دخلت تونس طورا أرقى من عملية البناء والتطوير بتولى الرئيس زين العابدين بن على مسؤولية الحكم فيها واتّخاذه الإصلاح والتحديث هدفاً له على كافة المسارات والصُّعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفى كل ما يرتبط بالصالح العام. وهو ما أفضى على مدارعقدين من الزمن إلى مراكمة زخم من المنجزات أعطت المبرر لمراقبين كثرٍ عرباً وأجانبَ ليَعدوا السابع من نوفمبر1987 نقطة التحول الكبرى فى تاريخ البلد مستندين إلى تكامل أبعاد التجربة التونسية. فضلا عما يميزها من عمق وشمول بما يشرّع للحديث عن نموذج تونسى فى الإصلاح والتنمية قابل للتعميم عربيا فى ظل التعثر الواضح فى بعض ساحات وطننا الكبير. لقد شهدت تونس قبل تحول السابع من نوفمبر، صراعات مختلفة الأبعاد سياسية وايديولوجية.. أسهمت فى إضعاف الجبهة الداخلية، لذلك كانت اولويات نظام السابع من نوفمبر التخلص من كل معوقات المصالحة الوطنية وتمتين الجبهة الداخلية تأسيسا على التجارب السابقة والتزاما بالثوابت الوطنية، وشمولا لكل الجوانب التاريخية والسياسية والاجتماعية. فقد كان من مهام مشروع التغيير تحقيق المصالحة التاريخية فى كل أبعادها وقطع الطريق أمام كل توظيف للهوية واعتبارها قاسما مشتركا بين جميع التونسيين يجعلهم قادرين على مسايرة تطورات الحداثة واعادة الاعتبار للذاكرة الوطنية بكل ثقة فى النفس ودون خوف من ضياع الهوية وفقد الذاكرة.. فقد وضع التغيير حداً حاسماً لجدل طويل حول الهوية والتاريخ بالتأكيد على الانتماء العربى الاسلامى والافريقى ودور تونس العريق المتجدد فى محيطها المتوسطى ليتّضح حرص الرئيس بن على على صون الهوية وتعهّد الذاكرة. كما استلهم المشروع الحضارى للتغيير حركته الإصلاحية التحديثية من رموز الإصلاح الذين أعيد الاعتبار إليهم ونُفض غبار النسيان عن منجزاتهم وإضافاتهم. أعطت عمليات إخلاء السجون من سجناء الرأى والسياسة واعادة الاعتبار لحوالى عشرين ألف مواطن منهم من كان مهددا بالإعدام، الصورة الحقيقية والوجه الإنسانى والبعد الحقوقى فى عملية اصلاح الحياة السياسية فى تونس. واتضح ذلك مع التعديل الجوهرى للدستور مترافقا مع العديد من الإجراءات منها إلغاء محكمة أمن الدولة وخطة الوكيل العام للجمهورية مع فتح ابواب الحوار مع أحزاب المعارضة دون شروط مسبقة مما حقق إجماعاً وطنيا لم تعرفه تونس فى تاريخها المعاصر.. وقد اعتبر الرئيس بن على أن الديمقراطية والمشاركة السياسية اختيار استراتيجى وشرط اساسى وحيوى لتحقيق التنمية الشاملة. منذ البدايات الأولى لعهد التغيير، ولضمان دوام المصالحة الوطنية وتأسيس حياة سياسية ديمقراطية سليمة متطورة كان لا بد من تحديد ضوابط العمل السياسى والاتفاق على القواسم المشتركة بين مختلف مكونات المجتمع السياسى والمدني، تَمّ اعلان الميثاق الوطنى كعقد شرف اخلاقى وحضارى بين جميع الاطراف وخلص لتنقيح الدستور وسن قانون الأحزاب ومراجعة قانون الصحافة والجمعيات. وقد تضمن الميثاق محاور أربعة تعلقت بالهوية العربية الاسلامية ومتطلبات تجذيرها، وبمقومات النظام السياسى وأسس التعامل الديمقراطى داخله وبنمط التنمية وسلوكيات التحاور الاجتماعى والتضامن الوطني. ولقد تميز المسار الديمقراطى فى تونس العهد الجديد بالخصوصية أى الاستجابة لحاجات داخلية بعيدا عن أى ضغط خارجى