أحيي في الأخ الفاضل والكريم د.خالد الطراولي غيرته على المشروع الوطني والوسطي والاسلامي وأنوه الى جمالية تحرك النخبة الاسلامية التونسية هذه الأيام للتفاعل الراقي في حوارات ذكرتني في حيويتها وكثافتها بحقبة المطارحات على جريدة الرأي التونسية فترة الثمانينات من القرن الماضي . أنطلق مجددا من أهمية أن تتدافع الأطروحات والتصورات في موضوع المصالحة الوطنية هذه الأيام أو غيرها من الموضوعات, وأود الاشارة الى أننا من خلال حوارنا مع الأخ الفاضل الدكتور محمد الهاشمي الحامدي لم نكن قط بصدد كسر عظام ,أو تصفية حساب مع أحد ,فالدكتور الحامدي يبقى أخونا مهما اختلفنا معه ونرجو من الله تعالى له ولجميع أبناء هذا الوطن العزيز الهداية والتسديد الى أقوم السبل وأرشدها . جدير بالذكر أيضا أن حساسية الموضوع المطروح وتداعياته الخطيرة على الساحة التونسية ارتفاعا وترقية وتطويرا واصلاحا أو على العكس من ذلك انتكاسا واطالة للأزمة وتعميقا لمراوغات الاستبداد , هو الذي دفعنا الى الصدع برأينا في هذا الموضوع الخطير عبر سلسلة من التحليلات والحوارات والمقالات والسجالات والتقارير الاخبارية التي تحرينا فيها الصدق والموضوعية في السرد من باب الاحاطة الشاملة بتطورات الوضع السياسي والحقوقي التونسي في زمن عرض التنازلات عبر العرائض أو ماشابهها من البيانات التي انزعجنا لتقديمها بالطرق المنكسرة أو المتملقة وفي زمن نتشوف عبر محطاته الى فرض الحريات والاصلاح من منطلق الحق والواجب القانوني والدستوري وليس من باب التسول وطلب الصدقات . وحينئذ فاننا لانريد للأخ الفاضل الدكتور محمد الهاشمي الحامدي الا القفز من على ظهر العربة البخارية المشبوهة التي ركبها ظانا عن حسن نية أو عن سوء تقدير بأنها موصلة الى بر الاصلاح والتطوير والتغيير ... قد نكون قسونا على الأخ الحامدي من خلال استعمال ألفاظ الاصرار على ركوب العربة البخارية المشبوهة أو الترويج للبن مغشوش في سوق تعج بالمحاسبين وأدوات الرقابة على اللبانين , أو من خلال مطالبته بالكشف عن الجهة التي أوعزت له بفتح موضوع المصالحة المغشوشة في مثل هذا التوقيت الذي يشهد تصاعدا غير طبيعي في الخروقات الحقوقية والسياسية التي لن يستمرئها التونسيون والتونسيات مهما قيل عن تطبعهم مع الوضع الحالي ..., غير أن مقصدنا في كل هذا هو دفع الأخ الكريم دكتور محمد الهاشمي الى النأي بنفسه عن أجنحة مراوغة داخل السلطة توهمنا كل مرة بقرب ساعة الفرج والانفتاح ولكنها تشفعنا في كل مرة يطرح فيها هذا الموضوع ضربا ولكما واعتقالا وتعذيبا يصل الى حد اتلاف الذاكرة الفردية والجماعية ... المتأمل في واقع الساحة التونسية لايمكن أن يخرج الا بقناعة أن هذا البلد الامن المطمئن ,محكوم بصمت القبور المفروض على أهله من خلال اشاعة الرعب والترهيب والتخويف بماكينة تعذيب وحشية تفعل فعلتها السادية الشاذة في كل موسم سياسي جديد بعيدا عن أعين البرلمانيين والمستشارين ورجال السياسة ورجال الحركة الحقوقية ورجال الاعلام ...,حيث تنقسم تونس الى فضاءين مسرحيين غير متشابهين ,أولهما بمثابة واجهة بلور خارجية تزين بالعرائس ونجوم المهرجانات