اختتم زعماء مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى رسمياً قمتهم في هيليغندام بشمال شرق ألمانيا الأسبوع الماضي، بتحقيق اتفاق بشأن قضايا إيران والعراق وأفغانستان ولبنان وإقليم دارفور السوداني، التي أخذت نصيبها من الاهتمام. بينما استمرت نقاط التوتر بين روسياوالولاياتالمتحدة على خلفية الدرع المضادة للصواريخ، وبين موسكو والدول الغربية في شأن مصير إقليم كوسوفو الصربي، إذ تعارض روسيا الحليف الأكبر لصربيا معارضة شديدة وتهدد باستخدام فيتو ضد مشروع قرار تدعمه أمريكا وأوروبا سيبحثه مجلس الأمن قريبا، وينص على منح هذا الإقليم المتشظي عن يوغسلافيا استقلالا تحت إشراف دولي في مرحلة أولى. وحذرت روسيا قمة الثماني أن منح كوسوفو استقلاله سينشر الظاهرة إلى مناطق أخرى ويشجع الحركات الانفصالية، ولاسيما في جورجيا ومولدافيا المواليتين لموسكو، ومعروف أن كوسوفو تتولى إدارته اليوم الأممالمتحدة ويطالب بالانفصال عن صربيا منذ الحملة الأطلسية بقيادة أمريكا ضد ما كان يسمى يوغسلافيا في مايو عام 1999. وكان اللقاء الذي حصل بين الرئيسين الأمريكي جورج بوش والروسي فلاديمير بوتين على هامش القمة هو أهم ما في قمة هيلينغدام، بصرف النظر عن طبيعة البيان الختامي للقمة ككل. واقترح بوتين على نظيره الأمريكي إقامة قاعدة رادار مشتركة لرصد الصواريخ في أذربيجان، كحل للأزمة بين البلدين حول الدرع الصاروخية. وقال بوتين إنه تحدث مع رئيس أذربيجان إلهام علييف الذي وافق على إقامة قاعدة في بلاده يمكن استخدامها من قبل روسياوالولاياتالمتحدة. ورد بوش على اقتراح الرئيس الروسي بأنه اقتراح “مثير للاهتمام”، ونقل مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي عن بوش قوله “لتطرح هذه الخيارات للنقاش وندعو الخبراء لدراستها”. ليس من شك أن الدرع المضادة للصواريخ التي تريد الولاياتالمتحدة أن تنشرها شكلت أزمة جيوبوليتيكة كبيرة في بداية هذا القرن، وسمح لروسيا بالعودة لاعباً دولياً أساسياً على الساحة الدولية، بأدوات مشابهة لتلك التي كانت تستخدم أيام الحرب الباردة مثل سباق التسلح، وحرب الجواسيس، إلى الصراع على النفوذ، إلى العودة مجدداً إلى استخدام مفردات كانت تستخدم أيام الاستقطاب الدولي الحاد الذي أعقب الحرب العالمية الثانية. ويهدف المشروع الأمريكي إلى إقامة محطة رادارات قوية على أراضي جمهورية التشيك في قاعدة عسكرية كانت تستخدم في السابق من قبل القوات السوفييتية، ونصب عشرة صواريخ في بولندا قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية، حيث تقول الولاياتالمتحدة إن نشر هذه المنظومة يستهدف حماية أراضيها وأراضي حلفائها من أي هجوم إيراني أو كوري شمالي محتمل. وتحولت قضية الدرع الصاروخية الأمريكية في أوروبا إلى مادة سجالية بين واشنطنوموسكو، إذ ردت هذه الأخيرة بالقول إن القدرات الصاروخية لدول مثل ايران وكوريا الشمالية لا تشكل تهديداً جدياً لأمريكا، وبالتالي فإن نشر “الدرع الصاروخية” الأمريكية على مقربة من حدود روسيا سيكون موجهاً ضد روسيا ذاتها. وفي الوقت الذي دافعت بولندا وتشيكيا عن الخطة الأمريكية لنشر عناصر من نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في أراضيهما، باعتبارها غير موجهة ضد روسيا الاتحادية، صعّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام من انعقاد قمة مجموعة دول الثماني في خطابه السياسي والإيديولوجي عبر استخدام المفردات الإيديولوجية التي كانت تستخدم في مرحلة الحرب الباردة، مثل استخدام عبارة “الإمبريالية” عندما كانت روسيا تريد أن تندد بالسياسة الأمريكية لفرض سيطرتها على هذا الجزء أو ذاك من العالم. ولم يجد بوتين ما هو أصلح من العودة إلى استخدام عبارة “الإمبريالية” “للتعبير عن رفضه للدرع الصاروخية الأمريكية التي تنوي أمريكا نشرها في أوروبا. واعتراض بوتين لا يقف عند حدود الكلام، بل تعداه إلى الأفعال، فكانت تجربة صاروخ “آر اس 24” العابر للقارات والمتعدد الرؤوس لإفهام واشنطن أن الدرع الصاروخية المنوي نشرها في أوروبا غير قادرة على الرد على مثل هذا النوع من الصواريخ. وقبل ذلك دشنت روسيا الغواصة النووية الأولى من الجيل الرابع والتي في إمكانها حمل 16 صاروخاً بالستياً والغوص على عمق 450 متراً. كما أن الطائرة العسكرية الاولى من الجيل الخامس ستقوم بتحليق تجريبي في نهاية 2008. وينبع الخوف والمعارضة من جانب روسيا لتعديل معاهدة حظر الصواريخ المضادة، الموقعة بين الزعيمين الراحلين بريجنيف ونيكسون في عام ،1972 من أن يؤدي أي تغيير أو إلغاء للمعاهدة إلى إفساد قدرة روسيا على توجيه الضربة الثانية الانتقامية ضد الولاياتالمتحدة في حال نشوب حرب بين الدولتين، فضلاً عن أن روسيا أصبحت عاجزة تكنولوجياً ومالياً على مجاراة الولاياتالمتحدة في سباق تسلح في الفضاء. وبالمقابل ينبع الخوف الأمريكي من أية هجمات صاروخية مفاجئة سواء كانت نووية أو جرثومية تستهدف الأراضي الأمريكية، من تنامي القدرات الصاروخية البالستية لدى دول أخرى، تصفها بالمتمردة على النظام الدولي الجديد، أو الخارجة على القانون. وإذا كانت العلاقات الأمريكية الروسية لن تخرج من المرحلة الصعبة التي تمر بها منذ عشر سنوات بسبب إصرار واشنطن على فرض إملاءاتها على موسكو، سواء لجهة الضغط المكشوف على موسكو بهدف إجبارها على التخلي عن تعاونها مع إيران في المجال العسكري التكنولوجي، وفي مجال القدرة النووية لأهداف سلمية، أو الضغط على مواقف روسيا من مسائل إقليمية أخرى، فإن المستهدف من نشر نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي هو الصين أيضا. أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.