تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    المانيا.. إصابة 8 أشخاص في عملية دهس    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا لتسييس قضية الحجاب

كان الحدث الأخير في مسلسل استفاقة المجتمع المدني التونسي للدفاع عن نفسه يتعلق بمبادرة استفزازية لا نعرف على وجه التحديد هل هو مخطط لها من الجماعة الماسكة بتقاليد الأمور في بلادنا أم لا ، رغم أننا نرجح الاحتمال الثاني ، هذه المبادرة ذات وجهين ، الأول يخص أقدس المقدسات عند المسلمين وهو القرآن الكريم و الثاني يهم مسألة الحجاب الذي انتشر في ربوع بلادنا دون علم واستئذان،
المسالة الأولى يحسن أن نتركها لعامة المسلمين وفقهاءهم و علمائهم ليقولوا فيها الكلمة الفصل و لا أظن تعاملهم معها سيكون أقل من حجم تعاملهم مع الرسوم المسيئة للرسول ، فالأمر يتعلق هنا بالمصحف الشريف الذي اعتداد زبانية النظام التونسي على الاستهانة به تقربا لسيدهم و طمعا في رضاه عنهم ، و يعلم ضحايا الهمجية منذ عقدين أنه صار تقليدا بغرض الإساءة لمساجين الصبغة الة من الإسلاميين لكن سياسة التكميم و التعتيم و القهر و أشياء أخرى لا نعلمها على وجه الدقة ، قد منعت وصول ذلك إلى وسائل الإعلام ، و يحزننا ما يحصل في أرض عقبة بن نافع و موطن الجامعة الزيتونية من أعمال نرى صداها التي لا تشرف تونسيا على وجه الأرض في تفاعلات المسلمين في موقع العربية نت على سبيل الذكر لا الحصر .
المسالة الثانية . تتعلق بالزي الإسلامي أو الحجاب ، وهذه قضية كنا نود أن تبتعد عن دوائر التسييس و تبقى شأنا فرديا يخص المرأة التونسية المسلمة ،لا حق لغيرها التدخل فيه ، لقد كان موضوع الحجاب أيام الصحوة الأولى على الأقل في معظم الحالات يترجم عن انتشار فكر الحركة الإسلامية بين الناس و عندما حصل الصدام بين هذه الحركة و السلطة كان من المفهوم أن تمتد المعركة إلى المحجبات ، و لم يكن ذلك ليرضي الإسلاميين جميعهم في تونس فقد روي أن الشيخ محمد صالح النيفر رحمه الله كان ينادي بإبعاد الحجاب عن أجواء المعركة السياسية و يشاطره الرأي في ذلك الكثير من الدعاة . و لو كنا نعتقد أن هذا الإبعاد لم يكن أبدا في مقدور القائمين على الحركة بحكم أن ظاهرة الحجاب كانت التعبيرة الأساسية لها في أوساط المرأة التونسية ، بحيث كان من الصعب الفصل بين صاحبات الموقف الإسلامي المناهض للسلطة بين المتحجبات غيرهن من اللاتي يضعن الخمار طاعة لله لا تخالطها نزعة سياسية ،
بيد أن العودة إلى الحجاب و انتشاره على نطاق واسع في السنوات العشر الأخيرة لم يكن أبدا معبرا عن موقف من السلطة القائمة معارضة أو موالاة ، بل كان شكلا من أشكال العودة إلى الدين بلغة العلمانيين وهي الظاهرة التي تشمل كل المجتمعات الإسلامية بل تمتد إلى المجتمعات المسيحية حتى قال أحد المفكرين الغربيين وهي يتابع الظاهرة إن القرن الواحد و العشرين سيكون قرن التدين أو لا يكون . و لا نشك أبدا أن الدوائر المختصة التابعة للسلطة تدرك ذلك على وجه اليقين ، .فكيف نستطيع إذن أن نفهم هذه الهجمة الأخيرة على الملتزمات بالحجاب ؟
لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال سنتناول العناصر التالية :
1 السلطة لا زالت تعيش "هاجس" النهضة .
