شهدت الساحة الكويتية في الأسابيع القليلة الماضية أزمة سياسية نتجت عن الاحتجاجات ضد قانون الدوائر الانتخابية. ولا غرو أن ما حصل ليس مشهدا يتيما في الساحة السياسية الكويتية ، بل ان هذا البلد هو الدولة الخليجية القائدة في مجال الحراك السياسي، وتتمتع مقارنة مع جاراتها بنظام برلماني انتخابي تعددي. الا أن ما أثارني حقيقة هو ذلك اللون البرتقالي الذي توشح به المحتجون وحملوه رايات ترفرف في سماء الكويت في اشارة واضحة الي الثورة البرتقالية التي شهدتها احدي الدول، والتي اسفرت عن انتصار ارادة ذلك الشعب الذي حمل تلك الرايات والذي يوصف بأنه شعب حي. وقد نتج عن الاحتجاجات في الكويت حل البرلمان والدعوة الي انتخابات تشريعية جديدة، هل يقود الحراك السياسي في الدول العربية الي تطور ما يصل الي حد التغيير الجذري في المشهد الداخلي العام؟ أنه لمن الصعب الحديث عن ركود وجمود في الساحة السياسية العربية وهذا منذ استقلال هذه الدول عن الاستعمار الأجنبي، فما هي معيقات الحراك السياسي داخل الدول العربية؟ هل يتصف هذا الحراك بالديمومة والاستمرارية؟ لماذا يعود كل شيء الي الهدوء والدعة دون تحقيق مكاسب واضحة المعالم تسفر عن تغيير جذري؟ ما هي المواهب التي يتمتع بها شعب نيبال مثلا ولا تتمتع بها الشعوب والنخب العربية؟ عندما فازت جبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر بالانتخابات التشريعية عام 1992، وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع ايديولوجية جبهة الانقاذ، فقد كاد هذا الفوز ان يقود الي تغيير جذري في المشهد الجزائري بكل ابعاده. ولكن ما حصل هو الغاء تلك النتائج مما اسفر عن دخول الجزائر في زمن الدماء، وكان هذا نفسه حراكا سياسيا في كل الأحوال، لكنه حراك الي الوراء بكل تأكيد، الحراك السياسي هو ايضا علي اشده في العراق وفلسطين، لكن لا يختلف اثنان انه حراك دموي الي الوراء ايضا. هناك اليوم احتجاجات دائمة في مصر حول قانون الطوارئ وحول استقلال القضاء ووو...، وهناك احتجاجات في تونس مثلا واعتصامات للمطالبة بحرية الرأي وهناك وهناك. ان هذه العجلة التي تسير ببطء لا احد حسب علمي يبادر الي ايقافها سواء من الداخل او من الخارج ولو ان حركات القمع والاعتقالات دؤوبة ومسايرة لتحركت هذه العجلة فذلك من طبيعة وهيكلية النظام البوليسي العربي، لكن حالما يبدأ سير العجلة بالتسارع وتحقيق مكاسب جذرية، هناك من يأخد بهذه العجلة ويدفعها للدوران في الاتجاه المعاكس ليقذف بها في هوة سحيقة. وهذا يعني وبكل اسف ان الأزمة هي ازمة العقل العربي وأزمة الشعب العربي الذي لم ينضج بعد ليتحمل مسؤولية التغيير.