عاجل/ هذا ما تقرر في حق برهان بسيس ومراد الزغيدي..    رجة أرضية بهذه الولاية..#خبر_عاجل    الأونروا يكذب ادعاء الاحتلال بوجود مناطق آمنة في قطاع غزة    انشيلوتي.. مبابي خارج حساباتي ولن أرد على رئيس فرنسا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    حوادث: 07 حالات وفاة و اصابة 391 شخصا خلال يوم فقط..    طقس الأحد: الحرارة في ارتفاع    وفاة مفاجئة لنائب المستشار السويسري في الجبال    وزير الخارجية يلتقي عددا من أفراد الجالية التونسية المقيمين بالعراق    مظاهرات حاشدة في جورجيا ضد مشروع قانون "التأثير الأجنبي"    تنفيذ بطاقة الجلب الصادرة ضد سنية الدهماني: ابتدائية تونس توضّح    أزعجها ضجيج الطبل والمزمار ! مواطنة توقف عرض التراث بمقرين    عاجل : برهان بسيس ومراد الزغيدي بصدد البحث حاليا    وزير الشؤون الخارجية ووزير النقل العراقي يُشددان على ضرورة فتح خط جوي مباشر بين تونس والعراق    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    تطاوين: إجماع على أهمية إحداث مركز أعلى للطاقة المتجددة بتطاوين خلال فعاليات ندوة الجنوب العلمية    النادي الافريقي: فك الارتباط مع المدرب منذر الكبير و تكليف كمال القلصي للاشراف مؤقتا على الفريق    النادي الافريقي - اصابة حادة لتوفيق الشريفي    بطولة الاردن المفتوحة للقولف - التونسي الياس البرهومي يحرز اللقب    سليانة: الأمطار الأخيرة ضعيفة ومتوسطة وأثرها على السدود ضعيف وغير ملاحظ (رئيس قسم المياه والتجهيز الريفي)    مع الشروق .. زيت يضيء وجه تونس    سوسة: أيّام تكوينية لفائدة شباب الادماج ببادرة من الجمعية التونسية لقرى الأطفال "أس أو أس"    6 سنوات سجنا لقابض ببنك عمومي استولى على اكثر من نصف مليون د !!....    كيف قاومت بعض الدول الغش في الامتحانات وأين تونس من كل هذا ...؟؟!!.    مصادر إسرائيلية تؤكد عدم وجود السنوار في رفح وتكشف مكانه المحتمل    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    تنظيم الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية من 14 إلى 21 ديسمبر 2024    مهرجان الطفولة بجرجيس عرس للطفولة واحياء للتراث    انضمام ليبيا لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    مدير مركز اليقظة الدوائية: سحب لقاح استرازينيكا كان لدواعي تجارية وليس لأسباب صحّية    عاجل/ الاحتفاظ بسائق تاكسي "حوّل وجهة طفل ال12 سنة "..    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    أسعارها في المتناول..غدا افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك بالعاصمة    سليانة.. يحول مستودع لتخزين الغلال الى مستودع لتجميع محركات السيارات    القيادي في حركة "فتح" عباس زكي: " الكيان الصهيوني يتخبط لا قيادة له.. والعالم على مشارف تحول جديد"    الحرس الوطني يُصدر بلاغًا بخصوص العودة الطوعية لأفارقة جنوب الصحراء    لويس إنريكي.. وجهة مبابي واضحة    الجامعة التونسية لكرة القدم تسجل عجزا ماليا قدره 5.6 مليون دينار    عاجل : إيلون ماسك يعلق عن العاصفة الكبرى التي تهدد الإنترنت    رئيس الجامعة بالنيابة جليّل: اعجاب كبير بعمل الوحيشي وسنبقي عليه    استشهاد 20 فلسطينياً في قصف للاحتلال على وسط قطاع غزة..#خبر_عاجل    القصرين: بطاقة إيداع بالسجن في حق شخص طعن محامٍ أمام المحكمة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    مهرجان ريم الحمروني للثقافة بقابس.. دورة الوفاء للأثر الخالد    مسيرة فنية حافلة بالتنوّع والتجدّد...جماليات الإبدالات الإبداعية للفنان التشكيلي سامي بن عامر    الجزائر تتوقع محصولا قياسيا من القمح    البطولة العربية لألعاب القوى تحت 20 عاما : تونس ترفع رصيدها الى 5 ميداليات    بعيداً عن شربها.. استخدامات مدهشة وذكية للقهوة!    تونس تشدّد على حقّ فلسطين في العضوية الكاملة في منظمة الأمم المتّحدة    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في علاقة المفسِّر بالنصّ ... وجوه تجديد مناهج التفسير القرآني
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

كانت مقولة الإمام محمد عبده (ت 1323 ه - 1905م) التي لا ترى في القرآن إلاّ «كتاب هداية» منطلقاً فتح طريقاً جديدة للعلاقة بالنصّ القرآني. من ثم بدأت تتحدد للتفسير غاية مختلفة عما أرساه عموم المفسرين التقليديين من اهتمام رئيسي بالمسائل العقدية والتشريعية.
