Titre    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    جندوبة: انزلاق شاحنة بالطريق الوطنية 17 بطبرقة    إمضاء اتفاقية تعاون بين وزارتي المالية والتجارة حول تبادل المعطيات والبيانات    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    المهدية: غرق مركب صيد بحري وعمليات البحث متواصلة عن البحارة    حريق بمنزل في نابل واسعاف طفلة..    تونسيات متوّجات عالميا...مازالت المرأة المبدعة تعاني الإقصاء الممنهج    سمير ماجول : '' إننا إذ نسجل بارتياح تحسن المؤشرات وعودة الإقبال على الوجهة التونسية ''    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    بطولة كرة السلة: النتائج الكاملة لمواجهات الجولة الأخيرة من مرحلة البلاي أوف والترتيب    بركان ينفت الذهب.. ما القصة؟    موجة حر شديدة في هذه المنطقة.. والسلطات تتدخل    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    يُروّج للمثليّة الجنسية: سحب كتيّب من معرض الكتاب بتونس    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    عاجل/بعد التحقيق معهما: هذا ما تقرر في حق الصحفية خلود المبروك والممثل القانوني ل"IFM"..    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    اللجنة الجهوية لمتابعة تطوير نظم العمل بميناء رادس تنظر في مزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس بن علي في حديث لمجلة «الحوادث» اللبنانية:نطمح إلى قطع أشواط جديدة على صعيد ترسيخ البناء الديموقراطي والتعددية السياسية

نشرت في عددها الأخير النص الكامل للحديث الخاص الذي كان أدلى به الرئيس زين العابدين بن علي للنقيب ملحم كرم.
كما تتولى مجلتا لا روفى دى ليبان ومونداي مورنينغ وصحيفة البيرق البيروتية هذا الأسبوع نشر النص الكامل للحديث.
أعتقد أن منجزات تونس في العشريّتين الأخيرتين أصبحت معروفة تشهد بها منظمات إقليمية ودولية عديدة وكل متابع نزيه. غير أن ما يعنيني في المقام الأول هو إحساس التونسيين جميعهم بأنها إنجازات غيّرت مجرى حياتهم نحو الأفضل.
فقد وفّقنا في مرحلة قصيرة نسبيا، في تكريس مشروع مجتمعي رسّخنا مقوّماته من خلال إصلاحات عميقة، تعاقبت حلقاتها لبناء دولة القانون والمؤسسات، وتكريس الحريات وحقوق الإنسان وإرساء التعددية ومجتمع الحوار والوفاق والتضامن، وفتحنا باب المشاركة أمام الجميع، وحقّقنا قفزة نوعية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية مكّنت التونسيين من مقوّمات المواطنة ورسّخت فيهم الاعتزاز بالانتماء.
ولعلّ ما تحقق لبلادنا في السنوات العشرين الأخيرة من رقيّ ونماء، وما ينعم به شعبنا من رخاء ورفاه، وما تتميّز به بلادنا من أمن واستقرار، تختزل جميعها حصيلة مسيرة التغيير فيها، وتمثل أبرز عناوين توفّقنا في تحقيق ما رسمناه لتونس من أهداف.
ونحن نعتزّ اليوم بانتقال تونس من نظام سياسي أحادي إلى نظام تعددي، وبإرساء أسس نموذج مجتمعي مبني على الإعتدال والتفتح والمساواة في الحظوظ بين الرجل والمرأة، وتلعب فيه سائر الأحزاب السياسية ومختلف مكونات المجتمع المدني دورا فعّالا إلى جانب الدولة في ممارسة الشأن العام.
وهذه الإصلاحات الشاملة سمحت لنا بتطوير اقتصادنا من اقتصاد موجّه إلى اقتصاد متفتح ومتوازن، يوفّق بين النجاعة الاقتصادية والرقيّ الاجتماعي، ومكّنتنا من تحقيق نسبة نمو قاربت ال5% طيلة العقدين الأخيرين مما ساعدنا على تقليص نسبة الفقر إلى حدود 8,3% وتوسيع دائرة الرفاه وتعزيز قاعدة الطبقة الوسطى لتشمل 80% من المجتمع ومضاعفة الدخل الفردي أكثر من أربع مرات.
كل هذا جعل تونس اليوم بلدا صاعدا يطيب فيه العيش وتتوفّر فيه جميع مقوّمات الانخراط في العصر، بلد لكلّ فيه موقع، ولكلّ فيه فرصة وحظّ، بلد يعتز بالانتماء إليه والمشاركة في بنائه كل مواطنيه.
وإن وعينا بما أنجز ليجعلنا حريصين على جعل الإصلاح أشمل وأوسع وعلى تهيئة المناخ لمراحل جديدة في العمل السياسي والمجال الاقتصادي ستتجلّى ملامحها في القادم من الأيام.
