تونس 24 جويلية 2010 (وات)- يعتبر احتفال التونسيين يوم الأحد بالذكرى الثالثة والخمسين لإعلان النظام الجمهوري احياء لذكرى محطة حاسمة في تاريخ تونس المعاصر.. كان لها على مدى نصف قرن انقضي الأثر العميق في تشكيل ملامح دولة الاستقلال، وكان لها لاحقا الأثر الجليل في انخراط تونس في تجربة تحديثية رائدة شملت موءسسات الدولة وطبيعة النظام السياسي، وخياراته المجتمعية والتنموية الكبرى. وبالفعل فإن قيام الجمهورية مثل ولا يزال نقطة تحول كبيرة في تاريخ تونس المعاصر، مدارها اعلان المواطنة قيمة ثابتة ومقوما اساسيا لكرامة التونسيين وعزة الوطن ومناعته، وهو مكسب ناضلت فى سبيله اجيال الحركة الوطنية للظفر بالحرية والاستقلال وتكريس سيادة الشعب وتمكينه من حقه في تقرير مصيره. ويقوم حرص الرئيس زين العابدين بن علي سنويا على إحاطة الاحتفال بهذا الحدث بكل الاهتمام والاعتبار شاهدا على المكانة الرفيعة التي يوليها سيادته لهذه المحطة المفصلية في تاريخ البلاد ولان تستلهم أجيال تونس الحاضرة العبر والدروس منها بما يوطد العزم ويجدد الإرادة في إثراء رصيد المنجز الوطني على درب بناء الدولة الحديثة التي تنزل قيم العدل والحرية وحقوق الإنسان منزلة أثيرة صونا لمكاسب الحاضر وتعزيزا لمقومات بناء المستقبل الأفضل فرديا وجماعيا. وفي هذا الباب بالذات وتجسيدا للمسوءولية المشتركة التي تقع على الأجيال المتعاقبة في صون مكاسب البلاد ومنجزات مشروعها الاصلاحي تبرز الأبعاد العميقة لتزامن الاحتفال هذه السنة بذكرى اعلان النظام الجمهوري وما ينطوي عليه من قيم ومبادىء سامية مع تركيز أول برلمان للشباب، وفقا لما وعد به الرئيس زين العابدين بن علي، في برنامجه الانتخابي /معا لرفع التحديات/ لما في ذلك من دلالة بليغة على السعي إلى تربية الشباب على الولاء للوطن، والوفاء لأمجاده، والحفاظ على مكاسب البلاد وعزتها ومناعتها وعلى التواصل بين الاجيال. فقد جسم إرساء الجمهورية سنة 1957 كما أكد على ذلك الرئيس زين العابدين بن علي في الذكرى الخمسين لإعلان النظام الجمهوري (25 جويلية 2007) "معاني المواطنة بالنسبة إلى كل تونسي وتونسية وجعل من الشعب المرجع والفيصل في تصريف شوءون الوطن وفي مقدمتها الانتخاب الحر المباشر لمن يتولى شوءونه ولمن يمثلونه في السلطة التشريعية والمجالس البلدية." كما شدد رئيس الدولة في الخطاب نفسه على أن التحول الذي أنجزه كان مشروعا حضاريا استلهم جذوره ومبادئه من حركة الإصلاح ومن مسيرة الحركة الوطنية ومن طموحات شباب تونس وسائر قوى الشعب الحية.. تحول أراده "تواصلا وتطويرا وتحديثا وازدهارا"بأن رفض سيادته "فكرة إرساء الجمهورية الثانية لمجرد تقليد الغير" وبأن أوفى بما تعهد به من إصلاحات في بيان السابع من نوفمبر كان في طليعتها "إعادة الاعتبار إلى النظام الجمهوري وقيمه بوضع حد للرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية لرئيس الجمهورية." وقد تتالت منذ بدايات عهد تغيير السابع من نوفمبر وحتى اليوم الإصلاحات الدستورية لدعم النظام الجمهوري وترسيخ سيادة الشعب وتعددت المبادرات في هذا السياق وتضمنت بالخصوص توسيع مجال الاستفتاء التشريعي وإقرار الاستفتاء الدستوري لأول مرة في التعديل الذي أدخل على الدستور سنة 1997، حيث أصبح الشعب هو المرجع في كل ما يتعلق بالقضايا الوطنية وفي المسائل الهامة التي تتصل بمصلحة البلاد العليا. ولما كان تكريس علوية الدستور مقوما أساسيا من مقومات النظام الجمهوري، فقد بادر الرئيس بن علي منذ الأسابيع الأولى للتحول بإحداث المجلس الدستوري وعمل على تطويره وتعزيز مكانته بإدراجه في نص الدستور وإضفاء الصبغة الإلزامية على آرائه بالنسبة إلى جميع السلطات العمومية فأصبحت من صلاحياته رقابة الانتخابات الرئاسية والتشريعية وعملية الاستفتاء. كما جسدت مسارات التنمية والإصلاح التي توختها تونس المستقلة وبخاصة خلال العقدين الماضيين ثبات الإرادة السياسية في صيانة النظام الجمهوري ودعم موءسساته ترسيخا لسيادة الشعب وتكريسا لإرادته العليا. ومما يطبع مسيرة تونس الإصلاحية في المجال السياسي كونها قد سلكت تمشيا قوامه التدرج ومسايرة نسق تطور المجتمع ونبذ التسرع والارتجال وما يجره من محاذير وانزلاقات اكتوت بنارها عديد البلدان القريبة