وفتح المجال للمشاركة على أوسع نطاق ورفض الإقصاء والتهميش. وشملت المصالحة الاجتماعية رد الاعتبار لمكونات المجتمع المدنى التى عانت التهميش من قبل.. وتم تيسير ظروف تأسيس الجمعيات ورُفع الحظر عن المنظمة الطلابية ومُنحت حق عقد مؤتمراتها.. وما لبث ان تم تجديد الحياة السياسية على تلك الأسس. ومما ساعد فى تسريع وتيرة الإصلاح وإعطائها قيمة مضافة تجسيد التعددية الحزبية بفتح مجال المنافسة بين عدة أحزاب وطنية أبرزها التجمع الدستورى الديمقراطى حزب الأغلبية المضطلع بالحكم ووريث الحزب الاشتراكى الدستوري. وتعددت المبادرات وسن القوانين فى اتجاه تكريس مشاركة مختلف الأحزاب السياسية فى الحياة العامة وتدارس القضايا المتصلة بالحياة السياسية وتقديم المبادرات والمقترحات للرئيس بن على من أجل مزيد التطوير والتحديث. لم يكتف الرئيس بن على بتكثيف الاجراءات وسن التشريعات المكرسة لحقوق الانسان بل ارتقى بتلك الحقوق الى الى مرتبة الدستور، وتم تأكيد إعلان تصديق تونس على اتفاقية الأممالمتحدة الخاصة بمناهضة التعذيب وأصبح تعزيز حقوق الإنسان سمة لعهد السابع من نوفمبر. وعلى اثر ما تحقق من مصالحة وطنية وتجديد للحياة السياسية أطلقت عملية التعددية كتجسيد عملى للخطاب الجديد والانفتاح السياسى واستيعاب الكفاءات ومختلف الشرائح الاجتماعية. ورفدا للمسار التعددى اتخذت العديد من الاجراءات لفائدة الجمعيات تمثلت فى تبسيط الاجراءات الادارية الخاصة بتكوين الجمعيات وذلك بحذف الترخيص المسبق وتعويضه بتصريح، وتصنيف الجمعيات حسب نوعية نشاطها وأهدافها وذلك لتيسير مجالات المساعدة التى توفرها مختلف الاطراف وتوضيحها، واسناد مسألة حل الجمعيات الى السلطة القضائية بعد أن كانت تحت سيطرة وزير الداخلية، وتقنين انتصاب المنظمات غير الحكومية وتمكينها من الحوافز والامتيازات ،وإقرار يوم وطنى للجمعيات ، واستحداث صندوق المساهمة فى تمويل مشاريع المنظمات.. التعبير وبوابة المستقبل فى المجال الاعلامى وحسبما يؤكده المحللون والراصدون لعمليات الاصلاح والتحديث التى أفرزتها تجربة السابع من نوفمبر فإن الاعلام قد تبوأ منزلة أساسية فى البناء الديمقراطى التعددي. وذلك تأكيدا لدوره الحيوى فى افساح المجال امام تنوع الآراء وحرية التعبير التى يضمنها الدستور من خلال تبسيط الاجراءات والتقليص من العقوبات الجزائية أو حذفها من مجلة الصحافة.. كما تتلقى أحزاب المعارضة تمويلاً عمومياً لمساعدتها على انتظام صدور صحفها، فبالاضافة للمنح العمومية التى أقرها القانون والتى تصرف مباشرة لأحزاب المعارضة فإن كل صحيفة من صحفها تستفيد من تمويل وطني. وشمل الاصلاح مجال التربية والتعليم بصدور القانون التوجيهي، وعدّت التربية أولوية مطلقة وأُقرت إجبارية التعليم الذى اعتبر بوابة المستقبل وحقا أساسيا ومضمونا. الاقتصاد فى خدمة المجتمع سجل الدخل الفردى فى تونس ارتفاعاً مشهودا. وقد أوجد الاقتصاد التونسى الذى يشهد نمواً مطرداً مناخاً مشجعاً للمستثمرين لا سيما من بلدان الاتحاد الاوروبى وبلدان الخليج العربى واليابان والولايات المتحدة وقامت حوالى 3000 مؤسسة أجنبية باستثمارات مباشرة أو فى نطاق الشراكة مع أطراف تونسية.. وتطبق تونس نموذجاً تنمويا يسخر الاقتصاد لخدمة المجتمع ما يفسر التوسع الكبير للطبقة الوسطى وازدهار سوق