من هذا التوجّه تحدّد في نهاية القرن العشرين مسار مختلف أصبحت معه قدسية النصّ القرآني - في جانب منها - موصولة أساساً بإصلاح المجتمع ومرتبطة بالإنسان وأفقه وثقافته أي أن التوصّل إلى المعنى يتحقق بالجدل مع طاقات الإنسان وباعتبار فاعليّة واقعه الفكريّ والاجتماعيّ.
هذا المسار الجديد الذي أفاد من مقولة محمد عبده الإصلاحية التي كانت بمثابة الخطوة التجديدية الأولى لعلم التفسير.
جاءت الخطوة الثانية مع المفكر الهندي محمد إقبال (ت 1357 ه - 1938م) في حديثه عن «الوعي النبوي» المركّب من المبادئ التي تنهض عليها الحياة الاجتماعية للبشر جميعاً منزّلة على حالات واقعيّة موصولة بالعادات المميزة للأمة التي يعيش النبيّ بين ظهرانيها.
في هذا الطرح تواصل التركيز على رؤية جديدة للحقيقة المودَعة في النص القرآني. إنها الحقيقة المكنونة في القرآن الكريم التي تتكشف جوانبها ودلالاتها مع العصور وفقاً لارتفاع السقف المعرفي للأمم وامتدادها الثقافي. على ذلك يكون النص ثابتاً وأفهام الناس هي التي تتغير ويكون النص متبوعاً ولكن فهمه تابع للوعي الجمعي. إن أهمية ما كان أبرزه عبده من خلال مقولة « القرآن كتاب هداية» هو مغادرة للموقع الإطلاقي في فهم النص وذلك من طريق اعتبار الواقع بمشاغله ومعارفه مسلكاً ضرورياً لإدراك الحقيقة القرآنية. من جهة أخرى يكون القرآن دليلاً مرشداً مصاحباً للعقل في نشاطه المستمرّ لحلّ مشاكل ذلك الواقع يجده إلى جانبه كلّما استهداه في إنجاز تلك المهمّة.
ما قام به إقبال هو تأصيل لهذا الطرح حيث رأى في الشريعة التي أوحيت إلى الرسول (صلى الله عليه وسلّم) تركيباً من مبادئ عامة شاملة وتنظيماً لأمة معيّنَة تُتَّخذ منها نواة لبناء شريعة عالمية. إضافةُ صاحب «تجديد الفكر الديني» متمثلة في أن في الشريعة المنزَّلة بعدين متفاعلين: البعد العالمي الإنساني والبعد الخصوصي التاريخي. ملاحظة هذين البعدين اللذين يجعلان الأحكام الشرعية قائمة على امتزاج بين خصوصية ظروف الأمة التي نزلت فيها واتساع لِما تحتاجه الإنسانيّة في حياتها الاجتماعية، هذه الملاحظة ليست إلاّ ترسيخاً للقطع مع الفهم الوحيد للنص وتسويغاً لاعتماد مجالات معرفية أوسع عند التفسير.
من هذه الرؤية بخطوتيها المتكاملتين يمكن استحضار الحديث النبوي الذي أخرجه الترمذي عن الحارث الهمذاني والذي يصف فيه الرسول (صلى الله عليه وسلّم) القرآن المجيد بأنه: «حبل الله المتين والنور المبين والصراط المستقيم لا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء ولا يخْلُق من كثرة الردّ».
نتيجة لذلك تضحى إشكالية التجديد في التفسير مصوغة على الشكل التالي: لا تناقضَ بين القول إن دلالات النص القرآني لا تنحصر في زمان أو مكان وبين اعتبار أن النص وثيق الارتباط بالقرن السابع في الجزيرة العربية. بذلك لا يعود النموذج التطبيقي الأول قيداً يحول دون إبداع نماذج أخرى بل يضحى فاتحةً لتطبيقات تحقِّقُ علاقةً بين الواقع والمعنى بحيث تثبت مدى إمكان تطوّر هذا الأخير لاستيعاب أكثر من واقع.
ثم تأتي الخطوة الثالثة مع أمين الخولي (ت 1386ه - 1966م) أحد روّاد المدرسة الحديثة في التفسير في مصر الذي ركّز مقولة جديدة طوّرت نوعياً مقولة محمد عبده حيث اعتبرت أن القرآن الكريم هو «كتاب العربيّة الأكبر».
