عقب الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية، صعّدت طهران من لهجتها بشكل لافت، حيث وافق البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، على إغلاق مضيق هرمز، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، في انتظار المصادقة النهائية من المجلس الأعلى للأمن القومي. وفي واحدة من أكثر التصريحات إثارة للجدل، دعا حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان المقربة من المرشد الأعلى الإيراني، إلى استهداف القوات البحرية الأميركية في البحرين بالصواريخ، وإغلاق المضيق أمام السفن التجارية الأميركية والأوروبية، في تصعيد غير مسبوق قد يعيد تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة والعالم. مضيق هرمز… شريان الطاقة العالمي يقع مضيق هرمز بين إيران وسلطنة عمان، ويُعد ممرًا بحريًا بالغ الأهمية، يربط الخليج العربي ببحر عمان. ويمر عبره نحو 20.5 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، ما يعادل ثلث النفط العالمي المنقول بحرًا، بحسب بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية (EIA) لعام 2023. ولا يقتصر الأمر على النفط فقط، بل يمر عبر المضيق أيضًا جزء كبير من صادرات الغاز الطبيعي المسال، خاصة من قطر. لذلك، فإن أي محاولة لإغلاقه أو تهديده قد تؤدي إلى اضطراب فوري في إمدادات الطاقة العالمية، وقد تقفز أسعار النفط إلى مستويات تاريخية. ويحذر خبراء من أن السيناريو الحالي قد يكون أكثر خطورة من أزمة 2011، حينما ارتفع سعر برميل برنت إلى أكثر من 125 دولارًا بسبب تهديد مشابه من إيران. أزمة متعددة الأبعاد… من الطاقة إلى الأمن إغلاق مضيق هرمز لن يقتصر تأثيره على قطاع الطاقة فحسب، بل سيضرب سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في آسيا، حيث تعتمد دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والهند بشكل كبير على واردات النفط عبر هذا الممر. أما أوروبا، فقد تجد نفسها في مواجهة أزمة طاقة جديدة بفعل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال وصعوبة تأمين بدائل سريعة. ومن الناحية العسكرية، فإن هذا التطور يشكل تحولًا استراتيجيًا خطيرًا. إذ تقع العديد من القواعد الأميركية في الخليج، منها في قطروالبحرين والكويت والإمارات، ضمن مدى الصواريخ الإيرانية قصيرة ومتوسطة المدى. ووفق محللين تحدثوا لشبكة CNN، تمتلك إيران قدرات صاروخية قادرة على استهداف هذه القواعد بعشرات الآلاف من الصواريخ الباليستية، ما يجعل من المواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن أمرًا شبه محتوم. عمل حربي بنظر القانون الدولي وفق القانون الدولي، يُعد عرقلة حرية الملاحة في الممرات البحرية الدولية "عملًا حربيًا"، ما يعني أن ردًّا من الولاياتالمتحدة لن يكون مستبعدًا، بل وقد يشارك فيه عدد من دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تحت ذريعة حماية أمن الطاقة العالمي. وبحسب البروفيسور جيسون بوردوف، مدير مركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا، فإن إغلاق مضيق هرمز سيؤدي إلى "تأثير دومينو" متزامن في قطاعات الطاقة والتأمين والنقل البحري والقانون الدولي والاستقرار الجيوسياسي. ويضيف: "هشاشة النظام العالمي تتكثف عند هذا المضيق", مشددًا على أن الأزمة لن تبقى إقليمية، بل تهدد بإعادة رسم موازين الاقتصاد العالمي بأسره. الضربات الأميركية وردود الفعل المتسارعة وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن أن الهجوم على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية الإيرانية كان "نجاحًا عسكريًا تاريخيًا"، مشيرًا إلى أن البنية التحتية النووية الإيرانية قد "دُمرت بالكامل" بواسطة قاذفات "B-2". بدورها، أكدت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية تعرض مواقعها للقصف، وأعلنت أنها ستقاضي الولاياتالمتحدة دوليًا، لكنها في الوقت ذاته جددت التزامها بمواصلة البرنامج النووي. وفي الجانب الإسرائيلي، هنّأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الرئيس ترامب على "قراره الشجاع"، بينما لم يصدر أي تعليق مباشر من المرشد الأعلى علي خامنئي حتى الآن، مما يزيد من حالة الغموض. خطر الانتقام على الأبواب على الجانب الأميركي، حالة التأهب القصوى ما تزال قائمة. وقال ترامب في منشور عبر منصة Truth Social: "أي هجوم انتقامي من إيران سيُقابل بقوة أكبر بكثير مما رأيتموه الليلة." وأكدت تقارير متطابقة أن منظومات الدفاع الجوي قد فُعلت في القواعد الأميركية، بينما رُصدت تحركات جوية مكثفة في سماء طهران طوال الليل. العالم اليوم يقف على حافة صراع شامل، وإغلاق مضيق هرمز قد لا يكون مجرد تحرك استراتيجي إيراني، بل شرارة لأزمة طاقة عالمية وصدام عسكري إقليمي واسع النطاق.