لم تستطع السلطة بمختلف درجاتها أن تتجاوز عقدة التفكير في حركة النهضة كقوة حاضرة من خلال مساجينها و محاصريها على الأقل و باعتبارها طرفا قادرا على العودة إلى الساحة التونسية بمجرد أن تخف وطأتها على البلاد ويؤكد لها ذلك ما تتابعه من أحداث على المستويين الإقليمي و الدولي ، فالمد الإسلامي لا يحتاج إلى من يعرف به ، و إن بدا أن تونس تمثل حالة نشاز فإن ذلك لم بكن إلا بقرار ظالم و حازم منها أراد أن يعاكس التيار ، و يظهر أن السلطة كانت تظن أن الأمر يتعلق بموجة دينية سوف تمر سريعا ثم تعود الأمور إلى سالف عهدها إلا أن الحقيقة التي تأكدت مع مرور السنين هي أن هناك تحولات عميقة تشهدها الأمة الإسلامية تعبر عن نفسها كأحسن ما يكون في مظاهر الصحوة الإسلامية بمختلف مكوناتها . و هذا أيضا لا نظن أن الدوائر المختصة في تونس لا تدركه و لكن أصحاب القرار يتعمدون تجاهل الحقائق التي يكرهونها ,
إن تعامل السلطة مع الحجاب ، بقي محكوما بأجواء المواجهة سلطة \ نهضة التي رافقت حدث ما تسميه بالتحول و نعتقد أنها ستبقى إلى نهايتها متمسكة بمواقفها المتشنجة تجاه ما تدعوه بالزي الطائفي و بالتالي يبدو أنه ليس أمام المتحجبات إذا أردن التخلص مما يتعرضن إليه من انتهاكات و مظالم إلا الانخراط في معركة الشعب التونسي من أجل التحرر و الديمقراطية وإشراقة الإسلام . و في هذه الحالة سوف لن نختلف على أن انخراطهن في المعركة لم بكن بقرار من حركة النهضة أو غيرها من الجهات ذات المرجعية الإسلامية ولكنه قرار واضح من السلطة و القوى الاستئصالية المتحالفة معها التي تعمل بوعي أو بدونه للوصول إلى تسييس ظاهرة التدين عند التونسيين .
2 القوى الاستئصالية لا زالت تراهن على خيار استبعاد الإسلام .
تتوزع هذه القوى على دوائر متعددة بعضها يحتل مواقع قريبة من اتخاذ القرار و بعضها يكتفي بالعمل في الميدان الإعلامي أو ينشط ضمن هيئات المجتمع المدني كجمعية النساء الديمقراطيات مثلا ، وهذه الأطراف مجتمعة نعلم علم اليقين أن فرصتها في تبوّء المكانة التي تتطلع إليها في المجتمع التونسي ضعيفة جدا في دولة ديمقراطية يكون الإسلاميون طرف فيها ، وبالتالي فهي مستعدة للتنازل عن بعض مبادئها الأساسية في مقابل أن تدافع عن مواقع مهمة تحتلها بدون وجه حق ، أو تؤخر تحولات لا شك فيها من خلال متابعتها للأوضاع الإقليمية و الدولية لن تترك لها غير دور هامشي في صنع مستقبل البلاد ، وبالتالي فهي تراقب بحذر الأحداث و تحاول أن توجهها الوجهة التي تعتقد أنها تتناسب مع أطروحاتها . و يصدق هذا حتى لو سلمنا جدلا بأن هذه الأطراف لا يرضيها ما تقترفه السلطة من انتهاكات لحقوق الإنسان و ما أوصلت إليه البلاد من اختناق و ما فرضته علي المجتمع المدني من حصار. و من هنا نفهم لماذا تصر هذه الأطراف على التعامل مع أكبر مظلمة في تاريخ تونس الحديث على أنها مشكلة إنسانية وليس سياسية .