الشغل وتميز وضع المرأة. وفى مجال السياحة تحوز تونس مؤهلات كبرى إذ تمتاز بطبيعة خلابة وبتراث رفيع متأت من مساهماتها الكبيرة فى الحضارة الانسانية، فضلا عن منجزات ضخمة فى مجال البنى التحتية السياحية. دماء الشباب فى مجال الشباب والرياضة يقول الرئيس بن علي: "أولينا الشباب مكانة رفيعة لأننا نؤمن بأن بناء المستقبل أساسه الشباب وجعلنا الشباب محوراً أساسيا لكل سياساتنا التربوية والصحية والتشغيلية والاجتماعية والثقافية والترفيهية والرياضية".. فبهذه العبارات استسهل الرئيس زين العابدين بن على النقطة 17 من برنامجه الانتخابى لرئاسيات2004 وحملت عنوان "شباب يستعد لمستقبل واعد" وهو ما يجسد مدى الاهتمام الرئاسى الذى يحظى به الشباب والذى تجلى من خلال المشاريع المنجزة لفائدته منذ بداية عهد السابع من نوفمبر وتتأكد هذه العناية يوماً بعد يوم. نحو عروبة فاعلة لتونس بقيادة الرئيس زين العابدين بن على حضور قوى على أوراق العمل العربى المشترك فى جميع المحافل والقمم العربية لا سيما قمة 2004 المنعقدة بتونس والتى أطلقت لأول مرة "وثيقة العهد" وبيان التطوير والتحديث فى الوطن العربي. ومما تم التنصيص عليه فى وثيقة العهد: التضامن فى تعزيز العلاقات والروابط بين الدول العربية وصولاً للتكامل من خلال تطوير التعاون العربى المشترك وتقوية القدرات الجماعية لضمان سيادة وأمن وسلامة وصون الاراضى العربية.. العمل على فض المنازعات العربية بالطرق السلمية من خلال تفعيل آلية الوقاية من النزاعات وإدارتها وتسويتها.. مواصلة خطوات الاصلاح الشامل.. تحقيق أهداف ميثاق جامعة الدول العربية ووضع الخطط المناسبة لتنفيذ السياسات المشتركة.. تطوير الأجهزة والهيئات الاقليمية العربية المتخصصة.. ضمان تنفيذ الدول الأعضاء لالتزاماتها واتخاذ الاجراءات المناسبة فى حال عدم تنفيذ تلك الالتزامات.. دعم العلاقات العربية البينية.. استكمال انجاز منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى.. وضع استراتيجية عربية شاملة. ميسم عملي وفى ما يتعلق بشأن مسيرة التطوير والتحديث فى العالم العربى أعلن القادة والزعماء العرب من خلال قمة تونس النموذجية 2004 التصميم على: استمرار الجهود وتكثيفها لمواصلة مسيرة التطوير فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية تحقيقا لتقدم المجتمعات العربية بما يتفق مع قيمها ومفاهيمها الثقافية والدينية والحضارية وظروف كل دولة وإمكانياتها.. تعميق أسس الديمقراطية والشورى وتوسيع المشاركة فى المجال السياسى والشأن العام وفى صنع القرار فى اطار سيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين واحترام حقوق الانسان وحرية التعبير. كما عقدوا العزم على: العمل على الاسراع بانجاز سوق عربية مشتركة والاسراع بالمراحل المطلوبة لذلك وتحقيق التكامل بين اقتصاديات البلدان العربية، وتنمية الاستثمارات وتطوير العلاقات الاقتصادية البينية.. وفى مختلف هذه النقاط يتبدّى الميسم التونسى واضحا بسماته الميالة إلى المنحى العملى وتغليبه على المظهر الشعاراتى الطاغى على الأدبيات السياسية العربية، ما يسمح بالقول إن عهد السابع من نوفمبر ليس فقط عهد مصالحة مع الذات بل هو أيضا عهد تَعَهُّدٍ لتلك الذات بالعمل والتطوير والتحسين ثقة فى النفس وطموحا إلى الأفضل. 01/11/2007