لقد حرصنا على اعتماد برنامج يكفل لتونس الغدَ الأفضلَ في إطار استراتيجية نريد بها دفع مسار التنمية الشاملة أشواطا جديدة على كافة الأصعدة.
ويترجم برنامجنا "لتونس الغد" إلى جانب الأهداف التي تضمّنها مخطط التنمية الحادي عشر (2007-2011) رؤيتنا للمرحلة القادمة، بل لمستقبل تونس ككل، ولما نحن مدعوون لإنجازه.
وقد تم تحديد الأهداف التنموية وضبط الأولويات الوطنية بما يستجيب لتطلعات شعبنا في مزيد من التقدم والرفاه، وهذا يستدعي اعتماد سياسات وبرامج لا تكتفي بالحفاظ على سلامة الاقتصاد الوطني ومكتسباته، وإنّما تعزز تنافسيته وتدعم قدرته على الإندماج في الإقتصاد العالمي.
وسنسعى لتعزيز نسق النموّ الإقتصادي ليبلغ نسبة 6,1% سنويا بما يمكّننا من الارتقاء بالدخل الفردي إلى مستوى 5700 دينار سنة 2011، وبما يضمن التحسن المتواصل لمستوى المعيشة للمواطن التونسي الذي يبقى الهدف الأساسي لكل جهودنا وإصلاحاتنا.
وسنعمل على ضمان تدفق الاستثمارات الخارجية وتدعيمها في القطاعات الجديدة والواعدة تأمينا لمقومات التنمية والتشغيل ببلادنا. وسنعمل على إتاحة الفرص أمام كبار المستثمرين في البلدان الشقيقة والصديقة وسنعمل على مزيد تطوير التشريعات وتعزيز هيكلة القطاع المالي وتطوير آلياته بما يتلاءم ومتطلبات الاستثمار.
وسنستكمل مقومات اقتصاد المعرفة الذي جعلنا منه محورا أساسيا في برنامجنا للفترة الحالية والفترة القادمة، إذ من تحديات المرحلة القادمة مزيد الاستثمار في البحث العلمي والسيطرة على التكنولوجيات الحديثة بعد أن قطعت بلادنا أشواطا كبيرة في هذا المجال.
وإذ توفقنا بفضل الاستثمارات التي وظفناها في قطاعات التعليم والبحث العلمي والتكوين، ونتيجة الإصلاحات التي أدخلناها في هذه المجالات، في جعل المدرسة والجامعة وسائر المؤسسات التكوينية مفتوحة لكل أبناء تونس، إناثا وذكورا، فإن من رهاناتنا تأمين أفضل حظوظ النجاح لأجيالنا القادمة التي تمثل من منظورنا ثروة البلاد الأساسية وأساس ازدهارها وتقدمها.
ولما كان التشغيل، في هذا الإطار، شغلنا الشاغل فسوف نسعى إلى مزيد تطوير منظومة التربية والتكوين وتعزيز آليات خلق المشاريع ومواطن الشغل، وذلك من أجل تخفيض نسبة البطالة من 14,3% سنة 2006 إلى 13,4% سنة 2011، بإحداث ما لا يقل عن 412 ألف موطن شغل تغطي 97% من الطلبات الإضافية.
وبما أن المشروع الإصلاحي الذي نسعى لإنجازه شامل ومتعدد الأوجه والمجالات فإننا نطمح إلى قطع أشواط جديدة على صعيد ترسيخ البناء الديمقراطي والتعددية السياسية، ودعم قدرة شعبنا على المساهمة في الحضارة العالمية دون تخل عن قيمه الأصيلة.
إن طموحنا كبير وكذلك ثقتنا في قدرة شعبنا على كسب الرهانات القادمة إذ هو يجد في كلّ ما أنجزناه الأرضيّة التي يتقدم عليها نحو إثراء مكاسبنا والرفع من مكانة تونس من بلد صاعد إلى دولة متقدمة.
لقد كان إعلان الجمهورية في تونس منعطفا تاريخيا وحاسما في حياة شعبنا استرجع به إرادته وسيادته ليأخذ بأسباب التطور والحداثة.
ونحن على قناعة راسخة بأن الجمهورية مكسب وطني ناضلت في سبيله أجيال من أبناء تونس وبناتها وبالتالي كان التغيير في واقع الأمر إنقاذا للجمهورية ولتونس من الأخطار الحقيقية التي كانت تحف بها وإنطلاقة لمشروع إصلاحي رسخ دعائم الجمهورية وحافظ على قيمها.
