أصدر المرصد التونسي للاقتصاد الأسبوع الفارط تقرير مفصلا تحت عنوان "موجز الميزانية 2022: هل يحافظ قانون المالية على الدور الاجتماعي للدولة؟" وتمحورت النقاط الرئيسية للتقرير حول ما أدت اليه سياسة التقشف المتبعة من تراجع الدور الاجتماعي للدولة وانعكاس صعوبات المالية العمومية سلبا على نفقات الوزارات ذات الصبغة الاجتماعية علاوة على تراجع خلق مواطن الشغل في الوظيفة العمومية مما يلقي بظلاله على قطاعي الصحة والتربية و"الترويج" الرسمي الى ان تقلب الاسعار العالمية للمواد الأساسية يفرض الترفيع في نفقات دعم هذه المواد. واعتبر التقرير انه نظرا للظرفية الاستثنائية التي تعيشها تونس على وقع التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021 تم نشر كل من قانون المالية التعديل لسنة 2021 وقانون المالية لسنة 2022 في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية مباشرة دون المرور بمجلس نواب الشعب حيث ينص القانون الاساسي للميزانية على الزامية عرض قانون المالية على السلطة التشريعية للنقاش والتعديل والتصويت عليه فصلا فصلا ليتم بعد ذلك المصادقة عليه. ومع تجميد عمل مجلس نواب الشعب اكتفى رئيس الجمهورية باجتماع وزاري ختم خلاله قانون المالية لسنة 2022 ليليه تصريحه انه أمضى القانون مكرها نظرا للوضعية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني والمالية العمومية. وإن اختلفت، وفق المرصد، الظرفية العامة لنشر قانون المالية التعديلي لسنة 2021 وقانون المالية لسنة 2022 إلا أن محتوى الوثيقتين لم يختلف كثيرا عما عودت به وزارة المالية التونسيين خلال العقد الفارط: اختلالات كبرى للتوازنات، تراجع موارد الدولة وتزايد نفقاتها مما يؤدي الى ارتفاع عجز الميزانية ليبلغ 3.8 بالمائة من الناتج المحلي الخام في موفى سنة 2021 وارتفاع حجم الدين العمومي ليناهز حوالي 86 بالمائة من الناتج المحلي الخام موفى سنة 2021. وتم التأكيد، في ذات السياق، على ان الامر يشكل في الواقع امتداد تركة خلفتها الحكومات التي تعاقبت على تونس من خلال انعدام الحوكمة في التصرف في المال العام والالتجاء المفرط للتداين. وسعيا منها للخروج من الازمة الخانقة التي تعيشها المالية العمومية، أقرت وزارة المالية برنامجا جرى وصفه على انه "اصلاحي" له طابعا اقتصادي/ اجتماعي يهدف للتحكم في موازنات المالية العمومية والعمل من أجل تحقيق منو اقتصادي مستدام والمحافظة على الدور الاجتماعي للدولة ومساندة الطبقات الاجتماعية الهشة. وفي محور الإنفاق الاجتماعي للدولة، جرى التذكير بانه يشمل أنظمة الحماية والمساعدات الاجتماعية ودعم المحروقات والمواد الغذائية وإنفاق الدولة على الصحة والتعليم، اللذين يكتسبان حسب صندوق النقد الدولي أهمية بالغة في البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط. الا ان حكومات ما بعد 2011 تبنت سياسة تقشف بإيعاز من صندوق النقد الدولي من خلال الحد من الإنفاق الاجتماعي وتقليص نفقات الوزارات ذات الصبغة الاجتماعية. ويتواصل، وفقا لمعطيات المرصد التونسي للاقتصاد، تبني هذه السياسة مع حكومة نجلاء بودن بعدما دعا رئيس الجمهورية خلال شهر نوفمبر سنة 2021 رئيسة الحكومة للتقشف في المال العام دون تحديد الآليات التي سيتم اعتمادها للتقشف ليتم فيام بعد تأكيد تبني الحكومة نفس السياسات السابقة من خلال قانون الميزانية لسنة 2022. وأكدت رئاسة الجمهورية في بلاغ نشر عقب اجتماع وزاري مصغر خصص للمصادقة على قانون المالية لسنة 2022 على أن برنامج الاصلاحات المضمنة في مشروع قانون المالية سيمكن من تحقيق منو اقتصادي شامل ومستدام، بالإضافة الى المحافظة على الدور الاجتماعي للدولة وإرساء جباية عادلة لا تثقل كاهل المؤسسات والأفراد وتحسين حوكمة القطاع العام وتعزيز إجراءات مجابهة تداعيات الأزمة الصحية. بعد نشر قانون المالية بالرائد الرسمي وتقرير حول ميزانية الدولة لسنة 2022 بالموقع الرسمي لوزارة المالية وبالنظر الى الجزء الثالث المتعلق بنفقات الميزانية انحصرت الإجراءات الاجتماعية التي وعد بها رئيس الجمهورية في الترفيع في المنح المسندة الى العائلات المعوزة وإسناد منحة شهرية لفائدة ابناء العائلات محدودة ومتوسطة الدخل والمحافظة على المساعدات والتحويلات الاجتماعية التي تم اقرارها في إطار مجابهة جائحة الكورونا، إضافة الى مواصلة اسناد منحة الادماج في الحياة الجامعية لكل ناجح في البكالوريا ينتمي الى عائلة ضعيفة او متوسطة الدخل. وعلى صعيد الوزارات ذات صبغة الاجتماعية تعتزم وزارة المالية بالنسبة لسنة 2022 التخفيض في ميزانية وزارة الصحة ب 15.98 بالمائة والمحافظة على ميزانية وزارة الشؤون الاجتماعية في نفس المستوى بنسبة تطور ب 0.19 بالمائة مقارنة بسنة 2021 وميزانية وزارة التربية بنسبة تطور ب 1.6 بالمائة مقارنة بسنة 2021. مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة التضخم التي قدرها البنك المركزي ب 6.8 بالمائة لسنة 2022 فان الميزانية التي وقع تخصيصها لكل من وزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية ستشهد تطورا سلبيا سنة 2022 خاصة وزارة الصحة حيث تشير الارقام الى ان التطور الحقيقي يعادل خسارة الوزارة لأكثر من خمس ميزانيتها. يذكر ان رئيس الجمهورية يدعو بشكل متواصل الى ضرورة ان تكون القوانين المالية مواكبة لتطلعات الشعب في الحياة الكريمة ومكافحة الفقر والاحتياج غير انه وعلى صعيد التطبيق فان مستويات الانفاق الاجتماعي والنهوض بالاستثمار العمومي ومخصصات مجابهة الفقر وتنمية الجهات ما انفكت تتدهور. ويبرز اليوم بوضوح انه لا وجود في الواقع لرؤية اقتصادية تتضمّن برنامجاً واضح المعالم للخروج من الأزمة الراهنة، مما جعل عددا من المراقبين يؤكدون ان ما يصرّح به هو كلام عام وليس برنامجاً متكاملاً ومنسجماً. ولتحسين وضعية المالية العامة وتفادي الآثار السلبية لسياسة التقشف التي تمليها الهيئات الدائنة بوضوح سيما في محاور رفع الدعم دون إيجاد بدائل محكمة وتقليص الانفاق العام وتغيير نمط سياسات التامين الاجتماعي، يتضح انه من المفروض التوجه بالضرورة نحو تعزيز صورة تونس في الخارج، ودعم القطاع الفلاحي، وتشجيع التونسيين في الخارج على الاستثمار ومزيد من التحويلات المالية، وخاصة توطيد الجهود للمكافحة الحقيقية للفساد وانعدام الكفاءة كظاهرتين تنخران كافة القطاعات.