والبعيدة. فعلى الصعيد السياسي شكل التنقيح الجوهري للدستور الذي صادق عليه الشعب التونسي في أول استفتاء مارسه في حياته في ماي 2002 إضافة حاسمة على طريق الإصلاح والاستشراف والتأسيس لجمهورية الغد. فقد نصت الأحكام الجديدة المدرجة بالدستور على إعادة تنظيم المجلس الدستوري في تركيبته ومشمولاته بما عزز استقلالية أعضائه وفتحت مجالات أرحب للمشاركة وتمثيل الشعب بإحداث مجلس المستشارين (غرفة برلمانية ثانية إلى جانب مجلس النواب) وتعديل نظام الانتخابات الرئاسية باتجاه تكريس خيار التعددية على هذا المستوى، علاوة على إدراج مبادىء حقوق الإنسان والتضامن والولاء للوطن في نص الدستور تشديدا على إلزامية احترامها من قبل الجميع. ويبرز الحرص على ترسيخ التعددية وتكريس مبادىء الجمهورية كذلك عبر تاكيد الرئيس زين العابدين بن علي في كل المناسبات الوطنية على انه لا مكان في تونس للفكر الواحد وللون الواحد وان التعددية خيار لا رجعة فيه وان الاحزاب السياسية جزء لا يتجزا من المعادلة الديمقراطية والتنافس النزيه ولا بد لها ان تكون في مستوى من الفاعلية يخول لها الاضطلاع بادوارها علي افضل الوجوه. وهو ما تجسد فعلا بتخصيص منحة قارة لتمويل الاحزاب الممثلة بمجلس النواب والترفيع فيها ومضاعفتها والترفيع ايضا في المنحة المخصصة لصحفها وبتعزيز حضور مختلف الحساسيات السياسية ضمن قائمة الشخصيات والكفاءات الوطنية المنتمية الى مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي والاجتماعي. إلى ذلك فإن مراجعة النصوص المنظمة للمجالس العليا الاستشارية لتمكين هذه الاحزاب من ان يكون لها اعضاء بمختلف هذه المجالس أتى ليبرهن على إرادة سياسية صادقة في تكثيف مشاركة الأحزاب والاخذ بارائها بخصوص سير مختلف القطاعات. كما ان التنقيح الجوهري لمجلة الاحوال الشخصية الذي اعلن عنه سيادة الرئيس في 13 اوت 1992 يصب في اتجاه دفع مساهمة المراة في الحياة العامة فضلا عن دعم مكانتها كشريك فاعل للرجل صلب الاسرة والمجتمع. ومثلما طالت يد التعديل والتطوير نص الدستور فان إرادة تجسيد الخيارات المجتمعية والسياسية لتحول السابع من نوفمبر لم تستثن أيا من القوانين الأخرى ذات الصلة المباشرة ببناء مجتمع الديمقراطية والتعددية وصيانة حقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية. وقد تجسد هذا التمشي من خلال سلسلة الإصلاحات والتنقيحات التي شملت كلا من /المجلة الانتخابية/ و/قانون الأحزاب السياسية/ و/مجلة الصحافة/ و/قانون الجمعيات/ و/مجلة الأحوال الشخصية/ و/مجلة الشغل/ و/المجلة الجنائية/ و/مجلة الإجراءات الجزائية/. وتكتسي التعديلات المتعددة المدخلة على المجلة الانتخابية خلال العقدين الماضيين وآخرها تنقيح 13 أفريل 2009 أهمية خاصة اعتبارا للدور الموكول لهذا القانون في تنظيم الممارسة السياسية وتهيئة شروط تعميق البناء الديمقراطي التعددي. وتتيح قراءة مضمون هذه المجلة بعد جملة التنقيحات التي شملتها تبين عديد المميزات التي اكتسبها هذا التشريع والتي تعكس تصميما على ضمان حق المواطن في ممارسة حقه الإنتخابي بكل شفافية وتيسير مشاركته من خلال الأحزاب السياسية في تصريف الشأن العام . وقد أتت الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أكتوبر 2009 وكذلك الانتخابات البلدية، ماي 2010 لتشكل فرصة لمزيد تثبيت اسس الديمقراطية وقطع خطوات جديدة في ترسيخ المسار التعددي اذ عبر الشعب من خلال هذه المواعيد الانتخابية عن ارادته ومارس مواطنته وحقه بكل حرية ومسوءولية وفي كنف الشفافية لاختيار من يواصل قيادة مسيرة تونس الموفقة على درب الاصلاح والتحديث والنماء و من يمثله في مجلس النواب وانتخب كل مواطن من ينوبه في المجالس البلدية ال264 التي تعدها الجمهورية التونسية. ومن دواعي التفاوءل بمستقبل اكثر اشراقا لتونس، الاجماع الواسع للتونسيين بمختلف حساسياتهم وفئاتهم وشرائحهم في الداخل والخارج حول الرئيس زين العابدين بن علي وتمسكهم بسيادته لمواصلة قيادة مسيرة تونس والتفافهم المتين حول خياراته وتوجهاته الحكيمة وسياسته المتبصرة بما يتيح تحقيق المزيد من التقدم للبلاد ويكرس قيم الجمهورية ويثريها ويدعم مناعة تونس ويعزز سيادتها ومقومات الاستقرار السياسي والامن الاقتصادي والرفاه الاجتماعي بها.