ومن هذا المنطلق حرصنا على أن ينهض مشروع التغيير في تونس بكلّ ما يعزّز مقومات الكرامة لكافة التونسيين ويُكسبهم جميعا حقوق المواطنة كاملة دون نقصان.
وقد توجنا هذا المسار بالتأسيس لجمهورية الغد، وهي جمهورية تنبع من إيماننا بضرورة تطوير النظام الجمهوري وتحديث مؤسساته وإثرائها.
ولا شكّ أن مختلف محاور الإصلاح التي شملت تطوير العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ودعم دور المجلس الدستوري وحياد أعضائه وتعديل نظام الانتخابات النيابية والرئاسية وإحداث مجلس المستشارين توسيعا لدائرة التمثيل الشعبي، والعودة للشعب واستفتائه كلّما استدعت الحاجة ذلك، ليست سوى تأكيد منّا على أن جمهورية الغد هي صورة لما بلغته بلادنا من نضج سياسي، وهي إثراء للحاضر وبناء للمستقبل دون إنكار لمآثر الماضي. بل حرصنا على أن تستمد جمهورية الغد من تراث الفكر الإصلاحي التونسي العريق طاقة تجددها ومفردات أصالتها.
إن الذكرى الخمسين لإعلان الجمهورية في تونس لتحمل من المعاني والأبعاد ما لا يتّسع المجال لتعداده. ونكتفي بالتأكيد على أن أهم ما نستلهمه منها هو الانحياز لكل ما من شأنه الحفاظ على مكاسب شعبنا والحفز على دعمها وإثرائها إخلاصا لتونس ووفاء لتضحيات جيل التحرير وبناء الدولة الحديثة.
التعددية السياسية أصبحت في تونس واقعا ملموسا وجزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي، ماهي آفاقها المستقبلية في تونس وما تقويمكم لحضور المعارضة ومدى فاعليتها في إطار هذا المشهد؟
لقد التزمنا للتونسيين منذ التغيير بإرساء حياة سياسية متطوّرة أكدنا باستمرار جدارة شعبنا بها، وبادرنا بإصلاحات كبرى عزّزنا بها دولة القانون والمؤسسات وقطعت بلادنا أشواطا كبيرة على درب التعددية والديمقراطية.
ومازال التقدم بالديمقراطية يحتل صدارة اهتماماتنا الشخصيّة. وإنّ إرادتنا ثابتة في الارتقاء المتواصل بحياتنا السياسية.
أمّا في ما يخصّ الجانب الثاني من سؤالك، فقد عززنا دور أحزاب المعارضة واستبعدنا نهائيا إمكانية تهميش دورها في الارتقاء بالحياة السياسية في تونس بعدما وفرنا لهذه الأحزاب كلّ العوامل الملائمة لممارسة نشاطها بكل حرية انطلاقا من قناعتنا بأن المعارضة تشكل جزءًا لا يتجزأ من المشهد السياسي وعنصرا أساسيا في المسار الديمقراطي.
ونحن على قناعة بأن الأرضية السياسية والقانونية القائمة في بلادنا اليوم تعتبر أنسب إطار لتوسيع مشاركة المعارضة ودعم حضورها السياسي، فالمجال مفتوح أمام هذه الأحزاب لكي تعمل من أجل تعزيز حضورها وتكثيف نشاطها بكامل الحرية بعدما وفرنا الظروف والعوامل الملائمة لتطورها.
وإننا ماضون في مزيد تعزيز مقومات المجتمع التعدّدي ويبقى على الأحزاب السياسية مهمة تطوير قدراتها الذاتية في نطاق الحرية والمسؤولية الوطنيّة، وإحكام عملها لتزيد من إشعاعها حتى تسهم في بناء مستقبل تونس.
إن التعدّدية في تونس اليوم، واقع قائم وملموس، يجد تعبيره في حضور المعارضة في البرلمان، وحضورها في مجلس المستشارين وفي البلديات وفي كلّ الهيئات والمجالس الوطنية المنتخبة، إلى جانب ارتفاع عدد الجمعيات الأهلية العاملة في تونس والتي تتمتع جميعها بحرية الحركة واستقلالية القرار. كما هي تعبر عن مواقفها بكل حرية في صحفها وسائر وسائل الإعلام الأخرى.
ورغم عمق هذا المنجز، نحن لم نقل يوما إنّ المسيرة قد اكتملت، فالتغيير والإصلاح في مفهومنا حركة لا تتوقّف باتّجاه حياة سياسية راقية تفتح مجالات أرحب للمشاركة أمام مختلف مكوّنات المجتمع المدني.
فلا بُطْء ولا تسرّع ولا ارتجال في المنهج الذي اخترناه، وذلك حماية للمسار الديمقراطي من التراجع أو الانتكاس.
