1 هي من جيل مدونة الأحوال الشخصية التونسية، من اللواتي التي تشبعن بقيم الحداثة والعقلانية .. تعرضت لعملية تكفير واسعة النطاق من قبل العديد من المتزمتين الذي يدعون احتواء الدين الإسلامي والنطق باسمه، لا لشيء إلا لاقتران تحاليلها وتفاسيرها للظواهر الدينية بقراءة تغرف من ينبوع العقل. "آفاق" ارتأت التقاء الدكتورة سلوى الشرفي، الأستاذة بكلية الصحافة وعلوم الأخبار في تونس، وصاحبة كتابي (الإسلاميون والديمقراطية) و(الإسلام والمرأة والعنف)، إلى جانب مقالات ونصوص معمقة بعدد من المواقع الالكترونية، وطرحت عليها جملة من الأسئلة حول قضايا تثيرها الساحة الفكرية والسياسية في تونس، فكانت إجابتها متناسقة، كالعادة، مع أفكارها وقناعتها. وكان الحوار التالي: آفاق: قال رئيس حركة النهضة الأصولية راشد الغنوشي، في وقت سابق، إن "شعار الإسلام هو الحل ليس مجرد شعار، وإنما عنوان لمجتمع إسلامي حديث ودولة إسلامية متطورة". ما هي قراءتك لهذا الرأي، وهل تجدين في مثل هذا الموقف تجديدا وانفتاحا للفصائل الإسلامية على الأفكار الحديثة؟ - بلى إنه مجرد شعار. وكل الإيديولوجيات تدعي أنها "الحل". وأتساءل: إسلام الغنوشي حلّ لأي إشكال؟ فإذا كانت مشاكلنا اليوم تتمثل في الاستبداد والطائفية وعدم المساواة بين المواطنين والاستعمار المباشر أو غير المباشر، فإن تجربة الحركات الإسلامية السياسية التي وصلت إلى الحكم تفند أنها "الحل". فحيث ما حلت دعمت الاستبداد والفوضى وعدم التسامح والمحسوبية وهضم حقوق المرأة والقبول بالاستعمار. ونرى ذلك مع الوهابيين في السعودية وطالبان في أفغانستان والإسلاميين في تركيا (علاقتهم مع إسرائيل وأمريكا) وحزب الله في لبنان الذي يعمل بأوامر إيرانية وسورية على حساب مصلحة وطنه، وإيران والسودان والصومال ونيجيريا وباكستان وحماس في فلسطين وممارسات السلفيين في الجزائر وفي المغرب ومصر... وهي حركات تمثل معظم ألوان الطيف السياسي الإسلامي. لذلك لا فائدة بالاحتجاج بأن حركة الغنوشي تختلف. ثم إن كلمة إسلام في المطلق أوسع بكثير من إسلام الغنوشي أي قراءته الخاصة للإسلام، وعليه أن يتواضع قليلا ويقول "رؤيتي للإسلام هي الحل" ورؤيته هذه نعرفها. وشخصيا لا أرى تغييرا يذكر طرأ على هذه الرؤية منذ السبعينات. فهم اكتفوا بتبديل كلمة شورى بالديمقراطية وكلمة اجتهاد بالتشريع الشعبي. ولا توجد معادلة بين المفهومين، إنهما متناقضان. فمنذ شهر فقط كفّروني لمجرد اقتراحي تأويلا يختلف عن تأويلهم للإسلام وبرهنوا بذلك على استبدادهم بسلطة التفكير، أي أنهم لن يوفروا لنا بديلا للاستبداد. وكيف لحركة تتكلم باسم تصور ديني معين وتقدمه كحل أن تقينا شر التقاتل المذهبي والطائفي؟ وكيف لحركة ترفض بشدة المساواة بين المرأة والرجل وتصر على قوامة الرجل، أن تحقق مفهوم المواطنة؟ فحسب مفهومهم للمساواة لا يحق لي كامرأة حتى مجرد الشهادة الكاملة، فأنا في نظرهم أساوي أصلا نصف إنسان أمام القضاء وربعه في البيت مع ضرات ثلاثة وعلى "سي السيد" تأديبي بالضرب إذا لم أقبل بالقهر في البيت وعلى الحاكم تأديبي في الشارع إذا بانت خصلة شعر من تحت الخمار. المشكلة أنهم يعتقدون أن الديمقراطية هي مجرد المرور بصندوق الاقتراع وليست نظاما فكريا متكاملا يضمن حقوقا متساوية للمواطنين ولا يفرق بينهم على أساس الجنس والعقيدة. وإذا كان مضمون إيديولوجية الغنوشي، التي نعرفها جيدا، لا تحل على الأقل، هذين الإشكالين فكيف يدعي أنها تصور حديث وأنها الحل في المطلق؟ آفاق: ولكن أستاذة، هناك، بعد مرور نصف قرن من عملية بناء الدولة الحديثة في تونس- بالرغم من التشوهات التي صاحبتها- من يطرح بالبنط العريض اليوم، أن تونس تحتاج إلى حزب ديني ليصلح القول بسلامة المسار الديمقراطي. فهل سنجدهم يدعون يوما لقيام حزب لأتباع الديانة اليهودية، وآخر لأصحاب الفكر الشيعي في إطار المحافظة على هذا المسار؟ - لكل تيار الحق في الوجود والتعبير عن آراء من يمثلهم دون اللجوء إلى طلب رخصة، هذه قاعدة حقوقية لا جدال فيها. ولكل إنسان الحق في معارضة كل تيار يعتقد أنه مضرّ بمصلحة المجتمع، هذه قاعدة اللعبة الديمقراطية. وعلى هذا الأساس فليؤسس كل من له تصور سياسي معين، وإن كان يعتمد فكرا دينيا، حزبا خاصا به وليعارضه سلميا وفكريا من يخالفه الرأي. المشكل هو أننا لم نتوصل بعد إلى إرساء وفاق بين مختلف التيارات السياسية حول عدم المس ببعض الحقوق الأساسية، وأعني الحرية والمساواة أساسا، كما حدث في الغرب، حيث الأحزاب الدينية نفسها تدخل تحت مظلة اللائكية أي الحياد الديني. والأمر ليس فيه مفارقة لأن هذه الأحزاب لا تطالب بتطبيق تشريعات دينية على كامل المجتمع، وإنما تعمل على الترويج لمبادئ أخلاقية مع تقديم برامج سياسية واضحة. في الغرب لا أحد يمنع المتدين من الالتزام بالتشريعات الدينية ولا أحد يفرض على غير المتدين أو على الذي له قراءة متطورة للنص الالتزام بطريقة معينة في قسمة ميراثه مثلا، فالحياد هو سيد الموقف سياسيا، والحرية العقائدية هي سيدة الموقف اجتماعيا. وهذا ما لم يفهمه بعد حكامنا وحركاتنا السياسة الإسلامية بالذات. فالدولة تفرض معتقدها الخاص في الدستور وفي القوانين، والحركات السياسية الإسلامية تدعو إلى تطبيق ما تدعي أنها شريعة الله وقوله بالفاصلة والنقطة، وهو في الحقيقة اجتهادها الخاص، والدليل هو وجود هذا الكم الهائل من التيارات المختلفة التي تدعي أنها حارسة حكم الله. إذا تحقق الفهم الوفاقي الذي ذكرناه فليؤسس السنة والشيعة واليهود والدروز والهندوس... أحزابهم ولن يضير ذلك المجتمع في شيء. إنشاء إذاعة دينية تمش غير سليم آفاق: من جهة أخرى، يبدو أن الصراع بين الحكومة و التيارات الإسلامية بهدف استيعاب الإسلام "الشعبي" بدأ يحتدّ، وما قيام الحكومة بالترخيص لإنشاء إذاعة "الزيتونة" الدينية إلا أحد الخطوات التي تتنزل في هذا السياق. أتعتقدين في سلامة هذا التمشي؟ - أولا الصراع ليس جديدا فهو يعود إلى السبعينات وقد كان دائما محتدا. ثم إذا كان إنشاء إذاعة دينية لغرض سيساوي، أي أنه يدخل ضمن تكتيك سحب البساط، وهو أمر غير جديد كذلك، فهذا تمش غير سليم و لن يقدم خدمة للمجتمع كما أنه لن يقصي الصوت الإسلامي الآخر، فلا أحد يستطيع تعويض أحد. وقد كان من الأجدى فتح المجال للرؤيتين حتى يتمكن المواطن من الوقوف على مشروعين مختلفين واختيار الأجدى. أما الرؤية الواحدة فهي لا تسمح بتأسيس وعي صحيح يكون أساسه المعرفة. فلا اختيار بدون معرفة و بالتالي لا حرية بدون معرفة. آفاق: ألا تلحظين، في هذا الاتجاه، ترددا داخل أجهزة الدولة ما بين المشروع الحداثي والنموذج التقليدي المحافظ في نسخته الدينية؟ - لا أعتقد أن الأمر فيه ترددا إنما هو إجابات مؤقتة على تحديات متغيرة، إذن هي مجرد بلاغة سياسية. وهو أمر عادي في المجال السياسي حيث الكر والفر على أساس أن السياسة هي فن الممكن. وأعتقد بأن السؤال المهم هو هل أن البدائل التكتيكية المقدمة ناجعة أم لا؟ إنه أمر يستحق الدرس لذلك لا أستطيع أن أقدم إجابة جازمة وإنما أطرح فرضيات. يبدو لي أن الخطاب الديني للسلطة لم ينجح كثيرا في إقناع ما أسميته أنت بفئة الإسلام الشعبي، لأن هذا الخطاب لا يقدم بديلا مختلفا أو حتى مجرد قراءة متطورة للإسلام، وإنما يكتفي باقتراح صور منقحة للإسلام المعارض مثل صورة "السفساري" و"الفولار" بدل الخمار، في حين أن الواضح من النص، هذا إذا انطلقنا من منظومة دينية، أن مسألة لباس المرأة ليست محددة ولا واضحة ولا تعتبر واجبا دينيا كما يروج له الإسلام السياسي. والمسألة أصلا خلافية من قديم الزمان. كما أنه من الممكن تقديم بديل حداثي واضح لا ينطلق أصلا من المنظومة الدينية. خطاب السلطة، في هذه المسألة بالذات التي أخذناها كمثال، ليس خطابا أصيلا وخاصا فهو لا يقدم بديلا وإنما يسير في ركب ما يعارضه ويكون بذلك قد دعّمه. خطاب بورقيبة مثلا كان يبدو أكثر أصالة. آفاق: تأكد بالفعل أن الدين الإسلامي، بتحوله من فضاء معرفي (تيولوجي/ فقهي) إلى مسرح الفعل السياسي، أصبح مرجعا لشرعنة أو إزالة شرعية أحد الطرفين: (السلطة أو المعارضة)، في مقابل تراجع المرجعيات المدنية والعقلانية الأخرى (فكرة سيادة الشعب/ سيادة الأمة). فأي طريق، حسب رأيك، يمكن من تحييد الاسلام كرأسمال رمزي للحركات الإسلامية أو للدولة ليكون شأنا خاصا بعموم المواطنين؟ - أولا، لدي تحفظ على طرح ما عبرت عنه أنت ب"تراجع المرجعيات المدنية والعقلانية الأخرى". أطروحة سيادة الشعب والديمقراطية هي السائدة شعبيا وسلطويا وإسلاميا. وبقطع النظر عن مدى إيمان أو استيعاب هذه الأطراف لها، فإن القول بها يعني أنها أصبحت تمثل أساس الشرعية. ثانيا، لا أعتقد أن الإسلام كان في يوم ما محصورا في فضاء معرفي. فضاؤه الأساسي والغالب في التاريخ هو الفضاء السياسي. وقد لعب تارة في صف السلطان وطورا في صف المعارضة، بل إن الوضع الغالب هو استعمال السلطان للدين لتدعيم شرعيته بتواطؤ من الفقهاء. وكان هذا حال معظم الدول في العالم قبل العصر الحديث، حيث لم يكن ينظر للإنسان كمواطن بل كمؤمن، و حيث كان الإنسان أيضا يرى نفسه كمؤمن فقط. لذلك كان مصدر الشرعية هو الدين عكس اليوم حيث تؤسس السيادة الشعبية قولا أو فعلا أساس الشرعية كما رأينا. والمفروض إذن هو أن نضع حدا لتصور الإنسان المؤمن في المجال السياسي، وان نعطي ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وهو مسار يهم السلطة كما يهم الإسلام السياسي. غير أن مجتمعاتنا لم تعط لها الفرصة للاشتغال على هذه الثقافة. فنحن ما زلنا نعيش تحت شعارات من قبيل "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" أو "لا صوت يعلو فوق صوت معركة التنمية" أو "لا صوت يعلو فوق صوت الله" و كلها تعني "لا صوت يعلو فوق صوت السلطان" لذلك فإن الطريق الذي يمكن من تحقيق وفاق حول تحييد الدين وجعله شأنا خاصا لا أحزمة ناسفة هو طريق الحرية الفكرية.