باريس في 11 سبتمبر 2007 بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك نسأل الله تعالى أن يتقبّل الله تعالى الصوم و القيام من جميع المسلمين في مشارق الارض و مغاربها عموما و كذلك مسلمي اوروبّا و لا ننسى اخوانا لنا في غياهب السجون في تونس الحبيبة للقلوب , هؤلاء الصامدين المحتسبين الصابرين طوال السنين الطوال , نسال الله العلي القدير أن يفرّج عليهم قريبا, انه سميع عليم, ولا ننسى بقية اخواننا المسرّحين الممنوعين من العمل و من السفر, ولا ننسى المشردين في جميع أصقاع العالم نسأل الله تعالى أن يجمعنا و اياهم على أرض الخضراء الحبيبة . أمّا بعد, فلا يسعنا الا ان نذكّر ببعض المبادئ التي لا حياد عنها وهي ان المصالحة الوطنية السبيل الوحيد للخروج من الازمة التي تعيشها تونس الحبيبة لقلوبنا جميعا. و غيرة منّا على مصير الصحوة الاسلامية و الدّفاع عن بيضة الاسلام و ما الحركة الاسلامية الا وسيلة من اجل اصلاح ما فسد على مرّ العقود من الاستعمار و التغريب و انتهاءا بتجفيف ينابيع التديّن من طرف الحاقدين و تصرّف بعض المراهقين الذين استدرجوا نحو طريق مسدود . لقد دفعوا السنين العديدة من السجن والتشريد والتجويع و المضايقات... لقد طالت المحنة حتّى كاد اليأس يدبّ في صدور المؤمنين بالقضية حتّى جاءت حادثة حمّام الشطّ الاليمة التي كانت دليلا قاطعا على أنّ الوضع لا ينبغي أن يستمرّ على هذا النحو ,اذ أن غياب الاعتدال و التعامل العقلاني ,لا سبيل الا أن يفتح الطريق لليأس و التطرّف و هذا ما نكرهه لشعبنا و لبلادنا التي لا نتمنّى لها الا الامن و الاستقرار و السلامة و التنمية و الرقي ,حتّى تنافس بلادنا بقية الشعوب المتقدّمة حضاريّا و تقنيّا . تذكيرا منّا بما نشرناه في 28 نوفمبر 1998 حيث ثمّننا الخطوات الايجابية عند الافراج عن الكثير من اخواننا و نتمنّى على الله ان يفرّج عن بقية اخواننا القابعين في السجون و لسان حالهم يقول ما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و هو راجع من الطّائف اذ قال : { اللهمّ الليك أشكو ضعف قوّتي, و قلّة حيلتي, وهواني على النّاس, يا أرحم الراحمين, انت ربّ المستضعفين, و انت ربّي, الى من تكلني, الى بعيد يتجهّمني , أم الى عدوّ ملّكته امري, ان لم يكن بك غضبٌ عليّ فلا ابالي , غير أن ّعافيتك هي اوسع لي} ,نسأل الله تعالى أن يجمعنا و اياهم في رحاب البلاد باهليهم الذين هم أشدّ شوقا اليهم. لقد ذكّرنا بان حركتنا تأسّست من أجل الدعوة الى الله و التعريف بالفكر الاسلامي الذي من شانه أن يساهم في نشر الخير بين أبناء البلد الواحد الى جانب بقية الشرائح السياسية المتواجدة على الساحة التونسية قصد ايجاد مجتمع تسوده مبادئ الأخوّة والمحبة و التعاون و التسامح المستمدّة من السيرة النبوية الشريفة و ‘‘الحكمة ضالة المؤمن التقطها أنّى وجدها وهو أحقّ بها‘‘ 1- نجدّد العهد في المضي قدما في الدّفاع عن المبادئ الاسلامية السمحة في التغيير عن طريق الكلمة الطيّبة و الكتاب و المقال الصحفي و النصح الجميل و المسيرة السلمية و غيرها من الوسائل النضالية المسالمة المتنافية مع العنف الجسدي و المادي الذي نرفضه و نندّد به من حيث كان مأتاه . 2- تمسّكنا بالوسائل السلمية في التغيير و استبعاد أي تصرّف من شأنه أن يتنافى مع احترام الحرمة الجسدية للمواطن مهما كانت انتماءاته السياسية أو العقائدية ... 3- ندعو الجميع الى التسامح و التعاون و فضّ الخلافات و المشاكل على تنوّعها عن طريق الحوار بين الفرقاء و نشر مبادئ الاخوة و المحبة بين الجميع. 