فالتدرّج هو حزام الأمان الذي اعتمدناه حتى يقي بلادنا الهزّات. والارتقاء المتواصل بحياتنا السياسية هاجسٌ يحتلّ صدارة اهتماماتي الشخصيّة.
إنني لا أخفي اعتزازي بالثقة الغالية التي يعبّر عنها شعبنا بمختلف شرائحه وفئاته وجهاته وعبر جمعياته ومنظماته.
ولا شكّ أن في التفاف الشعب حول خياراتنا وبرامجنا والسياسات التي اعتمدناها خلال السنوات الماضية، وردود فعله الداعمة والمؤيدة لكل ما بادرنا به من أجل رفعة تونس، ما يزيد إيماننا بنبل وجسامة الرسالة التي نضطلع بها، ويدفعنا إلى مزيد إثراء ما تحقق لفائدة شعبنا وبلادنا من مكاسب وإنجازات.
إن تحوّل السابع من نوفمبر جاء منطلقا لمشروع مجتمعي متكامل المقومات ومتناسق الأهداف.
واعتبرنا التنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية وجهين متكاملين غايتها توظيف كل الطاقات والإمكانات لتوطيد مقومات التقدم والرفاه.
من هنا، شكّل النهوض بمختلف فئات شعبنا وتوفير فرص العمل والرفاه لكل المواطنين دون إقصاء أو تهميش جوهر سياستنا الاجتماعية الشاملة وأساس المجتمع المتوازن والمتضامن الذي نعمل على بنائه.
وقد حرصنا ونحن ننتقل من اقتصاد موجّه، إلى اقتصاد السوق على توفير شبكة أمان قوامها توفير الشغل ودعم موارد الرّزق وتوسيع التغطية الاجتماعية وتفعيل جملة من السياسات الخصوصية الرّامية للنهوض بالمناطق الضعيفة وتعزيز مقوّمات التنمية بها وتوفير المرافق الأساسية وموارد العيش لسكانها.
وأدت هذه السياسة إلى تحسّن كبير في مؤشرات التنمية البشرية سواء تعلق الأمر كما سبق أن أشرنا، بارتفاع الدخل الفردي وتقليص رقعة الفقر أو انخفاض نسبة البطالة أو ارتفاع مؤمل الحياة عند الولادة وتحسن معدلات التمدرس. وتمّ ذلك في كنف مناخ من السلم الاجتماعية تنعم به بلادنا منذ سنوات بفضل ما تحقق من مكاسب اجتماعية ومن تحسّن في مستويات الأجور وفي مستوى العيش بصفة عامة وهي كلّها عناصر ساهمت في المحافظة على مناعة اقتصادنا الوطني وتوازناته رغم ما شاب المحيط الدولي من تقلّبات.
إنّ تحقيق رفاه التونسيين وتحسين ظروف عيشهم هما غاية مجهود التنمية وما نقرّه من إصلاحات على المستويين الإقتصادي والإجتماعي.
وإن هذه المقاربة التي يظلّ فيها الإنسان محور عملنا السياسي وهدف خططنا التنموية والتي نحرص فيها على أن لا تظلّ فئة من التونسيين محرومة من أدنى مستلزمات العيش الكريم هي التي ساعدت على تحصين مجتمعنا من مخاطر التفكك وعزّزت تماسكه واستقراره. وسنواصل العمل خلال المخطط الحادي عشر للتنمية الذي يغطي الفترة 2007 - 2011 من أجل تثبيت المكاسب التي تحققت ومزيد إثرائها في إطار الترابط الوثيق بين التنمية الاقتصادية والرّقي الإجتماعي.
لقد تصدر الاهتمام بالفئات المحتاجة طليعة أولوياتنا منذ التحول، إيمانا منا بحق كل مواطن تونسي في مقومات العيش الكريم.
ونحن نفخر اليوم بأننا نجحنا في تقليص نسبة الفقر في تونس من 7,7% سنة 1986 إلى 3,8% حاليا وفي توفير مستلزمات الرفاه لكافة المواطنين.
وقد تجاوز صدى نجاح سياستنا هذه حدود تونس حيث أن المجموعة الدولية قررت اعتماد مقاربتنا في مجال مقاومة الفقر في إنشائها لصندوق عالمي للتضامن.
وبفضل سياساتنا التنموية، التي لا تفاضل بين البعدين الاقتصادي والاجتماعي، توسعت الطبقة الوسطى لتشمل 80% من الشعب التونسي وأصبحت نفس النسبة من السكان تملك مساكنها.