و لعل خير من يمثل هذا الاتجاه الاستئصالي من خارج السلطة زياد كريشان من خلال مقاله الذي نشر في مجلة حقائق العدد الثاني في 29 ماي 2006 .و الذي دعا فيه صراحة إلى مواصلة معركة الحجاب باعتباره يمثل أحد وجوه حضور الحركة الإسلامية في تونس و الرجل حريص على "حماية " المرأة التونسية من القوى الارتدادية على حد تعبيره . فبعد أن دافع عن أطروحة بائسة تدعي أن الحجاب هو أحد بقايا مظاهر التمييز بين المواطنين وهي كما قال جوهر المجتمعات التقليدية بما في ذلك الإسلامية ، وذكر أن:" الحجاب من منظور دعاته لا مرتدياته بالضرورة يمثل حجر الزاوية في هذا التمييز لأن من مستلزماته إحلال تمايز كامل بين الجنسين في المجتمع " نجده يعلن الحرب على خصومه من الإسلاميين :" فالرهان كما ترون جوهري وليس شكلي و إن كانت الأغلبية الساحقة لمرتديات الحجاب غير واعيات به و ربما تكون بعضهن ضده تماما إلا أن الحجاب منذ ظهور الأصولية الدينية السياسية في أواخر النصف الأول من القرن العشرين يعتبر الرمز الاجتماعي الأكبر لهذه القوى الارتدادية " و يتابع سرد موقفه :"إن تبيان خطأ أو على الأقل نسبية القراءة الأصولية في مسألة الحجاب ليس أمرا فقهيا شكليا بل لبنة أساسية لا لمحاربة الأصوليين فليس هذا هو المقصود بل لتمكين ملايين النساء العربيات المسلمات من عيش تجربتهن الدينية دون الوقوع في فخ الاستدراج السلفي .. إن كل صوت يرتفع في هذا الاتجاه إنما هو لبنة خير تجمي عامة المسلمين من غلاتهم المتزمتين ..."
إن هذا الخطاب الذي نحسبه بعبر عن المدرسة الاستئصالية من خارج السلطة يتردد في عدد هائل من المقالات التي تملأ صفحات الجرائد الصفراء التي تصدر بإذن من الأطراف المتنفذة في السلطة وهو يعبر عن أهدافه في فرض وصايته على نساء تونس باعتبارهن " قاصرات" من الممكن أن يقعن فريسة للحركة الأصولية و بالتالي فلا مندوحة من مشاركتهن في اختيار ملابسهن ؟؟ ،وهو من جانب آخر يعلن تسييس ظاهرة الحجاب بجعلها مسألة خلاف سياسي بين الإسلام السياسي و العلمانية المتطرفة في البلاد ،
وليس من الصعب الكشف عن الاتفاق بين هذا الخطاب الذي يعبر عن نفسه من خارج السلطة و بين موقف السلطة نفسها الذي عبر عنه وزير الشؤون الدينية منذ اشهر أو ما يكتبه المدعو رضا الملولي عضو مجلس المستشارين الذي نجده يصب جم غضبه على المنتفعين من أمثاله من عطايا السلطة ومن أصحاب الامتيازات الذين يغيبون عن المشاركة في المعارك التي يخوضها هو رفاقه من المرتزقة ضد قوى المعارضة بوجه عام و النهضة بوجه :" هؤلاء من أخطر ما يوجد و لا تعرف لهم عادة موقفا مما يحدث ومع ذلك يدافعون بضراوة وشراسة عن امتيازاتهم التي لا يستحقونها ..." هناك إذن كما يلاحظ خلافات بين أطراف السلطة حول الامتيازات و المصالح التي يحصل عليها البعض دون أن يشارك في القيام بالمهام القذرة التي يتصدر لها البعض الآخر وهذا موضوع جدير بالاهتمام لأنه يقدم بعض المعلومات عن ماهية السلطة قي تونس . .
