يبدُو أنّ الخمولَ الذي يصيبُ الأجسادَ و الأذهان في صيف تونس الحار أصابَ مثقفيها و طبقتها المستنيرة ببهتة تسبقُ عادةً حالة الّصدمة التي تسبقُ بدورها حالة الشلل لِتُؤسِسَ لحالة من العجز المُستديم. وَ يبدوُ أنَّ بعضهم في غفلة و البعض الآخر تنازل عن دورهِ طوعا أو كراهية في لفت النظر لأمرٍ في غاية الخطورة ذو عواقب وخيمة على المدى القصير و المتوسط و البعيد على أمن البلاد و نهضتها, بل أستبقُ لِأقُولَ على تاريخها و حضارتها و دينها. لقد حسب البعض أنّ الحج إلى جربه لليهود القادمين من إسرائيل و من غيرها من البلدان أمرا عابرا في بدايته ,لكن تبيّن أنّ تلك الزيارات الحذرة كانت جسّ نبضٍ لردّ فعل الدّاخل لتصبح فيما بعد سّنة درج عليها الصهاينة مع من فتح لهم الباب من الداخل. و إذا كان اليهود المحليّون هٌم مواطنون تونسيون عاديون لمن اختار البقاء في الوطن و لم تستهويه أُسطورةُ أرض الميعاد , فإنّ القادمين إليها من الصهاينة من الذين أسّسوا الأساطير في القدس الشريف ومن المُنخرطين فيها ليُرَوِّجُوا لها كتاريخ لا يأتيهِ الشكُ من أمامه ولا من ورائه,و من المتواطئين و الخائنين داخليّا ,كلّ هؤلاء يتلاعبون بتاريخ و تضحيات و كرامة و أمن هذا البلد , و لم يكن لهذا الفيروس أن يلج جسد هذا الوطن بدون تواطئ داخلي في غاية السفالة و الحقارة و انعدام الرجولة حتّى لا نتحدّث عن الكرامة التي لا يعرفون لها طعما. و لقد بدأ المرض ينتشر برحلات عرضيّة إلى لغريبة بأعدادٍ قليلة في اختبار مقصودٍ خاضع للظرف السياسي والمُناخ العام و ردود الفعلِ ,لتأخذ فيما بعد طابعا رسميا لتصبح سّنةً يتدفّق من ورائها آلافُ الحجّاج لمكان لم يحجّوا إليه من قبل.ليطمئنّ بذلك الَماكرُون بعد أن أصبح الحجّ لجربه حقا عالميا لا ينازعهم فيه مُنازع . و الآن بعد أن ثبٌت مثالُ جربه في الأذهان و سلّمت به الأنفٌس يبدأٌ فصل جديدٌ من الأساطير مع مقبرة نابل كتتمّة لما سبقَ و كتأكيد لما سيأتي من أساطير أُخرى ستمتدُّ إلى مُدن و أماكن أٌخرى في تونس العاصمة,وسوسه و صفاقس. هي إذن محطة تقطعُ الشكّ و ُتعلن خُروج المارد الصهيوني من حبك المكائد في الخفاء إلى الفعل العلني الوقح الذي يهدّد أمن الوطن ومناعته و تٌنذر بفسادٍ لا يخفى على عين يطرحٌ أرضا ما بقيَ من الحياء في هذه الربوع. إنّ صناعة الأساطير و الأكاذيب و الأوهام و الترويج لها كأنهّا حقائق دامغة هي أساس أدبيات العقليّة الصهيونية و أذيالها فيخطئ من يظنّ أنّ هذا الفعلَ أمر عارض. فهل ستتحوّلُ مقابرَ اليهود في الوطن تونس إلى مقابر لدفن كرامة المواطن التونسي الغافل عن مكرِ ساسته و عنوانا للابتزاز و ثقبا ينفذ منه سمّ الطامعين والعابثين والمُلوّثين فكرا و طبعا ? إنّ اختيار الأهداف يتمٌّ بدقَّة فجربه و نابل كلاهما أماكن ساحلية ذواتُ مردود تجاري و اقتصادي وفير يبدُو أنّهُ أسال الُلّعابَ فالجشعُ صفة قارّة في العقل الصهيوني و أذياله. أن تختار السلطةُ قمعَ الرأي المخالف كسياسة للاستمرار في الحُكمِ فهذا شأنٌ ,أمّا أن تُصبحَ خيانة هذا الوطن و بيعُهُ للصهاينة بأبخس الأثمان سياسة فهذا شأن يفزعُ لهُ الصبيُّ قبل الشيخ و المرأة قبل الرجل و يتساوى في تقديره ذوي الفكر الدنيوي مع الفكر الديني ,والأغنياء مع الفقراء ,وأتباع الحزب الحاكم مع أتباع المعارضة , و الجاهل مع العالم . إنّ السير في هذا الخط خطأ لا يغتفرُ و تلاعبٌ مفضوحٌ بمستقبل الأجيال ... 24 أغسطس 2007