعادة الإعمار ،ونشر صواريخ مضادة للصواريخ من نوع باتريوت في المنطقة لحماية حلفاء الولاياتالمتحدة العرب المعتدلين،و تعزيز توافق الدول التي لديها مخاوف مما تفعله إيران في المنطقة،محذرة من أن الولاياتالمتحدة لن تبقى "مكتوفة الأيدي" في وجه التصرفات الإيرانية في العراق و الخليج. ضمن هذا السياق جاء اجتماع وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن (مجلس التعاون +2) في يناير الماضي ، إذ تنوي واشنطن الاعتماد عليه لوقف تزايد نفوذ إيران في المنطقة. فمن وجهة نظر أميركية تهدف هذه المبادرة إلى تحسين التعاون في مجال الدفاع بين دول الخليج والمصريين والأردنيين و الولاياتالمتحدة الأميركية. و إذا كانت إيران و لا تزال ترى أن جوهرالمشكل في الخليج العربي هو الحضور الأميركي في المنطقة، وجود حاملة الطائرات الأمريكية "ستينيس" التي وصلت إلى المنطقة في أواخر فبراير/ شباط وعلى متنها 6500 بحار لتنضم الى حاملة الطائرات الأمريكية "ايزنهاور" ومجموعة سفنها القتالية، حيث يقول الأميركيون أن مهمة مجموعة الحاملة "ستينيس" تهدف إلى "دعم عملياتها الجارية في أفغانستان والعراق وتطمين شركائنا الإقليميين الى التزامنا في المنطقة"،فإن الدول العربية من جهتها، لا تنظر إلى هذا المشكل بنفس المنظار الإيراني، بل إنها تعتبر الولاياتالمتحدة الأميركية، و على الرغم من إخفاقها في العراق، الضمانه الوحيدة لأمنها ضد أي تهديد خارجي، بدءا من إيران. وفضلا عن ذلك فإن القضايا الكبرى التي تواجهها المنطقة، بدءاً من الصراع العربي – الصهيوني ، ومروراً بالأزمتين العراقية واللبنانية، وانتهاء بشبح امتلاك ايران لسلاح نووي وطموحات فرض هيمنتها على المنطقة، تؤكد ليس فقط الارتباط الاقليمي البنيوي المستجد الذي أصبح يربط بين هذه القضايا، ولكن ايضاً امتداداتها السلبية سواء بشكل مباشر، أم عبر تفرعاتها وتجلياتها، وخصوصاً السياسية والايديولوجية والطائفية، إلى داخل المجتمعات العربية نفسها. ويلاحظ المراقبون الغربيون أن هناك تطورا حصل لدى الزعماء العرب. في البدء، كانوا يعارضون أية مغامرة عسكرية أميركية ضد إيران ، لما يمكن أن تلحقه من أضرارتشمل المنطقة كلها .غير أن آفاق أن تصبح إيران قوة إقليمية مهيمنة، ومزودة بالسلاح النووي، ويقودها زعيم راديكالي مثل الرئيس أحمدي نجاد، دفع بعض الدول العربية إلى ضرورة دخول سباق التنافس الإقليمي لامتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية .