مع الشروق .. قمّة بكين ... وبداية تشكّل نظام دولي جديد    انطلاقا من غرة جوان: 43 د السعر الأقصى للكلغ الواحد من لحم الضأن    رئيس الحكومة يستقبل المدير العام للمجمع السعودي "أكوا باور"    توقيع مذكرة تفاهم تونسية سعودية لتطوير مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس    شهداء وجرحى في قصف لقوات الاحتلال على مدينة غزة..    بطاقتا إيداع بالسجن ضد أجنبيين تورّطا في تنظيم عمليات دخول أفارقة لتونس بطرق غير نظامية    بداية من اليوم: خدمة جديدة للمنخرطين بال'كنام' والحاصلين على الهوية الرقمية    صفاقس: إيقاف 21 افريقيا وصاحب منزل أثر معركة بالاسلحة البيضاء    جنيف: وزير الصحة يؤكد أهمية تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مجال تصنيع اللّقاحات    عاجل/ هذا ما قرّرته 'الفيفا' بشأن المكتب الجامعي الحالي    وزارة الصناعة: توقيع اتفاقية تعاون بين أعضاء شبكة المؤسسات الأوروبية "EEN Tunisie"    مفقودة منذ سنتين: الصيادلة يدعون لتوفير أدوية الإقلاع عن التدخين    كلاسيكو شوط بشوط وهدف قاتل    أول تعليق من نيللي كريم بعد الانفصال عن هشام عاشور    بالفيديو: بطل عالم تونسي ''يحرق'' من اليونان الى إيطاليا    مراسم استقبال رسمية على شرف رئيس الجمهورية وحرمه بمناسبة زيارة الدولة التي يؤديها إلى الصين (فيديو)    عاجل/ فرنسا: إحباط مخطّط لمهاجمة فعاليات كرة قدم خلال الأولمبياد    وزارة المرأة تحذّر مؤسسات الطفولة من استغلال الأطفال في 'الشعوذة الثقافية'    بن عروس: حجز أجهزة اتصالات الكترونيّة تستعمل في الغشّ في الامتحانات    بطاقة إيداع بالسجن ضدّ منذر الونيسي    مجلس نواب الشعب: جلسة استماع حول مقترح قانون الفنان والمهن الفنية    رئيس لجنة الفلاحة يؤكد إمكانية زراعة 100 ألف هكتار في الجنوب التونسي    المنتخب الوطني يشرع اليوم في التحضيرات إستعدادا لتصفيات كأس العالم 2026    النادي الصفاقسي في ضيافة الاتحاد الرياضي المنستيري    الرئيس الصيني يقيم استقبالا خاصا للرئيس قيس سعيّد    قبلي : تنظيم اجتماع تشاوري حول مستجدات القطاع الثقافي وآفاق المرحلة القادمة    وزير التعليم العالي: نحو التقليص من الشعب ذات الآفاق التشغيلية المحدودة    عاجل/ حريق ثاني في حقل قمح بجندوبة    مستشفى الحبيب ثامر: لجنة مكافحة التدخين تنجح في مساعدة 70% من الوافدين عليها على الإقلاع عن التدخين    منظمة الصحة العالمية تمنح وزير التعليم العالي التونسي ميدالية جائزة مكافحة التدخين لسنة 2024    صفاقس: وفاة امرأتين وإصابة 11 راكبا في اصطدام حافلة ليبية بشاحنة    تطاوين: البنك التونسي للتضامن يقرّ جملة من التمويلات الخصوصية لفائدة فلاحي الجهة    بمشاركة اكثر من 300 مؤسسة:تونس وتركيا تنظمان بإسطنبول أول منتدى للتعاون.    رولان غاروس: إسكندر المنصوري يتأهل الى الدور الثاني لمسابقة الزوجي    الشايبي يُشرف على افتتاح موسم الأنشطة الدّينية بمقام سيدي بالحسن الشّاذلي    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 2 جوان    آخر مستجدات قضية عمر العبيدي..    الانتقال الطاقي: مشروع للضخ بقدرة 400 ميغاواط    انتخاب التونسي صالح الهمامي عضوا بلجنة المعايير الصحية لحيوانات اليابسة بالمنظمة العالمية للصحة الحيوانية    رولان غاروس: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة 34 عالميا    حادث مروع بين حافلة ليبية وشاحنة في صفاقس..وهذه حصيلة الضحايا..#خبر_عاجل    بعد الظهر: أمطار ستشمل هذه المناطق    جبنيانة: الإطاحة بعصابة تساعد الأجانب على الإقامة غير الشرعية    الرابطة المحترفة الأولى: مرحلة تفادي النزول – الجولة 13: مباراة مصيرية لنجم المتلوي ومستقبل سليمان    الأوروغوياني كافاني يعلن اعتزاله اللعب دوليا    عاجل/بعد سوسة: رجة أرضية ثانية بهذه المنطقة..    إلغاء بقية برنامج زيارة الصحفي وائل الدحدوح إلى تونس    تونس والجزائر توقعان اتفاقية للتهيئة السياحية في ظلّ مشاركة تونسية هامّة في صالون السياحة والأسفار بالجزائر    بنزرت: الرواية الحقيقية لوفاة طبيب على يدي ابنه    الإعلان عن تنظيم الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024    منبر الجمعة .. لا يدخل الجنة قاطع صلة الرحم !    مواطن التيسير في أداء مناسك الحج    من أبرز سمات المجتمع المسلم .. التكافل الاجتماعي في الأعياد والمناسبات    شقيقة كيم: "بالونات القمامة" هدايا صادقة للكوريين الجنوبيين    محكمة موسكو تصدر قرارا بشأن المتهمين بهجوم "كروكوس" الإرهابي    مدينة الثقافة.. بيت الرواية يحتفي ب "أحبها بلا ذاكرة"    الدورة السابعة للمهرجان الدولي لفن السيرك وفنون الشارع .. فنانون من 11 بلدا يجوبون 10 ولايات    عندك فكرة ...علاش سمي ''عيد الأضحى'' بهذا الاسم ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديموقراطية النيجيرية فوق صفيح الفساد والصراعات العرقية... والعسكر


توفيق المديني
نالت نيجيريا استقلالها عن بريطانيافي 1 أكتوبر عام 1960,و يبلغ عدد سكانها مايقارب 140 مليو ن نسمة ,و تبلغ مساحتها 924000 كيلو متر مربع. ففي هذا البلد ذو الاكثرية المسلمة يتحرك بحر من المجمو عات الاثنية الكبيرة التي تعتقد أديانا تو حيدية ووثنية لا حد لها. و يتوزع السكان في نيجيريا وفق نسب تقارب 47% من المسلمين( خصوصا في المناطق الشمالية)و 34% من المسيحيين, و19%من أتباع الديانات الاغريقية التقليدية.
وتتميز التركيبة الاثنية في نيجيريا بنوع من التعقيد,فالشمال مسلم تقطنه قبائل ا"لهوسا/الفولاني" و التي تمثل 31%من سكان نيجيريا. و ينتمي مسلمو مناطق الشمال الى الثقافة الاسلامية في الساحل الافريقي الغربي منذ بداية القرن التاسع عشر,و هم يعتمدو ن تقليديا قضاء شرعيا ويقيمو ن مركزا خاصالطبقة ارستقراطيةمنبثقة من حملات الجهاد التي قامت في القرن الماضي. و هناك قبائل" اليوربا" التي خرجت بديانة خاصة بها هي خليط من المسيحية و الاسلام و الطقوس الوثنية, وتمثل 30% و تقطن الجنوب الغربي و لاغوس.
فقبائل " اليوربا"تضم أكثر من ثلاثين مليو ن شخص و ينتمي اليها أبيولا المسلم, معرو فة بأن غالبيتها من المسيحيين, و معرو ف من جهة أخرى أن مسلمي المناطق الجنو بية الذين اعتنقو ا الاسلام في عصرحديث , و في أيام السلم, هم أقل تمسكا بالتميز الاسلامي من مسلمي المناطق الشمالية.و"الايبو"و تمثل 17% و تقطن الجنو ب الشرقي, و سبق أن حاولت هذه القبائل الاستقلال مابين 1967-1970, مما فجر حربا اهلية عرفت بحرب بيافرا التي قادها الجنرال المتمرد "أوجو كيو"، وأودت بحياة مابين 600ألف و مليون شخص.و يضاف لما سبق إثنيات أخرى صغيرة ليصبح اجمالي عدد الإثنيات التي تتكون منها نيجيريا250 إثنية لم يو حدها معا سوى قبضة الاستعمار, و سواء هذا أوذاك فإن أي منهم لم ينجح في بناء الدولة القوميةNATION-STATEفي نيجيريا.
منذ الاستقلال , سيطرأبناء الشمال على السلطة في نيجيريا, و استخدموا هيمنتهم على المؤسسة العسكرية في تكريس هذه السيطرة.أما الدولةالنيجيرية فهي من طبيعة فيدرالية, و يحكمها نظاما رئاسياقائما على ثنائية التمثيل, أي يقضي بو جو د مجلسين لتمثيل الشعب: البرلمان و مجلس االشيوخ . وتتكون الدولة الفيدرالية النيجيرية من 36 ولاية و 587 من الاقضية أي الادارات المحلية. و كانت الجمهورية الأولى التي ترأسها زعيم الشمال"تافواباعليو" من 1960 الى 1966, تعاني من عدم تو فر الكادرو عدم الاستقرار السياسي و الإداري, فيما كانت حالة الاتحاد الفيدرالي تترسخ و سط الخصومات القبلية, الامر الذي جعل العسكر يتطلع إلى السلطة بشهيةلا تقاوم. فهو القوة الوحيدة المنظمة في البلاد الى جانب كو نه يمثل النو اة الأساسية للانصهار الاجتماعي.
1- عنف و ترهيب وتزويرفي انتخابات نيجيريا
في 21 أبريل /نيسان الجاري كانت نيجيريا على موعد مع التاريخ لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في آن معا، ودعي نحو 61.5 مليون ناخب لاختيار برلمانهم المقبل وخلف الرئيس أولوسيغون أوباسانجو الذي يتولى الحكم منذ عام 1999، في عملية وصفت بأنها تاريخية لأنها تشكل أول انتقال مدني للسلطة من رئيس مدني إلى آخر،منذ استقلال نيجيريا عام 1960.وكان النيجيريون يعتقدون أن هذه الانتخابات ستشكل منعرجا تاريخيا حاسما لجهة طي صفحة الماضي . لكن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ أن نيجيريا تتجه نحو "ديكتاتورية منتخبة" ، على حد قول أحد المرشحين للإنتخابات الرئاسية الثلاثة والعشرين ، الاقتصادي بات أوتومي.
وجرت الانتخابات الرئاسية بين عدد من المرشحين أهمهم عمرو يار آدوا حاكم ولاية كاتسينا الشمالية مساعد الرئيس الحالي أولوسيغون أوباسانجو.وتمكن نائب الرئيس عتيقو أبو بكر الذي حرمته اللجنة الانتخابية الوطنية من الترشح بدعوى الفساد من تقديم ترشيحه في نهاية المطاف بناء على قرار من المحكمة العليا.وكان أبو بكر انفصل عن حزب الشعب الديمقراطي الحاكم بزعامة الرئيس أولوسيغون أوباسانجو، وترشح عن حزب العمل.وترشح الجنرال محمد بخاري المنحدر أيضا من الشمال على غرار عمر يار آدوا، باسم حزب الشعب النيجيري.وكان الجنرال بو خاري ابن العائلة الفولاذية, و الذي كان وزيرا للطاقة في عهد حكو مة شاغاري,ينظر اليه على أنه "الرجل المنقذ" لعملاق افريقيا الذي بدا يتهاوى تحت ضربات الفساد و ارتفاع المديو نية و انخفاض عائدات النفط. فمنذ الانقلاب الذي أطاح بنظام الجنرال" محمد بخاري " في أغسطس عام 1985 ، بدا واضحا أن الجنرال "إبراهيم بابا نجيدا " عازم على تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد . فعمل على إصدار دستور جديد في عام 1989 تضمن الكثير من التفاصيل والوسائل المختلفة لضبط السلطات في ظل نظام رئاسي ، مع تحديد قواعد العمل الحزبي الذي اقتصر على وجود حزبين كبيرين فقط هما الحزب الديمقراطي الاجتماعي ، والحزب الوطني الجمهوري ، اللذين تم تشكيلهما من دون أي استشارة ديمقراطية ، فضلا عن أن برنامجيهما يخدمان بشدة توجهات الحكومة العسكرية .
وعمل نظام الجنرال إبراهيم بابا نجيدا العسكري على فرض المزيد من القيود على عملية التطور السياسي في اتجاه ارساء الديمقراطية ، عندما تم اخماد محاولة انقلاب فاشلة في 22 نيسان عام 1990.وحين جرت الانتخابات الرئاسية في موعدها المحدد 12 حزيران 1993 ، وفي وجود ديمقراطي سليم ، وكان ابيولا على وشك الفوز بها ، رفض الجنرال ابراهيم بابانجيد التخلي عن السلطة، وسارع إلى الغاء تلك الانتخابات الرئاسية . وكان الجنرال ساني أباتشا قد انقض على السلطة في 17 نوفمبر من عام 1993 في انقلاب أبيض أطاح بالجنرال والرئيس الأسبق ابراهيم بابا نجيدا . وبالمقابل اعتقل مشهود أبيولا الملياردير الجنوبي المسلم عام 1994 من دون أية محاكمة ، بعد أن أ علن نفسه كرئيس لنيجيريا ، استناداً للانتخابات التي جرت في عهد بابا نجيدا.
المفاجأة في هذه الانتخابات الرئاسية الأخيرة ليس فوز الحزب الحاكم ، و إنما في حجم هذا الفوز.إذ أعلنت اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات في نيجيريا فوز مرشح حزب الشعب الديمقراطي الحاكم عمر موسى يارادوا رئيسا للبلاد, وسط موجة تنديد دولي بعدم نزاهة العملية وافتقارها للديمقراطية والشفافية.وقال رئيس اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة موريس لو إن حاكم ولاية كاتسينا حصل على 24638036 صوتا مقابل 6605299 صوتا لأقرب منافسيه محمد بوهاري من حزب الشعب النيجيري. ويذكر أن الرئيس النيجيري الحالي أولوسيغون أوباسانجو هو الذي رشح يارادوا ليصبح خليفة له بعد فشله في تغيير الدستور للسماح له بتولي فترة رئاسة ثالثة.
هناك إجماع محلي و دولي أن الانتخابات النيجيرية الأخيرة ، شابتها مخالفات عديدة ، منها أنها لم تبدأ في الوقت المحدد وشهدت نقصا في بطاقات الاقتراع وترهيب واسع للناخبين والاستيلاء على صناديق الاقتراع وشراء الأصوات. فقد تواطأت الحكومة النيجيرية ومسؤولو الانتخابات في عمليات التزوير والعنف التي شابت الانتخابات الرئاسية في بعض المناطق، و التي خلفت 200 قتيلا على الأقل ،وذلك في الفترة الممتدة بين ال14 وال21 من أبريل/نيسان الجاري.
وقال ماكس فان دين بيرغ كبير مراقبي الاتحاد الأوروبي في البيان الذي رفعه ،أن لجوء أعضاء بعض الأحزاب السياسية إلى العنف خلق أجواء من الرعب والتخويف رافقت سير العملية الانتخابية. وقال البيان إن الاتحاد الأوروبي يشدد على حق الإنسان في الحياة والديمقراطية، ووصف مراقبوه الانتخابات في نيجيريا بأنها "بعيدة عن المعايير الدولية".وأضاف فان دين بيرغ في مؤتمر صحفي عقده في أبوجا أن الانتخابات كانت "تفتقر إلى التنظيم والشفافية, كما أن الاتحاد الأوروبي يملك أدلة دامغة تؤكد حصول تزوير وخاصة خلال عملية جمع الأصوات وإعلان النتائج وسحب رخص التصويت من الناخبين المسجلين وغياب الشروط المتساوية للمتنافسين".
وفي أول رد فعل له على هذه التقارير قال البيت الأبيض في واشنطن إنه "قلق للغاية من أعمال العنف التي رافقت الانتخابات, ودعا كافة الفرقاء إلى ضبط النفس".وقال المتحدث باسم البيت الأبيض غوردون جوندرو "نحن قلقون للغاية مما رأيناه نهاية الأسبوع الفائت, لقد دعونا إلى انتخابات عادلة وحرة, ولست متأكدا من أن هذا ما حصل عليه الشعب النيجيري, نحن في انتظار المزيد من المعلومات".
وقد اعترف الرئيس النيجيري بأن الانتخابات التي شهدتها البلاد "لا يمكن اعتبارها مثالية", لكنه ناشد النيجيريين مواصلة الثقة في العملية الديمقراطية". وأضاف أن النتائج لم تبتعد كثيرا عن التوقعات, وناشد كل من لم يرض عنها اللجوء للسبل القانونية.
وفي المقابل شكك مرشح المعارضة الجنرال محمدو بوهاري بنتائج الانتخابات الرئاسية، ووصفها بأنها الاسوأ في تأريخ البلاد.كما شكك المرشح الرئاسي الآخرعتيق أبو بكر نائب الرئيس بها، بعد أن حصل على نسبة 2،6 مليون من الأصوات، واعتبرها غير نزيهة وغير ديمقراطية.وبدورها طالبت أكبر جماعة نيجيرية محلية لمراقبة الانتخابات بإلغاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإعادة إجرائها خلال ثلاثة أشهر, ووصفت العملية بأنها مسرحية من ترتيب الحكومة. وخرج مئات الشباب إلى شوارع مدينة كانو التي تعد معقلا للمعارضة شمالي البلاد احتجاجا على نتائج الانتخابات.
ودعاائتلاف يضم عشرين حزباً سياسياً نيجيرياً معارضاً بينها أبرز حزبين في البلاد الأربعاء إلى تنظيم تظاهرات كثيفة، ولكن سلمية ابتداء من الأول من مايو/أيار للمطالبة بإلغاء انتخابات ابريل/نيسان التي اعتبروها مزورة.كما دعا ائتلاف من 16 منظمة غير حكومية إلى التحرك بكثافة للمطالبة بإلغاء انتخابات الولايات والانتخابات الرئاسية التي نظمت في 14 و21 ابريل/نيسان. ويضم الائتلاف كذلك حزب كل شعوب نيجيريا بزعامة الجنرال محمد بخاري، الذي ترشح هو أيضاً للرئاسة.
2-تراجع الديمقراطية في نيجيريا
السمة الرئيسة المأخوذة عن الانتخابات النيجيرية ، سواء منها المحلية ، أو الرئاسية، أنها كانت كاريكاتورية ، وشابتها العيوب كلها المعروفة في البلدان المتخلفة، وعبرت عن تراجع الديمقراطية في نيجيريا،و أسهمت من دون شك في أن يضع الرئيس المنتهية ولايته أولوسيجون أوباسانجو خليفته مكانه لكي يظل يتحكم بمقاليد الحكم من بعيد.
رغم أن إفريقيا تعيش منذ منتصف الثمانينات مرحلة تحول جديدة نحو الديمقراطية التعددية، اتضحت ملامحها في تزايد المطالب الشعبية المنادية باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ، وبإضفاء الطابع الديمقراطي على مؤسسات الحكم و السياسة ، و في تزايدالضغوط الغربية بزعامة الولايات المتحدةالاميركية, التي تطالب بضرورة تحويل ممارسة النشاط السياسي في دول العالم الثالث الى العمل تحت مظلة الديمقراطية الغربية ، فإن نيجيريا لم تستطع أن تحقق انتقالا سلسا للسلطة.
وعلى الرغم من كل ذلك,بدأت معالم الديمقراطية الغربية تغزو أرض نيجيريا,بصورة عرجاء,لاستنادهافقط على و عود الحاكم العسكري, باحترام نتائج الانتخابات, دون ضمانات برلمانية يكفلها الدستور, و دون مراعاة للتقاليدالشعبية المتوارثة,التي تربط دستورية السلطة و شرعيتها,بانتماء الممارسين لها أو الفائزين بها, إلى قبيلتي الهوسا او الفلاتي, المسلمتين في الشمال,بحكم تمثيلهما للأغلبية الساحقة من الشعب النيجيري.
وكان الرئيس أوليسيغون أوبا سانجو الذي انتخب في السابع والعشرين من شهر شباط 1999، و أعيد انتخابة مرة ثانية في عام 2003 ،يفتخر بأنه رئيس الدولة العسكري الوحيد الذي حكم نيجيريا طيلة فترة ( 1976 – 1979 ) ، وسلم السلطة إلى المدنيين في التاريخ المحدد عام 1979 . وكانت معرفته الجيدة بالعسكريين جعلته الوحيد القادر على تأكيد استمرارية وتدعيم أواصر التحول إلى الديمقراطية في نيجيريا ، خصوصاً وان هذا التحول الديمقراطي محكوم بعدة عوامل أساسية لعل أبرزها ضمان مصالح المؤسسة العسكرية المهيمنة ، التي تصر على ضرورة استمرار سيطرة الجيش على عملية التحول ، وان تم ذلك بشكل غير مباشر ، ومن خلال شخصية عسكرية في رداء مدني .
لكن المحللين يقولون أن هناك عقبات أساسية اعترضت الرئيس أوباسانجو عند تسلمه السلطة ،
أولاً : ميراث الحكم العسكري الطويل، حيث توجد عدة تيارات داخل المؤسسة العسكرية لها مواقف متباينة ومتفاوتة الحدة من موضوع برنامج الاصلاح وعملية التحول إلى الديمقراطية والانتقال نحو الحكم المدني . فالجيش يريد أن يكون له دور يمكنه من المحافظة على رقابة معينة لشؤون البلاد ، لا سيما حول عملية إعادة هيكلة الدولة ، التي جوهرها التخلص من التسلطية والتحول من نظام هيمنة عسكرية إلى صيغ أكثر ديمقراطية في الحكم .
ثانيا :التركيبة العرقية في نيجيريا ، حيث تسيطر قبائل الهوسا المسلمة على الجيش والسلطة في نيجيريا رغم وجود 250 جماعة أثنية أخرى . ويشعر أبناء الجنوب المسيحي بالغبن والاضطهاد من هيمنة الشمال المسلم الذي يوظف المؤسسة العسكرية حسب وجهة نظرهم لترسيخ احتكار قبائل الهوسا الشمالية مصادر القوة الاقتصادية والسلطة في نيجيريا .
ثالثا :الأزمة الاقتصادية ، فعلى الرغم من أن نيجيريا تحتل المرتبة الخامسة في قائمة البلدان المصدرة للبترول في العالم ، إذ يقدر انتاجها ما بين 2.2 و3 ملايين برميل يومياً من الآن وحتى العام 2007، قبل أن ترفعه إلى 4.42 مليون برميل في العام 2020، وتلقب غالبا ب"عملاق إفريقيا "، فإن نيجيريا مهددة بالانفصال، جراء شمولية الفساد المنتشرفي أجهزة الدولة،ولدى الشركات النفطية العاملة في البلاد. فمنذ بداية إنتاج النفط،تم تحويل ما يقارب مبلغ 352 مليار دولار من عائداته ، إلى جيوب وأرصدة مافيات الفساد، أي ما يعادل أربع مرات حجم المساعدات الغربية لإفريقيا طيلة العقود الأربعة الأخيرة.إضافة إلى ذلك ، فإن الصراعات الطائفية و العرقية تهدد وحدة البلاد،بسبب انقسامها بين شمال زراعي يقطنه سكان مسلمون في غالبيتهم ،إذ يتم تطبيق الشريعة الإسلامية في عدد من ولاياته، و بين جنوب مسيحي و غني بالنفط.ورغم هذه العائدات النفطية الضخمة، فإن نيجيريا تحتل المرتبة ال159 على مستوى الصحة، من أصل 177 بلدا- في قائمة التنمية الانسانية التابعة للأمم المتحدة.
لهذه الأسباب مجتمعة ، تواجه عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا تحديات داخلية وخارجية كبيرة ، يتطلب من الرئيس المدني الجديد إعادة ترتيب وتنظيم البيت النيجيري من الداخل، عبر اضطلاع مؤسسات المجتمع المدني بعبء قيادة عملية التحول هذه ، باعتبارها البديل الاستراتيجي لاخراج نيجيريا من قمقمها بعد خمسة عشر سنة من الحكم العسكري التسلطي الذي ترك وراءه أزمات مستعصية ،عجز الرئيس المنتهية ولايته عن حلها.
كاتب تونسي
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.