خصصت صحيفة الأبزرفر صفحتين، قدمت عبرهما صورة تفصيلية للاحتمالات السياسية في الشرق الأوسط في ضوء الموقف الجديد الذي نشأ بعد ما أطلقت عليه الصحيفة "سقوط جدار غزة". وجاء عنوان التحقيق المنشور، بقلم بيتر بومونت، "سقوط جدار غزة يغير خريطة الشرق الأوسط إلى الأبد". يستعرض الكاتب في تحقيقه المصور تطور الأحداث عند الحدود المصرية مع قطاع غزة خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة، مشيرا إلى تحول "العبور الفلسطيني" من "استخدام الأقدام إلى استخدام السيارات والشاحنات لنقل "الماشية والمولدات الكهربائية والديزل وكميات كبيرة من الجزر والخضراوات". ويصف الكاتب كيف نشأ ازدحام في حركة السير في الطريق الجديد منذ أن تمكن نشطاء في حركة حماس من فتح طرق جديدة عبر الحدود مع مصر في منطقة طريق فيلادلفيا ليل الجمعة الماضي. ويقول "إن ما بدا في البداية، يوم الأربعاء، ظاهرة مؤقتة وإن كانت كبيرة الحجم، الأمر الذي دعا شرطة مكافحة الشغب المصرية إلى محاولة اغلاق الحدود في وقت لاحق من الأسبوع الماضي، سرعان ما تحول بشكل صاخب وبطريقة لا يمكن وقفها، إلى إعادة ترتيب للحقائق في الشرق الأوسط". ويؤكد أنه "حتى على الرغم من عدم الوضوح المحيط بالموقف، وبوجه خاص بانعكاسات ما حدث بالنسبة لغزة على المدى الطويل، فإن هذا لا يغير من هذه الحقيقة الأساسية". وضع خاص يستعرض التحقيق تفصيلا، من خلال مقابلات مع عدد من المحللين، الوضع الخاص الذي تعيشه غزة منذ بدء الانتفاضة الثانية عام 2000، مما أدى إلى إغلاق إسرائيل سوق العمل في أراضيها أمام الشباب الفلسطيني وما أدى إليه ذلك من بطالة وتدهور في الوضع الاقتصادي وارتفاع في نسبة الطلاق وغير ذلك من المشاكل الاجتماعية التي لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها. ويحذر الكاتب من أن التدفق الأخير لفلسطينيي قطاع غزة، إذا كان يعبر عن رغبتهم في الحرية، فلن يستطيع حل مشاكلهم، بل ربما يفاقمها على المدى البعيد. ويتناول التحقيق الوضع الذي آل إليه حال التجار في القطاع، وهم يرون الأموال التي كان من الطبيعي أن ينفقها الفلسطينيون في الداخل، تذهب إلى الجانب المصري. ويقول إن تجار غزة أصبحوا حاليا على وشك الافلاس. ويرى أنه بينما يمكن لحركة حماس التي تسيطر على القطاع أن تفخر بقدرتها على نسف الحدود مع مصر، وبالتالي توجيه الازدراء لإسرائيل وتحدي الحصار الذي فرضته، ربما يكون تصور مستقبل غزة قد أصبح اكثر تعقيدا. ويرى الكاتب أيضا أن الرئيس حسني مبارك الذي رضخ تحت ضغوط الشارع العربي الغاضب وسمح للفلسطينيين بعبور الحدود، لن يكون قادرا على التعامل مع حماس في حين يعتقل نظامه، بشكل روتيني، أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين. ولا يستطيع مبارك أيضا أن يوفر فرص عمل في مصر لفلسطينيي غزة كبديل عن العمل داخل اسرائيل. وستجد اسرائيل نفسها في موقف مشابه، "رغم أن بعض السياسيين الإسرائيليين أشاروا إلى أن سقوط رفح قد يتيح الفرصة لكي تتحمل مصر مسؤولية غزة"، إلا أن "حماس لن توقف نضالها ضد الاحتلال". ويخلص الموضوع إلى أن غزة ستظل كما كانت قبل سقوط الجدار: منطقة كارثة اقتصادية، تتوفر فيها السجائر والوقود واللحوم حاليا، ولكن ماذا بعد أن تنتهي القصة؟ في الصحيفة نفسها تكتب الكاتبة المصرية المقيمة في بريطانيا أهداف سويف مقالا بعنوان "هذا الخروج يواجهنا نحن المصريين بتهديد، ويتيح لنا فرصة". رسالة تحذير تبدأ أهداف مقالها بالإشارة إلى رسالة بعث بها الاسبوع الماضي الطبيب الفلسطيني إياد سراج مدير برنامج الصحة النفسية في غزة، قال فيها إن "السياسة الإسرائيلية الرامية إلى دفع مصر لفتح حدود رفح مع القطاع، سيسمح لإسرائيل بإغلاق حدودها مع القطاع، وبذلك يمكنها فصل غزة عن الضفة الغربية وتدمير مشاريع السلام.. فانتظروا الخروج الكبير"! وتضيف إن عدد الفلسطينيين الذين دخلوا مصر حتى مساء الجمعة بلغ 700 ألف شخص. وقد اصبح الإسرائيليون يتحدثون علانية عن تحميل مصر مسؤولية غزة مع استمرارهم في الوقت نفسه في توجيه اللوم لمصر "لفشلها في التحكم في الحدود طبقا للاتفاقات الموقعة". وتقول الكاتبة إن الحكومة المصرية تجد نفسها في مازق، فإذا تركت الفلسطينيين يروحون ويجيئون فسوف تتهمها الولاياتالمتحدة واسرائيل بعدم الوفاء بالاتفاقات. أما إذا دفعت الفلسطينيين بالقوة خارج حدودها وأعادت بناء الحدود واغلاقها، "فسيكون شكلها قبيحا، ليس فقط امام المصريين الذين يتظاهرون بعشرات الآلاف تأييدا للفلسطينيين، بل للناس في كل مكان، الذين -تابعوا برعب متزايد- مأساة غزة". ويحذر المقال من أن الوضع الذي يواجهه الرئيس حسني مبارك داخل مصر حاليا قد أصبح حرجا، مع الاتهامات التي يوجهها المعارضون إلى الحكومة بانتهاك حقوق الانسان والفشل الاقتصادي،" وهو ما يجعل أي تصرف سيئ من جانبها فيما يتعلق برفح يمكن ان يقوض شرعيتها". وتخلص إلى أن أمام مبارك فرصة للخروج من المأزق في حال أمكنه اقناع حركة فتح بالتفاوض مع حماس وبالتالي إعادة ربط الضفة وغزة معا، وهنا- تقول الكاتبة- "يمكنه حقا أن يدفع المنطقة نحو السلام".