أرجعت مصادر واسعة الاطلاع في المعارضة السورية بدمشق الاعتقالات النشطة مؤخرا في صفوف المثقفين ونشطاء المعارضة إلى إحياء قائمة المثقفين الذين كان من المفترض اعتقالهم عام 2001 وانتهت التوقيفات عند 10 أسماء عرفت فيما بعد باسم "ربيع دمشق"، فضلا عن توقيع عدد منهم على "" الذي دعا إلى تصحيح العلاقات السورية اللبنانية وعدم تدخل حكومة كل بلد في شؤون البلد الآخر، ووصفت المصادر حملة الاعتقالات بقرار لتصفية المعارضة. وفي غضون ذلك، طالب مجلس الامن الدولي سوريا الاربعاء باقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع لبنان وترسيم الحدود المشتركة. واعتمد المجلس باغلبية 13 صوتا مع امتناع الصين وروسيا عن التصويت قرارا يطالب بالتنفيذ الكامل لقرار صدر في عام 2004 يدعو لوضع نهاية للتدخل الخارجي في لبنان. ورحب السفير الامريكي جون بولتون بالتصويت ولكنه أقر بانه كان يفضل لو كان صدر القرار بالاجماع. وفي دمشق قالت سوريا ان القرار الذي اعتمده مجلس الامن الدولي هو قرار متحيز ويمثل استفزازا. وقال بيان لوزارة الخارجية السورية "ان اصرار متبني مشروع القرار على تدخل مجلس الامن خلافا لاحكام الميثاق واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية في مسائل هي قيد الدرس الايجابي يشكل اداة ضغط غير مبررة واستفزازا يعقد الامور بدل حلها". وكانت السلطات السورية اعتقلت في الأيام القليلة الماضية الكاتب والناشط ميشيل كيلو وتم تحويله للقضاء بتهمة النيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات العنصرية والمذهبية، ويرى مراقبون أن اعتقاله جاء على خلفية مقالة له تحدث فيها عن سيطرة العلويين على الجيش والأمن، وقبل أيام تم اعتقال القيادي الشيوعي فاتح جاموس بعد جولة خارجية في عدد من البلدان العربية وأحيل للقضاء بتهم تصل عقوبتها إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ومنذ اشهر اعتقلت السلطات السورية أيضا الكاتب والناشط ذي التوجه الاسلامي علي العبد الله مع نجليه وأحيلوا للقضاء أيضا، وقبلهم اعتقل الكاتب محمد غانم المشرف على موقع الكتروني مهتم بالشأن السوري المحلي. وتم اليوم الأربعاء 17-5- 2006 اعتقال داعية حقوق الإنسان المحامي أنور البني. واستمرت حملة الاعتقالات، التي شاء بعض المعارضين السوريين إطلاق تسمية "تسونامي" عليها ، وشملت اسماء جديدة ناشطة في صفوف المعارضة السورية أو حركة حقوق الإنسان : محمود عيسى وهو معتقل سياسي سابق 1992-2000 على خلفية انتمائه لحزب العمل الشيوعي المعارض، صفوان طيفور ، وخليل حسين وهو عضو القيادة في تيار المستقبل الكردي ورئيس مكتب العلاقات العامة كما أنه معتقل سياسي سابق لمدة 12 سنة على خلفية انتمائه لحزب العمل الشيوعي المعارض، وهناك استدعاءات بحق سليمان الشمر وكمال شيخو وغالب عامر، المحامي محمود مرعي امين سر المنظمة العربية لحقوق الانسان ، نضال درويش عضو لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان. يذكر أن "اعلان بيروت- دمشق" ،الذي نشر في صحف خارج سورية وعلى مواقع الانترنت الاسبوع الماضي، وقعت عليه 272 من الكتاب والصحفيين وأساتذة الجامعات والمحامين والناشطين السياسيين من سورية ولبنان. وطالب الموقعون السوريون واللبنانيون بضرورة لاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان ومغادرة كل تحفظ ومواربة في هذا المجال. وطالب الاعلان باحترام وتمتين "سيادة واستقلال كل من سورية ولبنان في اطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين وتعزز مواجهتها المشتركة للعدوانية الاسرائيلية ومحاولات الهيمنة الاميركية". وتتوقع مصادر المعارضة السورية التي تحدثت إليها العربية.