ان اهتمامنا بالفئات المحتاجة لنابعٌ من قيمنا التضامنية الأصيلة، كما أنه نابع من إحساس شخصي عميق بمشاغل ومصاعب الفئات المحتاجة. وقد تعمق هذا الشعور لدينا نتيجة تجربتنا الذاتية، إذ نشأتُ شخصيا على قيم التضامن والتكافل ومد يد المساعدة للمحتاج، في كنف عائلة متواضعة عايشت فيها عن قرب الصعوبات التي كانت تواجهها الفئات الضعيفة من شعبنا.
وقد سعينا منذ التحول إلى تكريس هذا الإلتزام على صعيد سياساتنا التنموية بإقرار مقاربة تضامنية تؤمن نفس الحظوظ لكافة المواطنين دون استثناء ولا تعتبر الفقر قدرا محتوما وإنما حالة عرضية يمكن تجاوزها بتظافر الجهود وتضامن كل فئات المجتمع.
نعم بالتأكيد. ولقد سعينا باستمرار من أجل خلق الظروف الملائمة لتمكين كل المواطنين بكافة شرائحهم العمرية ومستوياتهم التعليمية وأنشطتهم المهنية وفي كل مدن البلاد وقراها، بلا استثناء، من الانتفاع بتكنولوجيات الاتصال الحديثة ومن الارتباط بشبكة الانترنات. واننا نرى في الارتباط بتكنولوجيات الاتصال وسيلة للانخراط في مجتمع المعرفة وترسيخ قيم الحداثة والإنفتاح.
وقد اتخذنا عديد المبادرات والإجراءات لنشر الثقافة الرقمية وتعميم الحواسيب وتيسير خدمات الانترنات. واننا نسجل اليوم بارتياح الأشواط الهامة التي قطعناها إذ أصبح عدد مستعملي الانترنات في تونس يتجاوز 1,5 مليون شخص بعد ما كان لا يتجاوز 250 ألف شخص سنة 2000. كما أقررنا عديد الحوافز والإجراءات لجعل تكنولوجيات الاتصال جزءا لا يتجزأ من منظومتنا الإقتصادية وذلك من أجل إضفاء نجاعة أكبر وتنافسية أفضل على مؤسساتنا وضمان مواكبة العاملين في الحقل الاقتصادي لكافة أوجه التطور في العالم.
لقد استطاعت تونس بشهادة عديد التقارير العالمية أن تحقق نجاحا كبيرا في مجال ترشيد الإنفاق العمومي وتحديث الإدارة. ما هو تقييم سيادتكم للتقدم الذي أحرزته بلادكم في هذا المجال وللنتائج التي حققتها تونس على صعيد القضاء على ظاهرة الفساد التي تعاني منها كافة اقتصاديات العالم، النامية والمتقدمة على حد سواء؟
لقد أنجزنا منذ التحول عديد الإصلاحات التي مكنت من قطع أشواط كبيرة على طريق تحديث الإدارة وترشيد سبل التسيير فيها طبقا لمقتضيات النجاعة والشفافية وبما يدعم مجهود التنمية ويستجيب لمشاغل المواطن وحاجياته.
وقد ساهمت هذه الإصلاحات إلى حد كبير في تحقيق النتائج الملموسة التي توصلت إليها بلادنا خلال العقدين الأخيرين على صعيد النماء الاقتصادي والتوزيع العادل لثمار التنمية والرخاء.
وبفضل الآليات التي وضعناها توفقنا إلى تعزيز الشفافية ودرء ظاهرة الفساد التي تثقل كاهل عديد الاقتصاديات في البلدان الأخرى.
ورغم ما تحقق - وهو مصدر ارتياح لنا- فإننا لا نزال بالطبع حريصين على تدارك بعض النقائص الموجودة والعمل على مزيد تحسين طرق التصرف وترشيد أساليب التسيير في سائر دواليب الإدارة.
كنتم على الدوام من الأصوات المتحمّسة لبناء المغرب العربي. ما هو تصوّركم لتطور هذا الهيكل الإقليمي في ظل التكتّلات التي تتطلّبها المرحلة، وما الذي يتعيّن فعله حسب رأيكم في المستقبل؟
أعتقد أنّني قد لا أذيع سرّا، إذا قلت إنّ مسيرة الإتّحاد المغاربي لازالت تتعثّر، وأنّ نسق استكمال هذا البناء يبقى بطيئا ودون المأمول ودون طموحات الشعوب المغاربيّة وتطلّعاتها.
ولكنْ علينا في المقابل أن نعترف أيضا بأهميّة الشوط الذي قطعناه على محدوديته، وبأنّ الصعوبات القائمة تظلّ، وإنْ امتدّت في الزّمن، صعوبات ظرفيّة وطارئة، لا تحول دون عزمنا على مواصلة العمل المشترك للمحافظة على المسيرة المغاربيّة، والسّعي لتفعيل آلياتها بنفس العزيمة التي حدت القادة المغاربيين لدى تأسيس الإتّحاد.
