يزعم بعض المتحالفين مع الحركة الإسلامية في تونس, أن هذا التحالف أصبح ممكنا بعد ما قامت هذه الحركة بنقد ذاتي لمسارها السياسي, و استخلصت أن النظام الديمقراطي و دولة القانون و المؤسسات و إطلاق الحريات. هذا النظام الذي ابتدعه الغرب و كان في متناولنا لو لم ننحرف عن الإسلام الحقيقي, إسلام المدينة في عهد الرسول و الخلفاء الراشدين. هو النظام الذي يجب أن نناضل من أجله جميعا مهما اختلفت منطلقاتنا الايديولجية. و المتتبع لنشاط الإسلاميين يلاحظ مجهودات كبيرة خاصة من القيادات في شرح توجههم نحو ما يسمى بالإسلام الوسطي. وحتى لما ينشز أحدهم و عادة يكون من القواعد بتكفير أو بثلب من ينقد ثوابتهم, يبررون ذلك بالمظلمة التي لحقتهم منذ سنين و مازالوا يعانون منها إلى اليوم. و الحل هو العفو التشريعي العام و الاعتراف بالنهضة كحزب سياسي يمارس حقوقه الدستورية كأي توجه أخر. لماذا لا نقبل بهذا التحالف ؟ لأن الإسلامي لم يكن في الماضي و ليس هو اليوم و لن يكون غدا, لا ديمقراطيا و لا يؤمن بالحريات. ذهنيته قمعية اقصائية. هذا لا يمنع من المطالبة بحقهم في العفو و التنظم داخل إطار القانون. هذا الاستنتاج ليس بالتخمين, و لا الحكم على النوايا. بل قراءة موضوعية للخطاب الإسلامي. يعد مرسل الكسيبي من الإسلاميين الأكثر اعتدالا و وسطية. يناضل من أجل دولة مدنية ديمقراطية. لذلك اخترت أحد مقالاته لأبين عبرها ما زعمته. فلا أحد يتهمني بالانتقائية المغشوشة. كتب السيد مرسل الكسيبي في 24 جوان 2007 مقالا بعنوان " تونس و الصمت الرسمي تجاه ملف عبدة الشياطين". يبدأ الكاتب مقالته ب: " خروج مجموعات عبادة الشيطان في تونس من السرية الى العلنية مظهر اخر من مظاهر الانحراف الاجتماعي والأخلاقي الذي تشهده تونس في ظل عدم صرامة أجهزة الدولة مع مظاهر الجرائم الأخلاقية التي تتوفر فيها الأركان القانونية" يتهم الكاتب مجموعات عبادة الشيطان بجرائم أخلاقية تتوفر فيها "الأركان القانونية" ثم يمر منطقيا إلى سرد هذه الجرائم 1/ " مجموعات دموية تعشق القتل و الاغتصاب " هل "العشق" جريمة ؟ و من أين له أنهم "يعشقون" القتل و الاغتصاب 2/" التردد على حفلات الموسيقى الصاخبة -الهيفي ميتال" هل "الذوق الفاسد جريمة" ؟ 3/" يتنقلون في العاصمة تونس بشعاراتهم الرسمية على اليد اليمنى و بقبعاتهم السوداء الحاملة لشعارات الجماجم و العظام" هل هذه الشعارات تهدد النظام العام ؟ هل تدعوا الخروج عن الدين أو الدولة ؟ 4/"أكسسوارات و حقائب تحمل رموز شيطانية" أي فصل قانوني يعاقب هذا؟ إلا إذا اعتبرنها أدوات جريمة 5/"تجنيد فتاة عمرها 14 سنة ضمن واحدة من شبكات عبدة الشيطان بالعاصمة تونس" لمن يسأل لماذا التجنيد يجيب كاتبنا ب "قد" ( احتمال) : 6/"تقديم هذه الفتاة مراقة الدم ومزهقة الروح وفي أقرب فرصة الى المذبح الشيطاني ضمن تعاليم فاسدة ومنحرفة تحمل تسمية "القداس الأسود"..." احتمال وارد كغيره من الاحتمالات ادعى السيد الكسيبي أن هناك جرائم أخلاقية تتوفر فيها الأركان القانونية. و كما هو واضح و جلي لا جرائم و لا أركان. قبل مواصلة التحليل, أدعوكم إلى لعبة تغيير الأسماء و ترك المعاني في هذا الجزء الأول من المقالة : " تونس والصمت الرسمي تجاه ملف الإسلاميين..... خروج مجموعات الاسلاميين في تونس من السرية الى العلنية مظهر اخر من مظاهر الانحراف الديني الذي تشهده تونس في ظل عدم صرامة أجهزة الدولة مع مظاهر الجرائم الدينية التي تتوفر فيها الأركان القانونية وفي ظل عدم الحزم مع الجرائم الأخرى ذات العلاقة المباشرة بالاعتداء على الممتلكات والأنفس في وضح النهار ... 