نت أن حملة الاعتقالات لن تتوقف وقد تطال عددا من الأسماء التي كانت موضوعة على قائمة الاعتقال منذ عام 2001 . ولاحظ مراقبون تشديد القبضة الأمنية على نشاط المعارضة السورية مع تزايد الضغوط الخارجية على النظام عكس ما كان يحصل في السابق حيث كانت السلطات تتجه للحوار مع بعض المعارضين بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الضغوط الخارجية عليها. قرار "بتصفية" المعارضة وهنا يقول د. برهان غليون، الأكاديمي السوري في جامعة السوربون، في تصريح ل"العربية.نت"، إن النظام أعطى إشارات التشدد من المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العام الماضي تحت كلمات غامضة بالانفتاح والتصحيح وكان الهدف تصفية المعارضة ، ومنذ المؤتمر القطري اتخذ قرارا بتصفية المعارضة وهم في تلك الفترة استخدموا عبارة تعرية المعارضة من خلال اعتبارها عميلة للأجانب". وأرجع المفكّر غليون حملة الإعتقالات الجارية الآن إلى سببين : "إما أن النظام يتوقع أن يكون تقرير التحقيق الدولي بجريمة اغتيال رفيق الحريري سلبيا تجاهه ولذلك يرى أهمية إمساك الوضع الداخلي بإحكام حتى لا يتم استغلاله إذا كانت نتائج التحقيق سلبية ، أو أن النظام يشعر أنه افتقد كثيرا إلى توازنه وقاعدته وهو في وضع ضعيف سياسيا يفقد فيه المواقع في قلوب الناس الذين فقدوا الثقة بوجود تغيير أو تحول أو مشروع تنيمة أو أن شروط معيشتهم سوف تتحسن ". ويرى غليون أن "بعض المثقفين والمعارضين حاولوا امتصاص الضربة التي تلقوها باعتقال 10 رموز منهم عام 2001 بما عرف بمعتقلي "ربيع دمشق" ، وذلك من خلال النشاط وتشكيل الجميعات ونشر المقالات لذلك كان القرار اليوم بإسكات جميع الأصوات دون استثناء وخلق نوع من الصمت المطبق". نظرية "الصراع بين الأجهزة الأمنية" وجرت معظم الاعتقالات للمعارضين السوريين من قبل جهاز أمن الدولة (المخابرات العامة) الذي يقوده اللواء علي مملوك القادم حديثا لهذا الجهاز من جهاز آخر هو الاستخبارات الجوية. ولم يعرف بعد إن كانت هذه الاعتقالات تتم وفق نظرية الصراع بين الأجهزة الأمنية ومحاولة كل جهاز توسيع نفوذه كما كان قائما في العقدين الماضيين وتراجع هذا الصراع بعد العام 2000 ، أم أن هناك قرار سياسي للشروع بتنفيذ هذه الاعتقالات. ويرجع أصحاب نظرية الصراع بين الأجهزة رؤيتهم هذه إلى أن معظم الاعتقالات تمت من قبل جهاز أمن الدولة ( المخابرات العامة) ومحاولة هذا الجهاز إعادة بعض الهيبة له بعد أن فقدها منذ عام 2001 لصالح جهاز الأمن السياسي الذي كان يقوده اللواء الراحل غازي كنعان. إلا د. برهان غليون يعتقد أن هناك قرارا واحدا في سوريا وراء الاعتقالات، وقال إن "أجهزة الأمن تعمل تحت قيادة سياسة واحدة و قادة الأجهزة تم تعيينهم من قبل سلطة سياسية". صحف سورية تهاجم مثقفين سوريين ولبنانيين إلى ذلك، هاجمت صحيفة "تشرين" الحكومية المثقفين السوريين واللبنانيين الموقعين على إعلان بيروت - دمشق، وقالت: "من الغرابة ان يقف هؤلاء المثقفون السوريون واللبنانيون اليوم ليصدروا بياناً يوحون من خلاله ان سورية تهدد لبنان وينسون اسرائيل ودورها التخريبي وعدوانها الذي لا يتوقف". ورأت الصحيفة ان "المثقف الوطني الحقيقي يدرك ابعاد الحملة الظالمة التي تتعرض لها سورية ولكن لا بد من بروز مجموعات نادرة تتجاهل الحقائق وترتضي لنفسها الانغماس في العيب وفي الحملات المعادية لقوى المقاومة والصمود وندرك ان هناك حتى داخل هذه المجموعات من تم تضليله بعبارات براقة، الا ان الحقيقة ستكشف هؤلاء مهما طال الزمن". وقالت إن الإعلان "رسم صورة قاتمة للعلاقات السورية - اللبنانية وحمل الكثير من المغالطات المكشوفة والتي لاتقنع ذوي العقل الراجح والمنطق المسند بالادلة".