فاتّحاد المغرب العربي -في رؤيتنا- مشروع حضاري بالغ الأهمية، ورافد أساسي لمسيرة النهوض الشامل التي نطمح إلى تحقيقها في المنطقة. وهو بالنسبة لي شخصيّا خيار استراتيجي لا محيد عنه، وأولوية تفرضها المتغيّرات والتحوّلات الإقليمية والدوليّة من حولنا والتي، كما تعلم، تتميّز بظهور التكتّلات الكبرى.
ومن هذا المنطلق، فإنّ تونس متمسّكة ببناء هذا الصرح الكبير وتؤكّد باستمرار، إيمانها بالعمل الإتّحادي والمصير المشترك لكلّ شعوب المنطقة.
ولا شكّ أنّ التعاون الثنائي البنّاء والمثمر القائم بين تونس وأشقائها في المنطقة المغاربيّة يشكّل مدخلا وأرضيّة صلبة، وعاملا مساعدا على دفع مسيرة الإتّحاد.
وإذا ما كانت ظروفنا الموضوعية، حاليّا، تحدّ من قدراتنا على تحقيق كامل أهدافنا وغاياتنا، فإنّ ذلك لن يفتّ من عزمنا على مضاعفة جهودنا من أجل إعلاء بناء الصّرح المغاربي الذي يتطلّب المثابرة وطول النّفس.
كلما تدهورت الأوضاع على الساحة الفلسطينية لجأ القادة الفلسطينيون إليكم بصفتكم صوت العقل والحكمة تواصلا مع قاعدة التشاور الدائم معكم منذ عهد الزعيم الراحل ياسر عرفات. أيّ مخرج ترونه لتجاوز التدهور الأخير للأوضاع على الساحة الفلسطينية؟
لقد عبّرنا في تونس على الدوام،عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني الشقيق، ومساندتنا الكاملة له في كفاحه المشروع من أجل الحريّة والكرامة وإقامة دولته المستقلة.
وكنّا ولا نزال نصيرا لا تفتر عزيمته للإخوة الفلسطينيين في كلّ مراحل نضالهم. وإزاء ما آلت إليه الأوضاع في الأراضي الفلسطينية سارعنا بالتعبير عن انشغالنا العميق، وعن أسفنا للاقتتال بين الأشقاء واندلاع صراعات تعصف بمسار النضال الفلسطيني وتحيد به عن أهدافه الوطنية المقدسة.
كما دعونا سائر الإخوة الفرقاء إلى وقف هدر الدم الفلسطيني، وتغليب منطق العقل والاحتكام إلى لغة الحوار واحترام الشرعية بما يحفظ وحدة الشعب الفلسطيني ومقدّراته ويخدم مصالحه الوطنيّة العليا. فنحن نرى أن انتهاج سبيل الحكمة والوفاق هو الكفيل وحده بتحقيق التهدئة الشاملة والتفرّغ للقضية المصيرية.
ومن منطلق موقفنا الثابت والداعم للقضيّة الفلسطينية نؤكد على ضرورة احترام المؤسسات الدستورية والالتزام بجميع التفاهمات والاتفاقات حتى تظل القضيّة الفلسطينية المحور والأساس لكل الجهود الرامية إلى إيجاد حلّ عادل وشامل ودائم لهذه القضيّة.
وإنّ تونس تهيب بالقوى الفاعلة في العالم والأسرة الدولية جمعاء إلى الإسراع بالمساعدة على توفير مثل هذا الحلّ وبذل قصارى الجهد لاستئناف عملية السلام حتّى تنعم المنطقة بالأمن والاستقرار.
كيف ترون الأوضاع الحالية في لبنان؟ وكيف ترون تطور العلاقات بين تونس ولبنان؟
يبقى لبنان بالنسبة إلينا البلد الشقيق الذي تربطنا به علاقات اخوة وثيقة راسخة في التاريخ. ولئن كان لبنان يمر خلال هذه الفترة بمصاعب ظرفية فإننا واثقون من قدرة الاخوة اللبنانيين على تجاوز مثل هذه المصاعب وتحقيق الوئام فيما بينهم وعلى ضمان إستقرار لبنان وسلامته.
وأملنا في أن تمكّن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي التي تدخل في جانفي 2008 مرحلة التحرير الكامل للمبادلات التجارية وللخدمات من تحقيق التنقل الحر لرأس المال وللأشخاص في الاتجاهين بما يجسّد الشراكة المتكافئة بين الجانبين.
أمّا عن آفاق قيام الشراكة الأورومتوسطية، فقد عملنا دوما على تطويرها في جميع الميادين تكريسا للشراكة المتضامنة مع دول الاتحاد على أساس الحوار والتعاون والاحترام المتبادل.