140 ألف شرطي في غيبوبة عن مجموعات إسلامية تعشق القتل و الإرهاب ! 140 ألف شرطي في تونس المحروسة مزودين باليات وتقنيات أمنية حديثة تظاهي ماهو متاح للأجهزة الأمنية في البلدان الغربية ...,يعجزون عن وضع حد لعصابات الجريمة المنظمة وجماعات الإسلامية الذين باتوا يتنقلون في العاصمة رجالهم ملتحين مرتدين جلاليب أفغانية و نسائهم متحجبات على الطريقة الايرانية. 140 ألف شرطي يعجزون عن الكشف عن عناصر تتحرك بكتب تدعوا للإرهاب و العنصرية و أشرطة تدعي كفر حاكم البلاد 140 ألف شرطي في غفلة عن تجنيد فتاة عمرها 14 سنة ضمن واحدة من شبكات الإسلاميين بالعاصمة تونس, وهو ماقد يعني السكوت عن تقديم هذه الفتاة قنبلة بشرية في نزل أو مطعم سياحي انتهى النص لو بحثنا في أرشيف الصحافة التونسية في الثمانينات أو التسعينات لوجدنا العديد من المقالات التي تقول نفس الشيء. السيد مرسل لكسيبي يدين نفسه بدون أن يشعر. أخذ المقالة التي أدانته و شردته و قمعته ( هكذا يقول). وغير اسمه باسم عبدة الشيطان لعبة ذهنية يتقنها و يبدعها بكل حسن نية لنواصل مع النص الأصلي للسيد الكسيبي تمر بعد ذلك المقالة إلى تساؤل يوحي بأن تساهل الدولة مع عبدة الشيطان ورائه مناورة سياسية تهدف لربما إلى خلخلة الدين أو الإسلاميين. ألم يدعي اليسار التونسي و العربي عامة أن الحركات الإسلامية هي صنيعة الأنظمة الهدف منها القضاء على الفكر الشيوعي. أخذ كاتبنا المعنى و غير الأسماء. الأدلة غير موجودة, و من أين له بالأدلة وهو بعيد عن الميدان. إذا توقفت المقالة عند هذا الحد سيتهم كاتبها بعدم الموضوعية. لن يقبل هذا. فهو كان و لا يزال حريصا على التقيد بالصرامة الأكاديمية العلمية في ما يكتب. يبحث حوله. يعود إلى كتب المنطق. فيجد ضالته في لعبة ذهنية أخرى تستهوينا : " القياس" يبحث كاتبنا و يجتهد فيعثر على كنز من المعلومات حول عبدة الشيطان في أمريكا و ألمانيا و البرازيل و.... حتى البلدان العربية كلها دموية... قتل... إجرام... بتر الأعضاء التناسلية....خطف الأطفال.... بعد هذا السرد الطويل و الدقيق الذي يدل على مجهود كبير و مضني في البحث( كيف لا و كاتبنا أكاديمي) لما تقوم به شبكات عبدة الشيطان عبر العالم يطرح صاحبنا السؤال القاتل " ما ذا بقي على السلطات التونسية أن تفعل ؟ " كاتبنا لم يأتي بشاهدة واحدة من تونس. و مع ذلك يستغرب على عدم تحرك السلطات التونسية. و ما المانع... ألم تسمع بالقياس... قياس الغائب عن الشاهد. نعود إلى لعبة تغيير الأسماء و ترك المعاني. نغير ألمانيا و أمريكا... بأفغانستان و الجزائر... و عبدة الشياطين بالإسلاميين. و يبقى القياس هو القياس. مرة أخرى يدين الكاتب نفسه بقوة و إخلاص و روح علمية أكاديمية دون أن يشعر. توضحت المقالة أعزائي. ملاحظات أخيرة 1/ السيد مرسل الكسيبي مخلص و على حسن نية في تفكيره و لولا ذلك لما توضحت المفارقة هذا الوضوح التام 2/ "عقل الاسم" لا يختص به الإسلامي بل حاضر فينا مهما كان توجهنا. هو عقل حضارتنا. أولوية الأولويات القطيعة مع هذا العقل. إلى "عقل الفعل". 3/ لسنا في حاجة أن نزج بشبابنا في السجون. لن نصلحهم هكذا. و لن نصلح غيرهم. فقط نمزق مجتمعنا. فهم المجتمع المدني المغربي هذا الدرس. فهمته الدولة المغربية. أطلقوا سراح عبدة الشيطان.