هذه المقولة تعتبر القرآن «الأثر الأدبيّ الأعظم الذي أخذ العربيّة وحمى كيانها فخلد معها وصار فخرَها وزينةَ تراثها». على هذا الأساس يوضع القرآن على مستوى يسمح بأن يتمثله من آمن به على أنه وحي صادق ومن لم يؤمن بذلك سواء كان مسيحيّاً أم وثنياً أم كان طبيعيّاً دهريّاً لا دينيّاً.
من ثم أمكن أن نسأل: كيف يمكن أن نوسّع دائرة الانتماء إلى النص القرآني بشكل لا يحجب عمن خالفنا في الاعتقاد رؤيةَ ما فيه من عناصر يمكن له أن يرتبط بها مُعلياً بذلك منزلة هذا الكتاب؟
مرة أخرى نجد أنفسنا ضمن علاقة الخصوصية بالعالمية لكن في سياق مختلف. إنّه واقع محلي وعالمي جديد لم يبق ممكناً معه إلغاء الآخر المختلف أو الزعم بأنه لا بد له للاغتناء بالرسالة الإسلامية من أن يتخلى عن كل خصوصياته الثقافية والعقدية.
هذا ما اعتنى به الخولي في كتابه «مناهج التجديد في النحو والبلاغة والتفسير» الذي أصدره سنة 1961 وفي الفصل الذي نشره في دائرة المعارف الإسلامية عن تفسير القرآن.
أهم ما أورده الخولي في هذين العملين ينتهي إلى الحاجة إلى تجديد علم التفسير. ما يقدّمه من تجديد لا يتأتَّى إلاّ بتجاوز المنهج التقليدي للمفسرين الذين يصرّون على صوغ علاقةٍ مع القرآن تحصر خطابه في الذين آمنوا به فقط والحال أنه جاء لمخاطبة الناس جميعاً مهما اختلف بهم الاعتقاد وافترق بهم الهوى.
هذا المنهج التجديديّ الذي أطلق عليه اسم «التفسير البياني للقرآن» اعتمد إلى جانب الخاصية اللغوية محورين أساسيين هما:
1- الخاصية «التاريخية – الثقافية» التي تهتمّ بما يتّصل بالبيئة التي نزل فيها القرآن سواء كانت بيئة ماديّة (تضاريس، مناخ) أو معنويّة (تاريخ، عادات، أعراف). ذلك أنّ «روح القرآن عربيّة وأسلوبه عربيّ ولا يمكن النفاذ إلى دلالاته إلا بمعرفة تلك البيئة العربيّة الماديّة والمعنويّة».
2- الخاصية «الموضوعية» هي الوسيلة الضرورية الثانية للفهم والتجديد وتنطلق من أن وحدة المصدر القرآني توازن الجانب التاريخي الاجتماعي وتتجاوزه. معها لا يضحى النص وثيقة تاريخية فاقدة للمعنى والاتجاه. هذه الخاصية الثانية تُلزم المفسر المجدد أن يتعامل مع النص القرآني على اعتبار ما فيه من مواضيع متعددة وأحكام وأمثال وقصص لكنه التعدد الذي يظل على رغم ذلك وبفضله نصّاً له وحدة موضوعية دافعة وشاملة لعموم جوانبه وأجزائه.
من تكامل هذين الوجهين يمكن لنا القول إن الخطوة الثالثة لهذا المسار الجديد في التفسير بلورت ما بدأت به مقولة محمد عبده الإصلاحية. لقد وقع تأصيل هذا التوجّه مع إقبال في مقولة الوعي النبوي وما سمّاه عقيدة ختم النبوّة. إنها المقولة التي تلحّ على الحراك النوعي للتاريخ الذي يجعل نبوءة محمد (صلى الله عليه وسلّم) نهاية عصر وبداية آخر: أي استمراراً للعالم القديم باعتبار مصدر الرسالة وبداية لعالم حديث الذي ولد معه العقل الإنسانيّ الاستدلالي وظهرت فيه ملَكة النقد والتمحيص.
استفاد بعد ذلك أمين الخولي من هذا المسار المؤدي إلى جدل المعنى والتاريخ، المعنى الذي لا ينحصر في الزمان والمكان والوضع التاريخي الذي صيغ فيه النص القرآني.
من كل هذا السعي ندرك القطيعة مع الرؤية المثالية التي تتصوّر الحقيقة خارج حركية التاريخ والعالَم. إنها رؤية مغايرة تقوم أساساً على نوع جديد من علاقة المفسر بالنص وعلى توسيع الدائرة المرجعية التي ينبغي أن يعتمدها المفسّر في فهم النص.
* باحث وكاتب من تونس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.