4- دعوة القيادة الحالية الى تقديم نقد ذاتي و الى أن يتّقوا الله في الأمانة التي وضعت في أعناقهم فضيّعوها– على مستوى المؤسّسات, لا على مستوى الأشخاص – و تقييم مرحلة العشرية السابقة على علّتها و الكفّ عن استبعاد و تغييب و تهميش من لهم السبق من مواقع القرار, و الرّجوع الى الخطّ الأصلي أو إرجاع الأمانة إلى أهلها – في داخل البلاد لا خارجها – ضمن ضوابط لا سبيل للحياد عنها. -الدعوة الى اطلاق سراح مابقي من أبناء الحركة في السجون وكفى الحركة ما دفعت نتيجة اخطاء بعض افرادها من تشريد و سجن و تعذيب حتّى الموت احيانا لبعض المناضلين قليلي التجربة,اذ وقع التغرير بهم و دفعهم في طريق مسدود نتيجة خيار غير سليم لم يقع الاجماع حوله حتّى نفتح صفحة جديدة للتامّل و المراجعة و المحاسبة فيما بيننا في داخل القطر لا خارجه. و بذلك فقط يمكن للدرّ أن يعود الى معدنه و تأخذ الصحوة الاسلامية موقعها في كنف الوضوح الكامل. ان تاريخ حركتنا يشهد أننا كنّا و لا نزال في خدمة قضايا الوطن و المواطنين و لا نريد الا الاصلاح ما استطعنا في خدمة قضايا الوطن و المواطنين ,و العمل الدؤوب على اسعادهم و تقديم الخدمات المتنوّعة لهم في اطار ما يسمح به القانون , و لم تستنكف حركتنا من وضع يدها في يد الصادقين ومحبّي الخير للعباد والبلاد, و قد شاركنا في الانتخابات التشريعية سنة 1989 بعد موافقة الجميع على ذلك, ثمّ كانت بعض الانزلاقات التي لم نخترها, فدفعنا ضريبة الدمّ و السجن و التشريد والتجويع . اما يكفينا كلّ هذا؟ اما آن الاوان – في الوقت الذي يتصالح الاعداء و لو بعد السنين و العقود من الصراع المتواصل وسيلان الدمّ الغزير – ان نمدّ ايدينا لبعضنا البعض , حتّى نفتح صفحة جديدة ناصعة ,حتّى لا تخسر تونسنا العزيزة الكثير من الطاقات و الثروات البشرية التي دفع الشعب التونسي الكثير من أجل تثقيفها و تكوينها فجعل منهم الكوادر العالية و ذوي الشهادات الرّاقية , حتّى نسّخرهم لخدمة الجميع عوضا عن تغذية روح الحقد و الضغينة بين ابناء الشعب الواحد . -ان الكثير من القدرات و الكفاءات الموجودة في السجن أو المهجر معروفة لدى الجميع بسلوكها الحسن و سمو أخلاقها , و قد أدّت خدمات جليلة في مواقعها و يشهد لهم كلّ من عاشرهم و اختلط بهم , و ستجدون الاجابة التي تزكّيهم ممّا ألصق بهم من باطل الاتهامات نتيجة وشايات باطلة من قبل قوى الشرّ من قوى اليسار الانتهازي الحاقد الذي يريد أن يخلو له المجال ليعيث في الارض الفساد. هذا هو الواقع المرير , وقد دفعنا الكثير نتيجة اخطاء بعضنا البعض , و نحن ما زلنا نواصل في الدعوة للمصالحة الوطنية التي بها يمكن الخروج من الوضع الذي دفعتنا اليه هذه القيادة نتيجة سياستها الخرقاء التي تفتقد للجراة بالرجوع بالحركة الى الدّاخل بكلّ الوسائل ,بداية بالتشجيع على العودة الى أرض الوطن التي أصبحنا فيه غرباء. ..... ان الخطا ليس في الادبيات و الخطط ولا في البرامج المجمع حولها لكن في التنزيل و سوء الاختيار لرجال المرحلة و الغرور و عدم ضبط النفس . في الاخير و ليس آخرا, ليس لنا ملجئ الا لله نشكو له حزننا , و نقول حسبنا الله و نعم الوكيل , فهو نعم المولى و نعم النصير , فهو ربّ المستضعفين وهو ربّنا, و ويتمثّل موقعنا ذلك من ذكرهم الله في منزل كتابه الكريم ‘‘ الذين استجابوا لله و الرّسول من بعد ما أصابهم القرح " للذين أحسنوا منهم و اتقوا اجر عظيم" "الذين قال لهم النّاس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل , فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء , و اتّبعوا رضوان الله و الله ذو فضل عظيم ‘‘ و في الختام ليس لنا الا ان نشفق على من يمارسون الظلم من غضب الله و من دعوة المظلومين التي ليس بينها وبين الله حجاب, و ليعلموا أن الله أقدر عليهم فهو القوي القهّار,و قاهر الجبّارين. و نسأل الله ان يتقبّل صيام و قيام الجميع. ‘‘ يا ايها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط , و لايجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا, اعدلوا هو اقرب للتقوى , انّ الله خبير بما تعملون‘‘ (سورة المائدة 8 ) ‘‘ لا يغيّر الله ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم ‘‘ صدق الله العظيم و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس باريس في 11 سبتمبر2007