ثم يأبى الملولي إلا تسييس القضية بامتياز في قوله :" هل يعقل أن ترفض الدولة و المجتمع الزي الطائفي و تتم الدعوة إلى تطبيق سياسة دينية واضحة المعالم و في المقابل وهذه المفارقة تجد صلب الحزب الحاكم ومن مواقع محددة من المسؤولية من تتباهى بحمل الزي الطائفي وربما قدمت تعليلا سخيفا لذلك يعتبر آية من آيات الانتهازية " فالأمر يتعلق إذن بسياسة دينية يقبلها البعض و يتحمس لها و يتهاون البعض الآخر في تنفيذها لأنه غير مقتنع بها و بالتالي فالمسألة ليست رفض الدولة و المجتمع لما سماه الزي الطائفي كما يدعي ولكنه موقف الجماعة المتنفذة في السلطة و الطائفة الاستئصالية في المجتمع التي تقاتل من أجل الدفاع عن أفكارها أو ترغب في الحصول على امتيازات لم تتحقق لها بعد ، كما هو واضح من مقال الملولي الصادر في نفس المصدر المذكور أعلاه ، فالمقالة كلها نتبين أن قضية الحجاب هي من جملة القضايا التي تتصارع حولها الأطراف المتمايزة في السلطة . وحتى نكشف إلى أي مدى أصبح الحجاب قضية سياسية في مفهوم هذا الجناح من السلطة نورد ما جاء في خاتمة المقال :" قد يتعامى الانتهازيون عن الحقيقة التالية : المشروع الحضاري للسيد الرئيس أتى لمواجهة الانحرافات التي سادت في النصف الأول من الثمانينات و من أبرز هذه الانحرافات التكالب على النفوذ و تزييف الحقائق و كلها تنتمي إلى قطاع الهرولة السياسية . " و للأمانة نشير إلى أن المقال المذكور لا يهتم بمسالة الحجاب بالدرجة الأولى لكنه اتخذها كأحد أمثلة المعارك التي تخوضها السلطة من أجل تحويل برامج الرئيس إلى واقع معاش ، وفي معرض حديث مطول عن فلسفة النقد في هذا العهد النكد ، وهو بذلك لا يقوم إلا بالكشف عن أغوار نفسه التواقة إلى الحصول على امتيازات أكبر ولفت انتباه أصحاب الأمر والنهي إلى خدماته الجليلة التي يقدمها لهم دون أن يرتقي إلى منزلة أولئك الذين ينتقد مواقفهم المتخاذلة كما يزعم ، فالمسألة إذن صراع بين أجنحة السلطة وصل إلى درجة الحديث عن أطراف انتهازية وأخرى "مبدئية " .
إن خيار استبعاد الإسلام عن معترك الحياة الاجتماعية و السياسية والثقافية في مجتمعنا لا زال الرهان الذي تتمسك به هذه القوى في محاولة منها للدفاع عن امتيازاتها التي حصلت عليها بدون وجه حق و لتحقيق مكاسب سياسية قذرة لأنها تبنى على حساب بناتنا ونسائنا و أمهاتنا العفيفات اللواتي لم يفكرن في الدخول في معارك من هذا النوع ، فهمهن فقط كان تحقيق التصالح بين مظهرهن وما يرونه سبيلا لإرضاء ربهن ، و لكنهن يجنين نتائجه دموعا و تأزما و حسرة على مستقبلهن الذي تتلاعب به أهواء جماعات جشعة لا يهمها إلا احتلال المواقع المهمة و الحصول على امتيازات عفنة . و إن الظلم لظلمات يوم القيامة ." و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون "
ونتخلص بهذا إلى تحليل مشهد اعتصام المحجبات أمام أبواب الجامعة لأنه أصدق تعبير عن تهافت خطاب السلطة و الجماعات المتحالفة معها أو الحالمة برد موجات التيار الإسلامي الهادر بإطلاق بالونات الهواء ،
3 اعتصام المتحجبات : استنتاجات ومواقف
