هل هو الحنين إلى عادات وتقاليد تونسية تكاد تندثر مع هجمة التحديث الاجتماعي، التي تعرفها البلاد، أم أن المسألة اقتصادية بالأساس تسعى من خلالها العائلة التونسية إلى سد الثقب الحاصل على مستوى الميزانية؟ أم أن الأمر يجمع بين هذا وذاك؟ هذه الأسئلة رافقتنا ونحن نجوب الأسواق الواقعة وسط العاصمة التونسية، الحركة على أشدها والماشي لا يكاد يجد متسعا للمرور فيتحرك بصعوبة وعليه أن يقبل المزاحمة والمنافسة لقضاء حاجاته الرمضانية التي يعتبرها أكيدة أو الرجوع فاضي اليدين. أما الباعة أنفسهم، فإن أعدادهم تتضاعف حتى ليذهب إلى ظنك أن معظم أفراد العائلة التونسية قد أصبحوا تجارا، وتتساءل حينها من يبيع لمن؟ ولكنك حينما ترجع مساء قافلا إلى منزلك، فلا تجد لكل تلك المنتجات أي أثر، تتأكد حينها أن كل شيء قد بيع، وأن التاجر والمواطن قد رضيا. اللافت ان شهر رمضان يغير الكثير من العادات والطباع، فهناك قناعة بأنه فيه تنزل البركة على جميع العائلات. صحيح ان رب العائلة قد يشتكي من كثرة المصاريف، ولكن معظم العائلات التونسية تفطر تقريبا بنفس الشكل وعلى نفس الأطباق مع فوارق قليلة بين عائلة وأخرى وبين إمكانياتها. فمعدل دخل الفرد السنوي في تونس، حسبما نشرته وكالة أ.ف.ب يقدر بثلاثة آلاف دولار، اي ما يعادل 250 دولارا شهريا. ويزيد استهلاك التونسي خلال شهر رمضان مرتين على الاقل. وتؤكد وزارة التجارة ان «نسبة استهلاك اللحوم والدواجن تزيد في رمضان 38% والبيض 98% والحليب ومشتقاته 92% والخبز 30%. كما يتضاعف استهلاك الاسماك المصبرة 4 مرات والتمور 6 مرات». اللافت ايضا في تونس، ترافق هذا الشهر المبارك مع ظهور أنشطة عديدة ومهن جديدة تختفي بانتهائه. فقد يغير بعض التجار مثلا محلات الأكلات الخفيفة التي كانت في السابق موجهة بالأساس إلى موظفي الإدارة التونسية خلال النهار، إلى محلات لبيع الحلويات مثل «الزلابية» و«المخارق» و«وذن القاضي»، والخبز الذي يتفنن الكثيرون في تعطيره وإعطائه أشكالا تغري بالشراء، فيعرض بهذه المناسبة خبز الشعير وخبز القمح والخبز «المبسس» بزيت الزيتون وذاك الذي يزين بحبة الحلاوة. وتظهر إلى السطح العربات الصغيرة التي تجوب الأزقة والطرقات، وقد تذهب إلى العائلات القاطنة بالأحياء الشعبية تبيعها الخضر بأنواعها والغلال الفصلية المتنوعة، وقد تجد الكثير من الباعة قد وضعوا فوق الصناديق البلاستيكية، كميات من «الملصوقة» والنعناع الذي يكثر عليه الطلب العائلي خلال شهر رمضان، ويتخذ الكثير من الناس، هذه المهن بصفة موسمية وذلك لإعادة بعض التوازن لميزانياتهم. وتقبل العائلة التونسية وخاصة المنتمية إلى الطبقة المتوسطة على منتجات «العربي» أو «الدياري»، كما يسمونها، كونها ترجع إلى عادات الأجداد وتقاليدهم، فيفضلون الخبز العربي، والدجاج العربي، والحليب الطازج ومشتقاته والأجبان و«الريفوتة»، كما يختفي زيت الزيتون من المخازن ويكاد ينفد على الرغم من أسعاره العالية (حوالي خمسة دنانير للتر الواحد). ونتيجة لما تلقاه هذه المواد من إقبال عليها، فإن فارق الأسعار يبدو واضحا بين المواد الغذائية المصنعة والمواد الطبيعية، التي قد تصل في بعض الأحيان إلى الضعف. التوابل من جهتها تحتل بأنواعها، الكمون التابل الكركم الكروية الفلفل الأحمر وغيرها ...) مكانة مهمة في سوق البيع والشراء، لذلك يدعم بعض الباعة أنشطتهم بهذه السلع خلال شهر رمضان ويضاعفون من الكميات المعروضة وينوعونها ويعرضونها بطريقة تجلب اهتمام الصائم وتفتح شهيته.