إحدى وعشرون طلقة لإحدى وعشرين دورة من مهرجان الأدباء النّاشئين بالزّهور بتونس. وهو المهرجان الّذي تأسّس سنة 1986 بمبادرة من دار الثّقافة الطّيب المهيري بحيّ الزّهور (إحدى ضواحي تونس العاصمة) وبعزم راسخ من أحد الأقلام البارزة في السّاحة الثّقافيّة هو محمّد بن رجب، وبمعاضدة مدير الفضاء (المتقاعد حاليا) مصطفى الحنّاشي. على امتداد ثلاثة أيّام متتالية (29 و30 يونيو/حزيران و1 يوليو/تموز 2007) وتحت إشراف وزير الثّقافة والمحافظة على التّراث، كان لهواة الأدب موعد مع الكلمة، ومع الوفاء استهلّه الناقد محمّد المي بمداخلة ثريّة حول الّناقد أبي زيّان السّعدي تكريما لمسيرته النّقديّة الطّويلة. وفي نفس الخانة الاحتفائيّة، ألقى د. محمّد صالح بن عمر مداخلة ضافية حول صاحب "رحلة في العبير" الدّكتور الشّاعر نورالدّين صمّود في حين ألقى الشّاعر سمير العبدلّي مداخلة ثالثة في تكريم الشّاعر محمّد الهادي الجزيري. أمّا الشاعر يوسف رزوقة، الأمين العام لحركة شعراء العالم/ ممثّل العالم العربي، فقد ألقى بالمناسبة كلمة "شعراء العالم" وممّا جاء فيها: "إنّ حركة "شعراء العالم" الّتي انبعثت سنة 2005 بأميركا اللاّتينيّة، متّخذة من سانتياغو مقرّا لها، بمبادرة من أمينها العام الشّاعر الشّيلي لويس أرياس مانثو، أمكن لها، في زمن قياسيّ، أن تجمع شمل العائلة الشّعريّة، الموسّعة بانفتاحها على القارّات الخمس ليتموقع من ثمّة عبر أقسام بوّابتها النّاطقة بلغات شتّى 2400 شاعر من ضمنهم 700 شاعر، يمثّلون 22 دولة عربيّة". ثمّ توجّه رزوقة إلى الأدباء النّاشئين بنداء جاء فيه: "عشّاق الحرف.. ونحن إلى البحر، حيث الأنا نرجسة التّاريخ وبعدها الطّوفان، يلزمنا، الآن وهنا، كثير من الموت: حبّا وحلما. وتلزمنا لغة أخرى، كاسرة لمهاجمة الوحوش الجديدة، تلك الّتي قد تهاجمنا من حيث ندري، من دغل نحن نحرسه أو من خرائب أنفسنا الأمّارة كعادتها بالهروب إلى هاء المتاهة. لنذرع هذا الوجود الملغّم من ألفه إلى الياء بذراعين مفتوحتين لهبوب الّرياح اللّواقح. لإثارة فتنة الدّواخل: ثأرا من السّنوات العجاف. لنقطع دابر الذرائعيّة في النّصّ وفي الحياة سموّا واحتكاما عادلا إلى موضوعيّة بلا ضفاف. لنحلم على الأقلّ بنصوص عظيمة تكتبنا على النّحو الّذي تقتضيه المرحلة. لنصنع المعجزة – والمعجزة ليست معجزة – بالانتصار للأحياء من مبدعينا إيثارا ووفاء لرموز الإبداع. بمثل هذا الحبّ وهو أقوى الإيمان وأصدقه، نذلّل الحواجز (إن وجدت) وننتعل الطّريق السّالكة إلى حيث نريد معا وسويّا، إلى بيت القصيد، وبيت القصيد هو أن نكون معا وسويّا في الإبداع وفي الحياة. عشّاق الحرف.. لنحلّق عاليا وبعيدا وكفانا قفزا رديئا في المجهول." في اليوم الثّاني، تبارى الشعراء الشّباب أمام لجنة محكّمة تكونت من الأساتذة: نور الدّين صمّود، البشير المشرقي، نجاة العدواني عبد اللّه بن مصطفى، وقد تمّ من باب الوفاء وضع هذه الحصّة تحت اسم الشّاعر الرّاحل مصطفى خريّف. في حين تبارى