الذي يتابع سياسة السلطة تجاه مظاهر الصحوة الإسلامية على العموم ظاهرة الزي الإسلامي على الخصوص يلاحظ أنها أصبحت تجرأ على تقديم قراءة فقهية تتعارض مع ما هو سائد عند المسلمين وهي تظن أنها بهذا سبين بطلان ما تسمية بالأطروحات الأصولية في هذا الخصوص ، و ولو أحسنا الظن بأولئك المتخصصين في شؤون الدين ،نقول إن هذا جيد ونقبل به كقراءة "تجديدية" للنصوص الشرعية لكننا لا نجد بأي حال من الأحوال أنه يبرر سياسة التنكيل بالمتحجبات باعتبارهن قد أخذن بالقراءة الأخرى لهذه النصوص التي تأمرهن بالالتزام بما التزمن به عن إدراك و قناعة ، ودعنا من حديث النساء القاصرات الغافلات الذي يدافع عنها "المحلللون "لأنه لن ينطلي على ذي عقل سليم ... أليس هذا هو مضمون احترام الحريات الأساسية للمواطن و المواطنة في دولة عضو في مجلس دولي للدفاع عن حقوق الإنسان و في بلد يدرس هذه الحقوق من المهد إلى اللحد و ينشرها بين الأمم ؟؟. ألا يدل مشهد المتحجبات وهن يعتصمن أمام أبواب الكليات لأنهن منعن من دخول قاعات الامتحانات على أن الأمر يتعلق بحرمانهن من حقهن في الدراسة و التفوق و فرض الجهل والأمية عليهن حتى يسهل إلزامهن بتقاليد التمييز التي ذكر كاتبنا زياد كرشان أنها جوهر للمجتمعات التقليدية و منها الإسلامية ؟؟ أيمكن أن يكون التصدي للأصولية الدينية بتطبيق مقولاتها على أرض الواقع من قبل خصومها ؟؟ إن المسألة كما يتضح حتى لضعاف البصر البصيرة ليست إلا كراهية للإسلام و من ينتسب إليه لأنه فقط يمثل منافسا قادرا على تغيير موازين القوى السياسية بما يهدد امتيازات و مصالح قوى الاستئصال و الديكتاتورية و ذلك هو السبب الرئيسي الذي من أجله يدفع الإسلاميون الثمن من أعمارهم سجنا و تنكيلا و تشريدا ،وهي أيضا لعبة سياسية تمارسها الأجنحة المتصارعة على السلطة و الجماعات الانتهازية المتحالفة معها على حساب حقوق المرأة التونسية متحجبة كانت أو سافرة ، لأن الاستبداد لا يفرق بين الجنسين ، فمثلما نراه يمارس سياسة القهر والتعسف على الرجال من إسلاميين و محامين و قضاة و نقابيين و رابطيين و عمال و تلاميذ ، فإنه يعبر عن طبيعته المعادية للإنسان في حق النساء و الفتيات و المحاميات والنقابيات و المناضلات ..
وأحسب أن حركة النهضة باعتبارها حركة ذات مرجعية إسلامية قد اختارت عن اقتناع عدم اللجوء إلى تسييس مظاهر الصحوة الإسلامية و من ذلك الزج بالمرأة المتحجبة في معترك الصراع على السلطة في البلاد لكن و الأمر قد تبين على أنه لا مفر من تسييس قضية الحجاب فمن واجبها أن تتخذ الموقف السياسي المتضامن مع المحجبات والمستعد للنضال إلى جانبهن بكل ما تملك دفاعا عن كرامة المرأة التونسية و حفظا لحقوقها في التعليم والاختيار و العمل .
هذه بعض الآراء نسجلها على هامش مشهد اعتصام المرأة الجامعية دفاعا عن حقها في الدراسة والنجاح ونحن نؤمن أن تلك المحطة الرمزية سيكون لها ما بعدها من تصلب إرادة التغيير و الانعتاق و فرض الحريات ".و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " صدق الله العظيم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.