وفي هذا السياق أعربنا عن ترحيبنا بمبادرة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حول الاتحاد المتوسطي، آملين أن يؤدي الحوار بشأنها بين دول الضفتين إلى تجسيم المبادئ التي عملنا دوما في ضوئها منذ انطلاق مسار برشلونة أو من خلال مجموعة 5 زائد 5، حتى يكون المتوسط واحة أمن وسلام وفضاء للتنمية المتضامنة.
وإذ نؤكد مساندتنا للجهود الرامية لإقامة شراكة متوسطية فاعلة فإننا نواصل العمل من أجل تنويع علاقات التعاون والشراكة مع كافة بلدان العالم بدءًا بتعزيز وتطوير علاقات الشراكة في المنطقة العربية ذاتها.
كنتم من أول المنبّهين للأخطار التي يمكن أن تواجهها الإنسانية من جراء تفاقم أخطار التطرف الإرهابي. ما هي نظرتكم لهذه الظاهرة. وما هي الإضافة التي يمكن أن تطرحها تونس انطلاقا من تجربتها ومقارباتها في هذا المجال ؟ وهل ترون أن الصراع بين الأديان والحضارات أمر حتمي؟
إنّ ما يشهده عالمُنا اليوم من تفاقم مخاطر التطرّف والإرهاب يؤكد الحاجة إلى مضاعفة جهود المجموعة الدوليّة لإيجاد حلول مشتركة لمجمل المشاكل المطروحة.
وقد حذّرنا من عواقبه منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. وللأسف فقد توقّف الكثيرون متأخرا عند سلامة مقاربتنا لهذه الظاهرة وحقيقة ما كنّا قد نبّهنا إليه.
ونحن نرى أمام تصاعد هذه الآفة التي تتعارض مع كلّ القيم الإنسانيّة، ضرورة التعجيل بعقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لوضع مدوّنة سلوك لمكافحة الإرهاب تلتزم بها جميع الدول.
وإذا كان من إضافة -كما ورد في سؤالك- تقدّمها تونس لأمّتها وللإنسانيّة جمعاء لمقاومة هذه الظاهرة فهي تتمثل في الوعي بأن التصدّي للتطرف والإرهاب يستدعي اعتماد مقاربة شمولية لا تقتصر على الأبعاد الأمنية فقط، وإنّما تشمل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والسياسية، لأنّ أيّ خلل يصيب أيّا من هذه الأبعاد يكون مصدرا يتغذّى منه النزوع باتّجاه التطرّف والإرهاب.
كما أنّ التصدّي لهذه الظاهرة يتطلّب أيضا القضاء على الفقر في العالم، والعمل على سدّ الفجوة الاقتصادية والمعرفيّة بين دول الشمال ودول الجنوب، والعمل على بث قيم التسامح والوئام مع السعي الحثيث لإيجاد الحلول العادلة للقضايا العالقة التي تبقى بؤر توتّر ونزاعات تولّد مشاعر الإحباط والشعور بالإذلال لدى شعوب كثيرة، وتشكّل بالتالي، مصدرا إضافيّا لتفشي ظاهرة التطرّف والإرهاب وتهديد الأمن والاستقرار في العالم.
أما بخصوص العلاقة بين الحضارات والأديان فأنا على قناعة راسخة بأنّ الحوار مع الغير ضرورة لا محيد عنها لبناء جسور الثقة بين البشر وإثراء علاقات التفاهم والتقارب بينهم. كما أنّني أعتقد جازما بأنّه حان الوقت لنتجاوز فرضيّة التعارض بين الشرق والغرب، ونتخلّص من سوء الفهم المتراكم بين الحضارات والأديان.
وهذا الحوار ضروري لتصحيح صورتنا كعرب ومسلمين وإزالة ما انتابها من شوائب نتيجة الفهم الخاطئ لحضارتنا وثقافتنا وديننا لدى البعض وما رافقها أحيانا من تصرّفات ومواقف صدمت مشاعرنا. وهذا الفهم الخاطئ في كثير من الأحيان تغذّى من السلوكات المتطرّفة والعنيفة لبعض الغلاة وبعض التيارات المحسوبة على ديننا الإسلامي السمح وهو منها براء.
ونحن في تونس نؤكّد على أهميّة الحوار بين الحضارات والثقافات، ولا نؤمن البتة بحتميّة صدامها، وسنعمل كلّ ما في وسعنا على تكريس التحاور وترسيخ ثقافة التسامح والتآخي بين البشر، دون تنازل عن اعتزازنا بهويتنا وجذورنا وخصائصنا الحضاريّة.. فنحن دعاة وسطيّة واعتدال وهي قيم نستمدها من جوهر ديننا الحنيف وتراثنا الحضاري والإنساني المستنير.