القصّاصون الشّباب أمام لجنة محكّمة تكوّنت من الأساتذة: سمير العيّادي، آمال مختار، يوسف عبد العاطي، وقد وضعت هذه الحصّة، من باب الوفاء أيضا، تحت اسم الكاتب الكبير عبد القادر بن الحاج نصر. ملحمة الخاتم أو خوض في وضعيّة امرأة تعسّر وضعها أمّا اليوم الثّالث، فقد استهلّ بثلاث محاضرات حول الإبداع الأدبي والعمليّة النّقديّة، ألقاها كلّ من الأساتذة فوزي الزّمرلي، حسن قضوم، محمد بن رجب، مع وضع الحصّة تحت اسم الناقد المنجي الشملي. ثمّ دُعي الشّاعر يوسف رزوقة ليتلو على مسامع الحضور مقاطع من قصيدته الجديدة "ملحمة الخاتم: خوض في وضعيّة امرأة تعسّر وضعها" نورد منها هذا المقطع: الوضع ليس ملائما أبدا لأيّ تلاعب بمشاعر امرأة تعاني منذ "بئر أريس" وضعا خارج الموضوع ضاع الخاتم الأجداد ضاعوا كلّهم وكذلك الأحفاد ضاعت جنّة أولى وثانية وثالثة وضاع البحر بين يدي وحيد القرن ضاع المنجنيق وضاعت البصمات ضاعت في الحريق مدينة أولى وثانية وثالثة وضاع الخاتم، الإنسان والتّاريخ ضاع الخاتم، القسمات والينبوع ضاع الخاتم، المعنى الذّي فينا وفي الموضوع ضاع الخاتم، الكلمات والجغرافيا امرأة فقط ظلّت على قيد الحياة ومنذ بئر أريس وهي تعيش وضعا خارج الموضوع بل هي تلك زرقاء اليمامة أمعنت في سمل عينيها لترحل بين عاصمة وعاصمة وعاصمة وعا... عمياء ذاك أقلّ فداحة من رؤية امرأة تعسّر وضعها حتّى انحنى لصراخها نخل العراق وذاك، ثانية... أقلّ ضراوة من رؤية "السّيّاب" في تمثاله وقد انحنى ليلمّ بين شظيّة وشظيّة أشلاءه بل ذاك، ثالثة... أقلّ شراسة من رؤية الإنسان "رعد مطشّر" والآخرين فريسة التّمساح والمارينز. في المساء، أسفرت المسابقة الأدبيّة عن نتائجها عبر تقارير اللّجان المحكّمة لتؤول الجوائز إلى مستحقّيها على النّحو التّالي: في الشّعر، آلت الجائزة الأولي إلى نزار الحميدي عن قصيدته "السّماء مشوبة بعينيك"، وآلت الجائزة الثانية إلى عصام شرف الدين عن قصيدته "الزّهرة الحمراء"، في حين نال سالم الشرفي الجائزة الثّالثة عن قصيدة له بعنوان "أوّل المدائح/آخر المراثي". مع جوائز تقديرية لكلّ من سامي الذيبي، نزيهة السديري، لبنى المجادي. وفي القصة، آلت الجائزة الأولى إلى عبد الرزاق النور عن قصته "الكير"، وآلت الجائزة الثانية إلى سلوى المرداسي عن قصتها "البيت المهجور"، والثالثة إلى كريمة المرداسي عن قصتها "العري"، مع جوائز تقديرية لكل من صفاء متاع الله، رضوى الصالحي، فاطمة حليمي. وفي النّقد، رصدت جائزة يتيمة نالها صلاح الدين الدين حرّاث. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الدّورة قد كشفت عن ظاهرة لافتة تخصّ مشاركة بعض الأساتذة وحاملي الشهادات العليا في المسابقات الأدبية بروح رياضية عالية يمليها قانون اللعبة ومنطق التباري. كما كانت هناك قراءات شعرية تداول عليها، على امتداد أيام التظاهرة شمس الدين العوني، نجاة العدواني، نور الدين بالطيب، محمد الهادي الجزيري، ساسي جبيل وآخرون. هيام الفرشيشي تونس