الصيفية وعروض الأزياء من طراز ونجوم السينما والفن ومجسمات الفنادق السياحية الممتدة على شريط رملي ذهبي ساحر .., وبالمقابل هناك فضاء مسرحي تونسي ثاني مخفي وراء كواليس واجهة العروض البلورية , حيث يقبع المئات من شباب تونس وراء قضبان حديدية صدئة وسميكة ويتخفي وراء جثثهم وأجسادهم الصامدة والنحيلة طاقم من الجلادين المتخفين وراء ملابس فاخرة وياقات وقمصان تعكس من لمعانها مشهد واجهة العروض البلورية الفاخرة لتونس الجميلة ... مشهدان متناقضان لواقعين ركحيين لايمكن تقديم فصل منهما دون عرض تفاصيل المشهد الثاني والا فسدت البنية القصصية للمسرحية السياسية التونسية ... ان المخرج أو المعلن لفصول عرض المسرحية التونسية لايمكن اطلاقا أن يقدم للمشاهدين فصلا واحدا دون أن يقدم للمتابع تفاصيل المشهد الثاني , وهو ماأظن أن الاخوة الكرام الأستاذ خميس بن على الماجري والدكتور محمد الهاشمي الحامدي وبدرجة أقل أخونا الفاضل والصديق العزيز الدكتور خالد شوكات قد وقعوا فيه حين حملوا مسؤولية الأزمة السياسية في تونس الى حزب معارض ارتكب بلاشك أخطاء سياسية قد تكون فادحة غير أنها لاتبرر اطلاقا الفصل الثاني من المسرحية حيث تونس المحروسة التي تتخفى وراء أناقة الملابس الفاخرة وهامات وقامات المعتقلين السياسين الذين جردوا من حقهم في الادمية ولاأقول المواطنة حين وقع تغييب صوتهم وحقوقهم وأرواح بعضهم وكرامة عوائلهم وراء سراديب وأبراج وأقبية لاتليق بتونس الحضارة والعراقة والثقافة والكرامة التي ضحت من اجلها أجيال دفعت من أجسادها ومهجها وأرواحها ثمن الاستقلال .. هذه ببساطة مشكلتنا مع ماطرحه الأخ الدكتور محمد الحامدي الذي نعتذر لديه ان قسونا أو أسأنا ونرجو منه أن يفهم الرسالة على أنها رغبة صادقة منا في تصحيح مساراته الاعلامية والسياسية التي استدرج لها البعض من اخوانه دون أن تعود عليه وعلى الوطن بأدنى فائدة غير تشويه صورته واضعاف الصف السياسي الوطني المعارض وتقديم هدايا مجانية للاعبي الفصل الأول والثاني من المسرحية التونسية . نقاط نضعها على الحروف من أجل قراءة سليمة لنص حواراتنا وسجالاتنا ومواقفنا في موضوع وطني حساس لم نرد تحويله الى ساحة لتصفية حسابات أو لمعركة تهدف الى كسر العظام , بقدر ماأننا رجونا فيه الارتقاء بالحوار وتجذير مطالب الاصلاحيين من باب الحق القانوني والدستوري والانساني والوطني الذي لاينبغي اخضاعه مطلقا للهواتف والفاكسات أو نظام العلاقات العامة أو امتيازات رجال المال والأعمال أو نظام الصدقات السياسية التطوعية التي تسقط باعراض الحاكم عنها وتتوجب بتسول الرحمة والشفقة وطلب الغفران . حرر بتاريخ 28 ماي 2007-12 جمادى الأولى 1428 ه . ينشر بالتزامن على مجموعة من الصحف والشبكات الاخبارية *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية [email protected] مقالات وتحاليل للكاتب متعلقة بالموضوع : 1- الغيرة الوطنية ليست كسرا للعظام وانما تصحيح للمسارات 2- دعوة الى التطهر الاعلامي 3-تونس : المصالحة العرجاء على طبق سياسي مسموم...! 4-كلمات للتاريخ أرفعها الى صاحب مجموعة المستقلة : بئس اللبن المغشوش !