تدرج التقارير الدولية تونس ضمن أفضل الوجهات الاستثمارية والسياحية في العالم. ماهي آفاق تطوير الأنشطة الاستثمارية والسياحية العربية نحو تونس. وما هي الامتيازات التي تمنحها تونس في هذا الاتجاه ؟
يشهد الاستثمار الأجنبي المباشر في تونس نسقا تصاعديا، وما انفك يحقّق نموا مطردا من سنة إلى أخرى وأصبح يمثل حاليا ما يفوق 10 بالمائة من الاستثمارات المنتجة ويوفر ثلث الصادرات ويؤمّن سدس مواطن الشغل.
وقد تم خلال الخطة التنموية العاشرة (2002-2006) استقطاب استثمارات خارجية هامة فاقت التوقعات الأولية لتبلغ 5,1 مليار دينار خلال هذه الفترة دون اعتبار عائدات التخصيص. علما أن هناك حاليا حوالي 2800 مؤسسة أجنبيّة في تونس ويتوزع نشاطها على كل القطاعات ومجالات الاختصاص.
وتجذب هذه المؤسسات الأجنبية إلى تونس عوامل عديدة من بينها المناخ الاقتصادي المتميز لبلادنا، والذي يتجلى في حصول تونس على المرتبة الأولى أفريقيا في مجال تنافسيّة الأعمال وفق التقرير الأخير للمنتدى الاقتصادي بدافوس.
ورجال الأعمال والممولون الأجانب الذين يستثمرون في تونس يتمتعون بامتيازات وحوافز قانونيّة وجبائية عديدة وفرناها خلال العقدين الأخيرين. كما باستطاعة المستثمرين التعويل على الكفاءات التونسية العالية المتوفرة في سائر الاختصاصات والإعتماد على البنية التحتية الحديثة والمتطورة التي أنجزناها والتي سيقع تدعيمها خلال الفترة القادمة بصفة ملحوظة وهي التي تؤمن لهم أفضل الظروف لتلبية حاجياتهم في مجالات الإنتاج والنقل والإتصالات والخدمات والتصدير.
وإذ يحتل الاتحاد الأوروبي المركز الأول ويشكل أكبر المستثمرين في تونس خلال الفترة السابقة، فإنّ الاستثمارات العربية تسجل أيضا تطورا ملموسا لتحتل المراتب الأولى هذه السنة. وأملنا في أن يزداد مجال الاستثمار العربي في تونس توسّعا وتنوّعا، والآفاق في هذا المجال كبيرة وواعدة.
ووعيا منّا بأهمية الاستثمار الخارجي في تأكيد صلابة اقتصادنا الوطني ودعم قدرته التنافسية والرفع من نسق نموّه والحفاظ على سلامة توازناته، نواصل العمل من أجل مزيد تحسين مناخ الأعمال وتحديث البنية التحتية وتيسير الإجراءات في مختلف مراحل إنجاز المشاريع وتحسين الخدمات الإدارية وتطوير الإطار القانوني والتشريعي لا سيما في القطاعات التي توفر فيها بلادنا مزايا تفاضلية عالية مقارنة بعدة بلدان منافسة على غرار قطاعات السياحة والفلاحة والخدمات الإعلامية.
كل هذا تعزيزا للاستثمار الخارجي المباشر حتى يبلغ نسبة 3,2% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2011.
وتتركز جهودنا في المرحلة المقبلة على الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتشغيلية المرتفعة والتي تحقق أعلى نسب التصدير.
إن تونس التي ما انفكت تعمل على تطوير العمل العربي المشترك ودعم مؤسساته وتجسيم الاندماج الاقتصادي العربي، تراهن على مساهمة القطاع الخاص والمستثمرين العرب في تحقيق هذه الأهداف وتفتح لهم المجال واسعا للاستثمار في بلدهم الثاني.
كما تبقى الدعوة موجهة إلى كلّ العرب لزيارة تونس واكتشاف المميزات التي جعلتها الوجهة المفضلة سنويا لأكثر من 6 ملايين سائح من كافة أنحاء العالم، ومن بينها جمال المعالم الطبيعية وما يتوفر في بلادنا من خدمات سياحية راقية ومنتوج سياحي متنوع ينطلق من السياحة الشاطئية وصولا إلى السياحة الاستشفائية والمعالجة بمياه البحر، التي تحتل فيها بلادنا المرتبة الثانية عالميا، إلى الجانب الإرث الحضاري التي تزخر به تونس.
وإذ تفتح تونس ذراعيها للعرب جميعا سياحًا ومستثمرين وزائرين، فهي ترحب بهم مبجلين مكرمين بين أهلهم وذويهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.