أعلنت مجموعة من الهولنديين الأربعاء 31/5/2006 عن عزمهم على تشكيل حزب سياسي، يدعو إلي رفع الحظر القانوني عن ممارسة الجنس بين القصر والبالغين، وعن الأفلام الجنسية (البورنو جرافي) التي تستخدم القصر. ويسمى الحزب نفسه حزب (NVD) (ان في دي) اختصارا لكلمات "حب الآخرين والحرية والتعددية"، لكنْ الساسة والمواطنون الذين صدمتهم الفكرة، أسموه فورا، حزب "البيدوفيل" )المغرمين جنسيا بالأطفال). غرق القسم الدولي بإذاعة هولندا العالمية، في سيل من المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإليكتروني، حول هذا التطور الدرامي في الساحة السياسية الهولندية. محرر الشئون الدولية بالإذاعة "بيرتوس هندريكس"، يحاول أن يلقى بعض الضوء على هذا الإعلان المثير للجدل. هل فقد هؤلاء الهولنديون الحمقى رشدهم تماما؟ وهل يعني الإعلان عن حزب "البيدوفيل" أن كل شيء جائز في هولندا؟ الإجابة على السؤالين هي لا قاطعة ونافية. لكن، إذا أخذنا في الاعتبار، صورة هولندا في الخارج كبلد متساهل جدا، يمكننا أن نتبين بسهولة، لماذا يمكن أن ينشأ سوء الفهم. صحيح أن هولندا تتساهل حيال بعض القضايا، مثل المخدرات ودعارة البالغين، لكن كل دول العالم لازالت تعاني من مشاكل المخدرات والدعارة، وليس من بلد واحد توصل حل لهذه المشكلة، أو حتى الحد منها، بل ربما كان العكس صحيحا؛ إذ تمول تجارة المخدرات كافة أشكال الإجرام، فيما تختنق المحاكم في شتى أنحاء العالم، بقضايا المخدرات، التي تكاد تشل النظم القضائية، وبالرغم من ذلك، يبدو أن أجهزة الشرطة على نطاق العالم، تخسر معركتها ضد المخدرات. يتميز الهولنديون بالعملية و"البراجماتية" ويعتبرون مدمني المخدرات ضحايا المرض، وعلى سبيل المثال، فإن مدمني الهيروين يحتاجون للمساعدة؛ للتعافي من إدمانهم، فيما ليس من فائدة ولا ضرورة لدفع الباحثين من مخدر خفيف، مثل "الماريجوانا"، لا يسبب الإدمان، إلي عالم الأجرام السري تحت الأرض؛ حيث تزداد مخاطر تعاطي المخدرات الثقيلة. لذلك، قررت هولندا، قبل سنوات قليلة، رفع الحظر القانوني عن بيع المخدرات الخفيفة، مثل "الحشيش" و"الماريجوانا" بكميات قليلة، للاستهلاك الشخصي، وهكذا ولدت مقاهي "الماريجوانا" الشهيرة في أمستردام (كوفي شوب). ويصح الأمر نفسه على تجارة الجنس، فإذا كنت لا تستطيع تجنب شرور الدعارة كلها، بكل ما يرتبط بها من انتهاكات واستغلال إجرامي وتجارة للنساء، على نطاق واسع، فمن الأفضل للحد من بعض من أفظع مظاهرها والتخفيف منها، برفع الحظر القانوني عنها إلي حدود معينة. ويحاج مؤيدو هذه الفكرة، بأن هذا الوضع يمنح النساء العاملات في تجارة الجنس، حماية أفضل، ضد الاستغلال والانتهاكات التي يتعرضن لها من قبل مُخَدميهن المجرمين، وهكذا أصبحت الدعارة غير مجرمة قانونا، بشروط مشددة جدا. مثل هذه الإجراءات والسياسات، هي التي أكسبت هولندا سمعتها كمجتمع متساهل. لكن هذا التساهل لا يمضي دون إشكالات جدية وبعض التعديلات الضرورية للتوازن والتوافق، عندما توشك الأمور على أن تخرج عن السيطرة، وهكذا، تم مؤخرا، الحد من عدد مقاهي (الكوفي شوب) وضع ما تبقى منها تحت رقابة مشددة. وفوق ذلك كله، لهذا التساهل الشهير حدود واضحة، فالمخدرات الثقيلة تبقى مجرمة، وكذلك التجارة في كميات كبيرة المخدرات الخفيفة، ك"الماريجوانا"، كما هو الحال في أي مكان آخر. فيما يخص تجارة الجنس، هنالك حد واضح ونهائي. إساءة معاملة الأطفال جنسيا واستغلالهم جنسيا واستخدام الأطفال في الأفلام الجنسية الفاضحة، كانت وستظل محرمة ومجرمة بشكل مطلق. وكان لغضب الشعب الواسع للانتهاكات الجنسية الفظة للأطفال، التي ارتكبها "مارك ديترو" في بلجيكا قبل سنوات، محفز إضافي؛ لتعزيز التحريم القطعي، لأي شكل من أشكال إساءة معاملة الأطفال جنسيا، وإيذائهم في هولندا. كما توسع الحظر، ليشمل السياحة الجنسية في الخارج، وعلى سبيل المثال، فقد لوحق قانونيا وأدين، سياح هولنديون؛ بتهمة ممارسة الجنس مع أطفال في تايلاند، عقب عودتهم لهولندا. كما أن حيازة صورة جنسية فاضحة للأطفال، سواء كانت مطبوعة على أية وسيلة أو محفوظة على الكمبيوتر، محظور تماما ومجرم قانونا، ويتم ملاحقة مرتكبيه. وتعمل وحدات خاصة من الشرطة الهولندية، بالتعاون مع الدول الأوربية الأخرى والولايات المتحدة الأميركية، في ملاحقة وتفكيك شبكات "بورنوجرافيا" القصر على "الإنترنت". لكن في النظام البرلماني الهولندي، الذي يلتزم فيه الجميع بالقانون، يحق لأي شخص أن يكون حزبا؛ للعمل على تغيير القوانين بالطرق المشروعة، حتى ولو كان من المعروف مسبقا، أن حزبا مثل هذا لن يكسب أي مقعد. لذلك، لا يمكن اعتبار تأسيس حزب "البيدوفيل" دليلا على أن كل شيء يمكن أن يحدث في هولندا. بل ربما كان ذلك دليلا على اليأس التام لمجموعة "البيدوفيليين" الذين فشلوا طوال سنوات، في التأثير على الساسة؛ لإلغاء تجريم ممارسة الجنس مع القصر (الأكبر من 12 عاما) وأفلام "البورنو" التي تتضمن القصر. لذلك، فإن ما أقدموا عليه بإعلان تأسيس حزب، إما أن يكون بهدف إثارة الاهتمام الإعلامي بهم، وقد نجحوا في ذلك نجاحا كبيرا، أو لوضع مطالبهم في الأجندة السياسية للبلاد للمستقبل، وفي هذه الحالة، يشير الغضب والصدمة المفجعة، الذي تلقى بها الرأي العام محاولتهم هذه، إلي أنهم لن ينجحوا أبدا.